بغداد اليوم – بغداد
في مدينة يتجاوز سكانها عشرة ملايين نسمة وتتحرك فيها ملايين المركبات يوميا، بات الدخان جزءا من هواء بغداد. وبين الزحام وضيق الأرصفة، تبرز قضية السيارات المتهالكة كأحد أكثر الملفات البيئية الحاحا. فالدعوات الأخيرة لـ"جرد وسحب المركبات القديمة" ليست إجراء فنيا، بل محاولة متأخرة لإنقاذ العاصمة التي باتت، وفق منظمة الصحة العالمية، من أكثر مدن الشرق الأوسط تلوثا بالهواء.
يقول الخبير البيئي أحمد الساعدي لـ"بغداد اليوم"، إن المركبات القديمة تشكل المصدر الأبرز للتلوث في بغداد، إذ تطلق كميات كبيرة من أول أوكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين والجسيمات الدقيقة نتيجة محركاتها غير المطابقة للمعايير الحديثة. ويضيف أن استمرار تشغيل هذه المركبات من دون فحص دوري يعني ضخ آلاف الأطنان من الغازات السامة في سماء المدينة يوميا.
وبحسب مرصد العراق الأخضر، فإن عوادم المركبات مسؤولة عن أكثر من 60% من ملوثات الهواء في العاصمة، في وقت تفتقر فيه الجهات المختصة إلى قاعدة بيانات دقيقة تحدد السيارات غير المطابقة بيئيا. وتشير دراسات المرصد إلى أن تلوث الهواء لا يرتبط بالمركبات وحدها، بل يتشابك مع المولدات الأهلية، وحرق النفايات، والانبعاثات الصناعية، وسط غياب منظومة وطنية فعالة لمراقبة جودة الهواء.
من جانبها، تؤكد تقارير طبية صادرة عن وزارة الصحة أن مستويات الجسيمات الدقيقة في بغداد تتجاوز الحدود الآمنة بأكثر من عشرة أضعاف، فيما ارتفعت أمراض الربو والتهاب القصبات المزمنة بنحو 30% خلال السنوات الأخيرة، لتضع العاصمة ضمن أكثر عشر مدن تلوثا في المنطقة.
الساعدي يدعو الحكومة إلى إطلاق برنامج تحفيزي لاستبدال المركبات القديمة بأخرى حديثة وصديقة للبيئة، مع إعفاءات جمركية لتشجيع المواطنين، لكنه يقر بأن ضعف النقل العام وغياب الحوافز الاقتصادية ما زالا يعوقان التنفيذ. وتشير مصادر في أمانة بغداد إلى أن مشروع الفحص البيئي للمركبات مجمد بانتظار التمويل والتشريع المناسب.
ويقول اختصاصيون في الأمراض الصدرية إن استنشاق هواء بغداد اليوم يعادل تدخين علبة سجائر أسبوعيا، في إشارة إلى حجم التلوث المتراكم في الهواء. فيما توضح دراسة صادرة عن معهد التخطيط الحضري أن العراق يخسر سنويا نحو 4 مليارات دولار بسبب الأعباء الصحية وتراجع الإنتاجية المرتبطة بتلوث الهواء.
في المدارس القريبة من الشوارع المزدحمة، تظهر الأزمة بشكل أكثر قسوة. فمدرسو الكرخ والرصافة يتحدثون عن ارتفاع حالات الربو بين الأطفال، وعن فصول دراسية تغلق فيها النوافذ حتى في الشتاء لتجنب الهواء الملوث. ومع غياب المساحات الخضراء، تحولت العاصمة إلى ما يسميه الأطباء مختبرا مفتوحا للتلوث.
أما على مستوى الحلول، فيشير مرصد العراق الأخضر إلى أن التحول نحو النقل الكهربائي يمثل المدخل الأهم للمعالجة. وتقدر بياناته أن استبدال 10% فقط من المركبات الحالية بسيارات كهربائية خلال خمس سنوات يمكن أن يقلل الانبعاثات بنسبة 25% في بغداد وحدها. غير أن المختص أحمد الساعدي يؤكد أن غياب محطات الشحن والبنية التحتية للطاقة يجعل التنفيذ صعبا من دون خطة متكاملة.
في المقابل، يرى خبراء التخطيط الحضري أن إحياء النقل العام الكهربائي هو حجر الزاوية في أي إصلاح، مستشهدين بتجارب مدن أعادت بناء أنظمتها عبر خطوط المترو والحافلات الكهربائية، ما خفض استهلاك الوقود بنسبة 40% خلال عقد واحد.
من جهة أخرى، يؤكد مختصون في البيئة أن الرقابة البيئية شبه غائبة، إذ تعمل وزارة البيئة بأجهزة متقادمة ولا تصدر بيانات علنية دورية عن جودة الهواء. ويقترح الساعدي إنشاء هيئة وطنية مستقلة لقياس التلوث ونشر نتائجه للرأي العام، معتبرا أن الشفافية البيئية جزء من حق المواطن في الحياة.
اقتصاديا، يرى المستشار مظهر محمد صالح أن البيئة النظيفة ليست عبئا على الاقتصاد بل محركا له، داعيا إلى إطلاق قروض خضراء لاستبدال المركبات القديمة وإعفاءات ضريبية لدعم التحول إلى النقل النظيف، مؤكدا أن كل دولار يستثمر في الهواء النظيف يوفر أضعافه في الصحة والإنتاجية.
أما علم الاجتماع فيقرأ الأزمة من زاوية الوعي الجمعي. إذ يرى مختصون في هذا المجال أن المجتمع الذي لا يرى في التلوث جريمة، لن يقف ضده، داعين إلى إدماج الثقافة البيئية في التعليم والإعلام وتحويلها إلى سلوك يومي.
في النهاية، تكشف أزمة تلوث الهواء في بغداد عن خلل حقيقي في إدارة البيئة والخدمات، وتؤكد حاجة العاصمة إلى قرارات تنفيذية عاجلة لا بيانات موسمية. فكل تأخير في معالجة هذه الأزمة يعني مزيدا من الخسائر في صحة الناس واقتصاد الدولة، بحسب مختصين.
المصدر: قسم الرصد والمتابعة – بغداد اليوم + وكالات
بغداد اليوم – بغداد بعد الجريمة البشعة التي راح ضحيتها اثنان من رعاة الأغنام في صحراء غرب النخيب، دعا النائب مختار الموسوي، اليوم السبت ( 25 تشرين الأول 2025)، إلى اعتماد ما سماها بـ”المربعات الآمنة” في المناطق النائية والصحارى، كإجراء ميداني لحماية