كتب الباحث في الشأن العربي والإسلامي د. معن بن علي الدويش الجربا
سنحاول في هذا المقال التحدث بطريقة بسيطة ومختصرة بعيدًا عن التعقيد، حتى يسهل لغير المختصين في علم الاقتصاد فهم النظرية الاقتصادية في الإسلام.
إن من أهم خصائص الأسلوب القانوني والتشريعي في الإسلام أنه يضع القواعد العامة لأي نظرية دون الدخول في التفاصيل، ثم يترك للفقهاء والعلماء استنباط الأحكام التفصيلية بناءً على ظروف الزمان والمكان استنادًا إلى القواعد والأحكام العامة الكلية التي وضعها. وهذا ما جعل الأحكام الإسلامية قادرة على مواكبة المتغيرات في كل العصور، وصالحة لكل زمان ومكان، لذلك سنجد أن النظرية الاقتصادية في الإسلام قامت على أسس وقواعد عامة من أهمها:
أولًا: النظرية الاقتصادية في الإسلام تدفع برأس المال باتجاه الاقتصاد الحقيقي القائم على إنتاج السلع والخدمات، وليس باتجاه الاقتصاد القائم على المضاربة بالأموال مثل (الربا وبيع الديون)، والهدف من ذلك هو تحقيق التنمية والرفاهية للمجتمع من خلال تأمين الوظائف لأفراده، حيث إن زيادة العملية الإنتاجية في الاقتصاد تعني زيادة عدد المصانع والمنشآت الاقتصادية المنتجة، والتي بدورها سوف توفر الوظائف لأبناء المجتمع، وبالتالي تتوفر الرفاهية.. من أجل ذلك حرم الإسلام الربا الذي يقوم على تجارة (المال بالمال دون إنتاج حقيقي) لأن هذا النوع من الاقتصاد الربوي سيؤدي إلى:
(أ) تقاعس التجار ورأس المال عن الاقتصاد القائم على الإنتاج الحقيقي والذي سوف يؤمن الوظائف للمجتمع، حيث إن (الربا مثلًا) أسهل طريقة للربح، والإنسان بطبعه يحب أسهل وأقصر الطرق للربح. وهذا ما وقع به النظام الرأسمالي الحالي حيث إن حجم الأموال العالمية المستخدمة في الاقتصاد الحقيقي القائم على الإنتاج لا تتجاوز (2%) فقط، بينما حجم الأموال العالمية المستخدمة في الاقتصاد الربوي غير المنتج تصل إلى (98%)، وهذا هو السبب الحقيقي للبطالة وارتفاع الأسعار في العالم.
(ب) سيؤدي هذا النظام الربوي إلى تكدس الثروة في يد طبقة معينة من المجتمع، فاليوم وفي ظل النظام الرأسمالي القائم على الربا سنجد أن (5%) من سكان هذا الكوكب تملك أكثر من (80%) من مقدرات العالم وثرواته تقريبًا، وهذا هو سبب انتشار الفقر في العالم.
سنجد أيضًا أن من الوسائل التي استخدمها الإسلام لدفع رأس المال نحو الاقتصاد الإنتاجي هو (فرض الزكاة) على المال (الراكد) الذي تمر عليه سنة كاملة وهو لم يعمل، أما المال الذي يعمل وينتج فإن الإسلام يرفع عنه الزكاة، وذلك لأن المال المنتج سوف يوفر الوظائف والعمل والرفاهية لأفراد المجتمع، وبذلك شجع النظام الاقتصادي الإسلامي رأس المال على العمل، وعاقب رأس المال الخامل بالزكاة.
ثانيًا: النظرية الاقتصادية في الإسلام قامت على أساس حماية السوق من أي عوامل خارجية قد تؤثر على القيمة الحقيقية لأسعار السلع، بمعنى أن الإسلام حريص على أن يجعل سعر السلعة خاضعًا لقانون (العرض والطلب) فقط ولا شيء آخر، لأن تعرض سعر السلعة لأي عوامل خارجية مصطنعة وغير حقيقية سيجعل سعر السلعة وهميًا ولا يتناسب مع الواقع.
سنجد هذا واضحًا عندما نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن (تلقي الركبان) ومثال ذلك أن يأتي أهل القرى لبيع سلعهم في سوق المدينة، فيخرج لهم تجار المدينة قبل وصولهم إلى السوق، فيغشونهم ويدلسون عليهم ويشترون منهم السلع بأقل من قيمتها الحقيقية المتداولة في السوق.
كذلك سنجد هذا واضحًا عندما نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن (بيع النجش)، ومثال ذلك أن يعرض التاجر سلعته في المزاد، ثم يتفق مع شخص آخر لا يريد شراء السلعة، ولكنه يستأجره ليرفع قيمتها. بحيث إذا قال أحد الحاضرين في المزاد سأشتري هذه السلعة بمائة، يقول الشخص الذي استأجره التاجر: سأشتريها بمائة وخمسين، وهكذا حتى يتم بيع السلعة بأعلى سعر ممكن (أي بغير القيمة الحقيقية للسلعة).
فالنظام الاقتصادي الإسلامي حريص على أن يكون سعر السلعة متناسبًا مع الجهد البشري المبذول في إنتاجها ومع حجم حاجة الناس إليها، حيث إن سعر السلعة يعتمد أساسًا على (تكلفة الجهد البشري المبذول في إنتاجها) مضافًا إليها (مقدار حاجة الناس لهذه السلعة). وأي تلاعب بحقيقة هذه المقادير وهذه المعايير يعتبر تلاعبًا في حقيقة السوق، وبالتالي ومع مرور الوقت سنصل إلى الأزمات الاقتصادية التي تربك الاقتصاد وتدمره. بالطبع نحن نتحدث هنا عن الأسواق العالمية وليس عن الأسواق الصغيرة التي قد لا تظهر بها هذه النتائج الكارثية بسبب هذا الخلل في وقت قصير.
ثالثًا: النظرية الاقتصادية في الإسلام تمنع بيع الشيء قبل قبضه ومعاينته والتأكد من وجوده، حيث قال النبي عليه الصلاة والسلام لأحد الصحابة: (إذا اشتريت بيعًا فلا تبعه حتى تقبضه).
وبدراسة الأزمة المالية العالمية سنجد أن من أهم أسبابها ما يسمى (بالاقتصاد الوهمي) القائم على البورصات والأسواق المالية التي يتم فيها بيع وشراء الأسهم والسندات والبضائع بدون (قبض السلعة المباعة)، مما أتاح نمو الاقتصاد الوهمي والطفيلي وطرق شتى للنصب والاحتيال بشكل كبير.
رابعًا: النظرية الاقتصادية في الإسلام تجعل من الذهب والفضة هما النقدان فقط، وعند إصدار الأوراق النقدية، كما في عصرنا الحاضر، يجب أن تكون مغطاة بالذهب والفضة بكامل القيمة، مما يجعله اقتصادًا صلبًا ومتينا، وليس اقتصادًا هشًا من السهل انهياره.
خامسًا: النظرية الاقتصادية في الإسلام جاءت بمعايير وسطية تحقق التوازن بين مصالح الفرد ومصالح المجتمع، وذلك بعكس النظرية الرأسمالية التي مالت إلى مصالح الفرد على حساب مصالح المجتمع.
سادسًا: النظرية الاقتصادية في الإسلام تحث على القيم والمثل والأخلاق، وتجعل لذلك رقابة ذاتية قائمة على الضمير الإنساني. وسنجد خبراء الاقتصاد اليوم يقولون بأن من أهم أسباب الأزمات الاقتصادية هو انتشار الفساد الأخلاقي الاقتصادي مثل الاستغلال، والشائعات المغرضة، والاحتكار، والغش، والتدليس.
بناءً على ذلك، لو طُبّقت القواعد العامة للنظرية الاقتصادية في الإسلام عالميًا ودون معوقات، لانتهت كل المشاكل الاقتصادية في العالم من حيث غلاء الأسعار، والبطالة، وتكدس الثروة في يد مجموعة قليلة من الناس.
وهنا من الجيد أن نتذكر ما قاله الفيلسوف البريطاني الشهير (جورج برنارد شو) عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، واصفًا إياه بأنه منقذ البشرية الحقيقي، وأن دين محمد سيكون هو النظام الذي تُؤسس عليه دعائم السلام والسعادة، وستستند على فلسفته حل كل المعضلات والعُقَد وفك المشكلات في العالم. ثم أضاف قائلًا: (ما أحوج العالم اليوم إلى رجل كمحمد ليحل قضاياه المعقدة، بينما هو يتناول فنجانًا من القهوة).
بغداد اليوم- بغداد تجري قرعة بطولة كأس ملك تايلاند الدولية بمشاركة المنتخب الوطني، في 13 من شهر آب الجاري. وتم وضع المنتخب العراقي، صاحب أعلى تصنيف في البطولة، والمنتخب التايلاندي المضيف، على رأس المجموعتين. وستجري مراسم القرعة إلكترونيًا عند الساعة