أنبوب الغاز والتغيّر السياسي في سوريا
مقالات الكتاب | اليوم, 00:20 |
كتب د. بلال خليفة:
إن الاحداث الحالية الجارية في سوريا هي نتيجة ارهاصات قديمة وكبيرة حدثت في السابق.
الأمر لا يخلو من الحرب بالإنابة وحرب باردة بين الولايات المتحدة الامريكية وبين وريث الاتحاد السوفيتي روسيا الاتحادية.
عملت الولايات المتحدة الامريكية وحلف الناتو الى إيجاد بديل عن الطاقة التي تزود بها روسيا الاتحاد الأوربي (مثل الغاز والنفط الخام والمنتجات النفطية) والسبب هو تخليص أوروبا من هيمنة روسيا، وأن البديل عن ذلك هو الغاز الواصل من تركمنستان الى أوروبا عن طريق الانبوب وليس الغاز المسال كحال الغاز المسال الواصل من قطر.
حيث أن الفرق بالسعر كبير بين الاثنين وقد يتجاوز اكثر من 20 دولار لكل مليون وحدة حرارية (mmbtu) وكان البديل عن انابيب الغاز الروسية ومنها النورد ستريم هو أنبوب غاز نابوكو الذي يصل الغاز من تركمنستان واوزبكستان وكازخستان ويمر بطاجسكتان وأرمينيا ثم تركيا ورومانيا والنمسا.
وكان المفروض ان يتصل به أنبوب غاز من العراق واخر من قطر وكذلك إن أمكن من مصر.
أما الغاز المصري فهو محجوز لمدة 12 عاما مقبلا الى الكيان الصهيوني ولا يوجد فائض لبيعة الى أوروبا وأما الغاز الإيراني فمن غير الممكن ربطة نتيجة العقوبات الغربية المفروضة عليهم.
أما العراق فقد تأخر كثيرا في انجاز مشاريع تستغل الغاز المصاحب ووصل الامر الى أن الغاز المنتج هو غير كاف للاستهلاك المحلي حتى لو استغل كل الغاز المنتج والذي يتم حرقه حاليا وحتى أيضا لو تم اكمال المشاريع المحالة قريبا مثل الغاز المنتج من قبل حقل عكاز وحقل المنصورية ومشروع ارطاوي والحلفاية.
نعود الى الغاز
إن قطر تنتج كمية كبيرة من الغاز تبيعة مسالا الى أوروبا ويصل سعر الغاز الى أكثر من 27 دولارا لكل مليون وحدة حرارية وبالتالي فأن السوق المستهدف هو السوق الأوروبي وأن أفضل طريقة لتسويقه هي مد أنبوب كي يكون السعر الواصل أقل بكثير وكذلك الهدف الاخر من مد الانبوب هو الاستغناء عن الغاز الروسي.
إن طريق الانبوب القطري يجب أن يمر بسوريا أو العراق. العراق كان ولايزال غير مستقر امنيا وبالإضافة الى أن القائمين على الحكم في العراق هم لا يعتبرون محط ثقة من قبل قطر والخليج لاعتبارات سياسية وغير ذلك.
لذلك الطريق الباقي لأنبوب الغاز هو سوريا والكل يعلم أن سوريا حليف استراتيجي لروسيا ولذلك رفضت الطلب بالسماح بمد الانبوب الغازي وهذا يعني انها وقفت بالضد من المخطط المحاك ضد روسيا وبالتالي يجب تغيير النظام الموالي لروسيا بآخر موالي للغرب.
فحدثت الاضطرابات الأولى في عام 2011 ولكن تمت السيطرة على الوضع بتدخل حلفاء سوريا، لكن الوضع الآن مختلف كثيرا، وحلفاء سوريا لديهم مشاكل كبيرة تشغلهم عن نصرة سوريا. إن العدة والعدد التي أعدها الغرب للنظام السوري يفوق مقدرة النظام الروسي وحلفاءه وهذا ما مكنهم من اسقاط النظام السوري.
إن تركيا هي مستفيدة بشكل كبير من أنبوب نابوكو القادم من الشرق وانبوب الغاز القطري القادم من الجنوب وان طول الانبوب المار في تركيا هو اكثر من 2000 كم وتستفيد من أجور الترانزيت الغاز وبالتالي سيكون لها مردود اقتصادي كبير جدا ولهذا السبب نرى ان تركيا صاحبة اليد الطولى في تغيير النظام في سوريا.
الان أصبحت الأمور سهلة وبالامكان مد الانبوب القطري للغاز وإيصاله الى أوروبا وبالتالي الاستغناء عن الغاز الروسي، لكن الامر أيضا ليس بتلك البساطة فالأمور الى الان غير مستقرة وان الانقلابيين يتكونون من عدة فصائل غير متوافقة والامر قد يأخذ وقتا أكبر.
وخلاصة الأمر أن الغرب فاز في هذه الحرب من إخطاء خطوة مهمة هي اقتصادية بإمكانية مد أنبوب الغاز لأوروبا وسياسية بالقضاء على حليف روسي مهم يقع على شرق البحر الأبيض (المياه الدافئة) وان الامر يعني اشتداد التنافس والحرب غير المعلنة بين الطرفين أكثر.