بغداد اليوم – ديالى
على مدى أكثر من مئة عام، شكّل رمان شهربان علامة زراعية مميزة عُرفت على مستوى العراق كأجود أنواع الرمان، حتى بات اسمه عنوانًا للجودة في الأسواق، ولا سيما العاصمة بغداد. لكن بعد أحداث حزيران 2014 واجتياح تنظيم داعش مناطق واسعة من قضاء المقدادية، خصوصًا شماله، بدأت رحلة تراجع هذه الشهرة التاريخية.
الاضطرابات الأمنية، والجفاف، والحرائق دمّرت ما يُعرف بـ"المزرعة الحمراء"، وهي مجموعة من البساتين المتلاصقة تمتد لأكثر من 6 آلاف دونم، وتُعد أكبر مزرعة رمان في الشرق الأوسط، كانت تنتج آلاف الأطنان وتغطي حاجة الجزء الأكبر من الأسواق العراقية.
رئيس اللجنة الزراعية في مجلس ديالى، رعد التميمي، أوضح في حديثه لـ"بغداد اليوم"، أن "رمان شهربان كان يتسيّد الأسواق العراقية لأكثر من 100 عام بفضل جودته ومذاقه الفريد، لكن أحداث 2014 وما تبعها من جفاف وهجرة المزارعين تسببت في هلاك ما نسبته 95% من تلك البساتين، لتفقد آلاف العوائل مصدرًا اقتصاديًا مهمًا كان ينعش اقتصاد المنطقة".
وأضاف التميمي أن "رغم تحرير المناطق وعودة أغلب العوائل إليها، إلا أن ضعف الإمكانيات حال دون إحياء البساتين، إذ لم يُعَد استصلاح سوى 20 – 30% من الأراضي، فيما تبقى المساحات الأكبر بحاجة إلى دعم حكومي عبر قروض بدون فوائد لإعادة إنعاش أكبر مزرعة للرمان في الشرق الأوسط".
من جهته، أكد الخبير الزراعي عبد الله العزاوي أن "رمان شهربان لم يكن مجرد محصول زراعي، بل قطاعًا اقتصاديًا كاملاً كان يوفّر سبل العيش لآلاف العوائل، ويدعم مهنًا أخرى بفترات عمل تمتد لشهرين أو ثلاثة سنويًا، لكن اندثار هذه البساتين أدى إلى تراجع الانتعاش الاقتصادي ودخول الكثير من الأسر خط الفقر بعد أن كانت المنطقة تنعم برخاء لعقود".
وشدد العزاوي على "ضرورة إحياء هذه المزارع التاريخية ودعم الفلاحين لإعادة الاعتبار لمنتج زراعي مثّل هوية اقتصادية واجتماعية للعراق على مدار عقود طويلة".
يُعد قضاء مدينة شهربان (المقدادية حاليًا) من أكثر مدن العراق إنتاجًا لمحاصيل الفاكهة، ولا سيما محصول الرمان، حيث يحتوي القضاء على آلاف الدوانم الزراعية التي كانت تجهز الأسواق المحلية بآلاف الأطنان سنويًا، ويُصدَّر الفائض منها إلى دول الجوار. إلا أن هذه المساحة تقلصت بحوالي 90% وباتت بالكاد تغطي استهلاك المحافظة، إذ أصبح من النادر وجود رمان ديالى في الأسواق العراقية.
في هذا الشأن، يقول رئيس اللجنة الزراعية في مجلس ديالى السابق، حقي إسماعيل، لـ"بغداد اليوم"، إن "رمان شهربان فقد 95% من حصته في الأسواق العراقية بعد أحداث حزيران 2014 (احتلال داعش لمناطق شاسعة من العراق) وبسبب حركة النزوح التي رافقت الاضطرابات الأمنية آنذاك، ما أدى إلى جفاف عام للمزارع وهلاك قرابة 90% بشكل مباشر".
ويضيف إسماعيل أن "رمان شهربان، والذي يمتد على شكل مزارع مترابطة في قاطع شمال المقدادية (40 كم شمال شرق بعقوبة)، يُعد حالة استثنائية على مستوى المحافظة برزت قبل قرن بعد نجاح زراعته من خلال أصناف باتت أشبه بالماركة الزراعية على مستوى العراق في ظل وجود رغبة متزايدة لشرائه".
من جانبه، يقول المهندس الزراعي حسن الشمري، لـ"بغداد اليوم"، إن "رمان شهربان ليس مجرد محصول، بل ديناميكية اقتصادية لعدة مهن كانت تنعش دخل آلاف الأسر وقت الحصاد".
ويؤكد الشمري أن "الاضطرابات بعد 2014 كانت بمثابة الضربة القاضية للجزء الأكبر من مزارع الرمان في قاطع شمال المقدادية، والتي قادت إلى هلاكها، ولم يتبق سوى أقل من 10% وهي تعاني من أزمة الجفاف بالوقت الحالي"، داعيًا إلى "ضرورة منح المزارعين قروضًا مالية تسهم في إعادة إحياء مزارع الرمان مرة أخرى لإحياء القطاع الزراعي الذي كان مزدهرًا لعقود".
إلى جانب التحديات الأمنية، يفاقم الجفاف من حجم الأزمة. فقد كشف وزير الموارد المائية العراقي، عون ذياب عبد الله، في وقت سابق، أن البلاد تمر بـ"أصعب مراحل الجفاف"، الأمر الذي دفع الحكومة إلى تحجيم الزراعة في الموسم الحالي، مشددًا على أن "جهودًا حثيثة واستثنائية تبذل لتأمين مياه الشرب وتلك المخصصة للاحتياجات المنزلية والصناعية والصحية والبيئية".
وبحسب منظمة اليونيسيف، تحتوي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على 11 دولة، من بينها العراق، من أصل 17 هي الأكثر تأثرًا بأزمة شح المياه عالميًا. فيما حذر البنك الدولي من أنه إذا لم يتخذ العراق إجراءات جدية لمواجهة هذا الخطر بحلول 2050، وفي حال ارتفاع درجات الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة وانخفاض الأمطار بنسبة 10%، سيفقد البلد ما نسبته 20% من مياهه العذبة، ما يعني تهديدًا مباشرًا لبساتين ديالى الزراعية ومنها مزارع الرمان الشهيرة.
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات