سياسة / ملفات خاصة اليوم, 13:38 | --

انقسام حاد


قانون العنف الأسري "يُخيف" أكثر مما يطمئن!.. تصادم النصوص مع طبيعة المجتمع العراقي

بغداد اليوم – بغداد

بعد سنوات من الجدل والمماطلة، عاد مشروع قانون الحماية من العنف الأسري إلى واجهة النقاش التشريعي في مجلس النواب العراقي، وسط انقسام حاد بين من يراه خطوة إصلاحية ضرورية، ومن يخشى أن يتحول إلى نسخة غريبة عن المجتمع العراقي.

القانون المقترح، الذي طال انتظاره، لم يأتِ من فراغ؛ بل وُلد من رحم الفوضى القانونية التي جعلت التعامل مع جرائم العنف داخل الأسرة يعتمد على مواد متفرقة في قانون العقوبات والأحوال الشخصية وقوانين رعاية الأحداث والقاصرين.

يقول الباحث القانوني علي التميمي في إيضاح ورد لـ"بغداد اليوم" إن "مشروع القانون جمع المواد المبعثرة في هذه التشريعات، وهي خطوة إيجابية يمكن أن تسهل تطبيق العدالة، لكنها تظل ناقصة إن لم تُبنَ على فهم حقيقي لطبيعة الجريمة الأسرية في المجتمع العراقي".

مشروع القانون، بحسب التميمي، بحاجة إلى أن "يتناول الجوانب النفسية المؤدية إلى الجريمة، وأن يستعين البرلمان بمختصين في علم النفس والاجتماع قبل التشريع"، لأن أغلب جرائم العنف الأسري في العراق ليست وليدة الخلاف الآني بل نتيجة تراكم نفسي واجتماعي طويل.

هذه الملاحظة البسيطة تكشف فجوة عميقة بين التشريع والواقع الاجتماعي؛ فالقوانين العراقية غالباً ما تُصاغ بلغة العقوبة لا بلغة الوقاية، وكأنها أدوات للردع أكثر من كونها وسائل للعلاج.

في المقابل، يطالب التميمي بأن يكون القانون "بصبغة عراقية خالصة، بعيدة عن استنساخ القوانين الأجنبية التي لا تراعي البنية العائلية والثقافية للمجتمع"، محذّراً من أن تطبيق نماذج غربية – مثل تمكين الابن من الشكوى على والده – "قد يهدم الأسرة أكثر مما يحميها".

لكن الجدل لا يقف عند النصوص، بل يمتد إلى النية السياسية وراءها. ففي كل دورة برلمانية تقريباً، يظهر المشروع إلى العلن ثم يُدفن في اللجان، رهينة التوازنات الطائفية والحزبية. وبينما ترتفع أصوات المنظمات الدولية للمطالبة بإقراره، تنقسم الكتل السياسية حوله، بين من يراه ضرورة حقوقية وبين من يخشى أن يهدد “السلطة الأبوية” في مجتمعٍ محافظ.

يقول مراقبون إن أزمة التشريع في العراق ليست تقنية بل وعيّية: فالكثير من القوانين تُمرَّر لتجميل صورة الدولة أمام الخارج لا لمعالجة جذور الأزمة في الداخل. ويضيفون أن البرلمان لا يعكس التنوع المجتمعي بقدر ما يمثل "جماهير حزبية مغلقة"، ما يجعل التشريع امتداداً لمصالح السلطة لا لحاجات المجتمع.

في ظل هذه الرؤية الضيقة، يغيب إدراك البرلمانيين للمتغيرات التي تعصف بالعراق: اقتصاد هشّ، بطالة متزايدة، توترات أمنية، نزاعات داخل الأسر بسبب الفقر والنزوح، وتحوّلات اجتماعية تفرض أن تكون القوانين أكثر مرونة واستيعاباً. لكن، بدلاً من التفاعل مع هذه الحقائق، ينشغل المشرّع – كما يقول باحثون قانونيون – بإنتاج نصوص فضفاضة "تخدر الرأي العام" دون أثر تطبيقي حقيقي.

وتشير تقارير حقوقية إلى أن العنف الأسري في العراق في تزايد، إذ رصدت منظمات ارتفاع حالات العنف ضد النساء والأطفال، مع غياب قانون نافذ لحمايتهم. كما أن القوانين الأخرى، مثل تعديل قانون الأحوال الشخصية، فتحت الباب لانتهاكات جديدة كخفض سن الزواج، ما اعتبرته صحف غربية “نهاية لحقوق النساء والأطفال في العراق”.

يرى التميمي أن المشكلة الجوهرية ليست في تشديد العقوبات، بل في غياب أدوات الوقاية: "القانون يجب أن يركّز على الحلول المسبقة من خلال دور البحث الاجتماعي ومنظمات المجتمع المدني، وأن يبتعد عن التوسع في نشر المشاكل العائلية، لأن ذلك سيكون وبالاً لا علاجاً".

القوانين التي تبدأ بالعقوبة تنتهي غالباً إلى نتائج عكسية في مجتمعٍ ما زال ينظر إلى الخلاف العائلي كمسألة “شرف” لا كجريمة. ولهذا، يؤكد خبراء أن نجاح قانون الحماية من العنف الأسري لن يُقاس بعدد الأحكام الصادرة، بل بعدد الأسر التي تم منع تفككها قبل الوصول إلى المحكمة.

تقول مصادر قانونية إن النسخ الحالية من المشروع مستوحاة جزئياً من قوانين عربية وغربية، لكنها فقدت هويتها خلال عمليات التعديل البرلماني. القانون لم يُعرض على مختصين في علم النفس أو الاجتماع، ولم يُفتح لحوار مجتمعي واسع، بل حُصر في نقاش سياسي مغلق. وفي غياب مؤسسات بحث اجتماعي فعّالة، يظل التشريع أسيراً لوجهة نظر النائب أو اللجنة، لا لاحتياجات المجتمع.

يرى مراقبون ومحللون أن تساؤلاً يفرض نفسه اليوم: هل يدرك البرلمان العراقي أنه يشرّع في زمن مختلف، أمام متغيرات اقتصادية وإقليمية وأمنية غير مسبوقة؟ أم أنه ما زال يعيش في قوالب قديمة لا ترى من القانون إلا وسيلة لإدامة النفوذ؟

الوقائع تشير إلى أن كثيراً من القوانين تُمرَّر لإرضاء جمهورٍ حزبي لا يتجاوز 20% من الشعب، فيما تبقى القضايا الكبرى – كالعنف الأسري، الاتجار بالبشر، البطالة، والانتحار – خارج دائرة الأولويات، وكأن التشريع بات أداة تجميل للسلطة لا وسيلة لحماية المجتمع.

وفي نهاية المطاف، يصف المراقبون مشروع قانون الحماية من العنف الأسري بأنه مرآة لعلاقة البرلمان بالمجتمع الذي يفترض أنه يمثله. فالقانون – بحسبهم – يمكن أن يكون أداة شفاء أو أداة قمع، تبعاً لمن يكتبه ولمن يطبّقه.

فإذا استمرّ التعامل معه بعقلية السيطرة لا بعقلية الرعاية، سيصبح تشريعاً “يحمي صورة الدولة ولا يحمي أبناءها”. أما إذا أُعيد بناؤه على أسس عراقية خالصة تراعي الواقع الاجتماعي والنفسي، فربما يشكّل بداية لتقويم العلاقة بين المواطن والدولة، بين الأسرة والقانون.

المصدر: قسم الرصد والمتابعة في بغداد اليوم

أهم الاخبار

التربية ترد: توقيت الحملة يكشف دوافعها ومحاولات يائسة لتشويه المنجزات

بغداد اليوم – بغداد أصدر المكتب الإعلامي في وزارة التربية، اليوم الجمعة (31 تشرين الأول 2025)، بياناً رسمياً استنكر فيه ما وصفها بـ"الحملة المأجورة" التي تتعرض لها الوزارة مؤخراً، متهماً جهات "من المزورين والمتضررين" بمحاولة يائسة

اليوم, 18:58