بسبب الفساد بملف الكهرباء.. علاقة سيئة بين "جوزة المولد" والمواطن
سياسة | 15-06-2021, 14:32 |

بغداد اليوم – تقرير : محمود المفرجي الحسيني
من منا لم يسمع مفردات (المولد، الجوزة، طفي وشغل)، بعد ان باتت من اشهر المفردات المتداولة بين أبناء الشعب العراقي، لارتباطها بواحدة من اهم المعاناة التي يعانيها الشعب العراقي، وهي قلة تجهيز الطاقة الكهربائية، والتي يجمع الجميع ان كانوا سياسيين او مواطنين عاديين على ان الدولة والحكومات العراقية المتعاقبة بعد عام 2003 ، هي من تتحمل مسؤوليتها كاملة.
ويعد ملف الكهرباء من اكثر الملفات الذي خرج أبناء الشعب العراقي في كافة المحافظات في تظاهرات عديدة مطالبين بانهاء الفساد فيه ومحاسبة المقصرين، ورفض التراخي الحكومي، في ظل ارتفاع درجات الحرارة التي تصل إلى 55 مئوية في أحيان عديدة في الصيف، فضلا عن استمرار القطع المبرمج للكهرباء، الذي يتفاوت من منطقة إلى أخرى، أو ينعدم لساعات طوال في الكثير من الأحياء السكنية، علاوةً على سوء أوضاع المرضى بالمستشفيات، الذين يغرقون في ظلام دامس في بعض الأحيان في ظل درجات الحرارة العالية.
الا ان الحكومات المتعاقبة بررت هذا الامر برمي الموضوع على شماعة الإرهاب؛ معتبرةً أن الحرب على الإرهاب قد أثرت على خدمات في وزارة الكهرباء، إذ دمرت الحروب 25% من الطاقة الإنتاجية، و18% من خطوط النقل، إلى جانب شبكات التوزيع التي دُمرت في أربع محافظات، ما أثقل كاهل المنظومة بشكل عام، وأن مشاكل النقل والتوزيع تحتاج إلى بنى تحتية وأعمال مدنية كبيرة، وإلى مبالغ كبيرة تصل إلى ما يقارب 20 مليار دولار لتطوير شبكات التوزيع فقط.
ويشير العديد من الخبراء والباحثين في الشأن العراقي إلى أن ملف الفساد المالي والإداري هو المعضلة الرئيسية التي تقف عائقاً أمام تحسن واقع الكهرباء في العراق، إذ تكشف الوثائق عجز الحكومات المتعاقبة في توفير الكهرباء رغم إنفاق عشرات مليارات الدولارات، والتي كانت تكفي لبناء أحدث الشبكات الكهربائية في العالم.
واحتل العراق ، على المرتبة 168 عالمياً ضمن الدول الخمس الأكثر فساداً في العالم، بحسب منظمة الشفافية الدولية، في تقريرها الصادر عام 2018، وهذا ما يُجبر العراقيين على العيش في دوامة المعاناة، ويزيد من أزماتهم.
وصرح مسؤولون عراقيون بان العراق أنفق ما يقدر بـ41 مليار دولار لتحسين واقع الكهرباء في العراق منذ 2003 وحتى هذه اللحظة، لكن من دون أن يرى العراقيون أي تحسن ملحوظ خلال الـ17 عاماً الماضية، ولم تشهد البلاد بناء أي محطة توليدية رصينة وفعالة، إذ إن جميع المحطات التي بُنيت بعد عام 2003، إما تعمل بالنفط الأسود، وهذه معرضة للتوقف عن العمل عند ارتفاع درجات الحرارة، أو محطات تعمل بالغاز الذي لا يتوفر أصلاً في البلاد.
وأعلنت لجنة برلمانية عراقية، في بداية العام الحالي، إحالة 46 ملف فساد في قطاع الكهرباء إلى القضاء.
وقال حسن الكعبي، رئيس لجنة التحقيق في تعاقدات وزارة الكهرباء ، ان اللجنة البرلمانية المكلفة بالتحقيق في تعاقدات وزارة الكهرباء، أحالت 46 ملف فساد إلى المحاكم المختصة، موضحا أن اللجنة تراعي الحياد والشفافية وتدقق في جميع معلومات ملفات الفساد التي تخضع الآن لتحقيقات سلطة القضاء العراقية".
تموز العام الماضي الماضي، قرر البرلمان تشكيل لجنة للتحقيق في التعاقدات التي أبرمتها وزارة الكهرباء خلال الفترة من 2005 إلى 2019، إثر تراجع إنتاج الطاقة الكهربائية في البلاد.
وعقب 5 أشهر على تشكيل اللجنة، أعلن البرلمان أن حجم الإنفاق الكلي على تعاقدات وزارة الكهرباء خلال هذه الفترة بلغ نحو 81 مليار دولار.
هذه التداعيات مجتمعة جعلت العراقيين مجبرين على التوجه الى المولدات الاهلية، التي هي بحد ذاتها قصة أخرى، بسبب غلاء أسعارها ومساهمتها بانهاك دخل المواطن العراقي الفقير، بحيث يصل الامر الى ان الكثير من العراقيين لا يستطيعون دفع اشتراكهم الشهري لاصحاب المولدات، الذين هم بدورهم يحتاجون هذه الأموال لاستمرارية قوتهم وصيانة مولداتهم المكلفة التي تصل الى ملايين الدنانير.
هذه الصورة المختصرة جعلت علاقة المواطن العراقي غير جيدة باصحاب المولدات، المتهمين برفع الأسعار، وعدم تقدير حالة المواطن العراقي الصعبة.
لكن عندما نستمع الى أصحاب المولدات ربما نبرر لهم زيادة الأسعار حتى وان يكن خارج اطار القانون، اذ يبدو ان لهم مشاكلهم الخاصة مع الدولة نفسها، وخاصة في عملية تجهيز الكاز.
حيث اكد احد أصحاب المولدات في احدى المناطق الشعبية، بان هناك الكثير من الأشهر يتعرض فيها الى الخسائر الفادحة التي تصل الى ملايين الدنانير بسبب قلة تجهيز الكهرباء، وسعر الكاز المرتفع في الأسواق، فضلا عن العطلات المستمرة للمولدات.
وقال صاحب المولدة (ع. ج)، لـ (بغداد اليوم)، ان "المواطن العراقي يتصور بان المولدة هي مجرد تشغيل واطفاء، ولا يعلم انها تحتاج الى الكثير من الأمور لتعمل، مشيرا الى ان الشهر الماضي تعرض الى خسارة ثقيلة بـ 7 ملايين دينار، بسبب عطل المحرك الذي اعيد بـ 3 ملايين دينار، وكذلك الى الكاز بـ 7 ملايين دينار".
وأضاف، ان "المولد يحتاج الى تغيير الزيت بصورة دورية ، بأربعة مرات شهريا، أي بـ 800 الف دينار شهريا، فضلا عن ان راتب المشغل 900 الف دينار".
وأوضح، ان "هناك الكثير من أصحاب المولدات وانا واحد منهم، لا نملك (دفتر) تجهيز الكاز، لذا نضطر لشراء الكاز بـ 600 الف دينار لكل 100 لتر، في حين يشتري أصحاب الدفاتر الكاز بـ 450 الف دينار لكل 1000 لتر".
وأشار الى، ان "ساعات القطع طويلة جدا، فهناك أيام تستمر فيها ساعات القطع لـ 10 ساعات، وساعة واحدة تشغل، ما يجبرنا على فتح المولدات لعشر ساعات متواصلة، وهذا يعرض المولدة الى العطل وزيادة في احتياجاتها وصيانتها".
واكد، ان "كل تلك الأمور تجبرنا في أحيان كثيرة على رفع أسعار الامبير".
من جهتها ، دعت محافظة بغداد، اصحاب المولدات الى ، الالتزام بالتسعيرة التي وضعتها، وبخلافه فانهم سيتعرضون الى الإجراءات القانونية الرادعة لهم.
وقال معاون محافظ بغداد لشؤون الطاقة قيس الكلابي، لـ (بغداد اليوم)، ان "أي مواطن صاحب مولدة لا يلتزم بالتسعيرة، ستطاله الإجراءات القانونية، مشيرا الى ان المحافظة حددت تسعيرة محددة للامبير الواحد، وهي 9 آلاف دينار للتشغيل الصيفي و14 ألف دينار للتشغيل الذهبي، مع اضافة الف او الفي دينار للمولدات التي ليس لديها حصة وقودية".
وأوضح، أن "هناك تفاوتاً في تجهيز الطاقة بين منطقة واخرى، بسبب سوء التوزيع من قبل وزارة الكهرباء، مبيناً أنه" تم تخويل المسؤولين في الوحدات الإدارية بتحديد سعر الامبير لمناطقهم حسب نوع التجهيز للطاقة".
وأشار إلى أن "محافظ بغداد وجه جميع اقسام المحافظة بمتابعة الشكاوى التي ترد من قبل المواطنين بشأن المولدات"، مؤكداً أنه "تم اتخاذ الاجراءات القانونية للكثير من اصحاب المولدات، وتسليمهم الى مراكز الشرطة، حسب الضوابط المعمول بها".
الى ذلك، اكد مواطنون انهم يعانون، من مشكلة الكهرباء، بعد ان فقدنا الامل بـ (الكهرباء الوطنية)، وهذا يجعلنا نضطر الى التوجه كاملا لاصحاب المولدات الذين عادة ما يرفعون الأسعار.
وقال المواطن محمد (أبو ليث)، ان "سعر الامبير قد يصل الى 20 الف دينار للامبير الواحد الصباحي، ومثله للليلي ، وهذا رقم كبير، حيث ان ابسط بيت عراقي يحتاج الى خمسة امبيرات ، ما يعني انه يصرف شهريا 100 الف دينار على المولد فقط".
وأضاف لـ (بغداد اليوم)، ان "هذه المشكلة لن تنتهي وستبقى العلاقة بين أصحاب المولدات والمواطن غير جيدة، الا اذا قامت الدولة بصورة حقيقية بانهاء ملف الكهرباء، وبناء محطات دون الحاجة الى استيراد الكهرباء من الخارج".
منذ عام 1990، لم يمر يوم على العراقيين وهم ينعمون بطاقة كهربائية مستمرة، بعد تعرض أغلب محطات الطاقة في البلاد للضرر خلال العمليات العسكرية المرتبطة بغزو الكويت من قبل الجيش العراقي.
ورغم إن بعض المحطات أعيدت إلى العمل، كان تجهيز الطاقة دائما أقل من الطلب عليها، خاصة بعد أن وصل عدد سكان العراق إلى 40 مليونا، أي نحو ضعف عددهم عام 1990.
ويقول خبراء "إن العراق يحتاج إلى رفع طاقته الإنتاجية بنحو الضعف لتأمين مستويات مستقرة من الطاقة، وربما أكثر من هذا في فصل الصيف".
وينتج العراق ويستورد 19 ألف ميغاواط في الساعة، فيما يحتاج إلى نحو 40 ألف ميغاوات لتأمين الكهرباء للدور والمؤسسات الحكومية والمستشفيات، اذ يحتاج إلى نحو 20 ألف ميغاواط إضافية في حال أراد دعم الصناعات المحلية".
وتقول إحصاءات سابقة لوزارة التخطيط العراقية إن مستويات الطلب على الكهرباء ترتفع بنسبة بين 7 - 10 بالمئة سنويا، لا سيما في ظل التوسع السكاني والاقتصادي.
وبدأ العراق أول محاولاته الكبيرة لتجهيز الطاقة الكهربائية بالتعاقد مع شركة سيمنز الألمانية وجنرال إلكتريك الأميركية لتجهيز نحو 10 آلاف ميغاواط في العام 2008، في وقت كان إنتاج العراق في العام ذاته، نحو 6 آلاف ميغاواط.
وبلغت قيمة العقود، التي توقع وزير الكهرباء حينها كريم وحيد أن تغطي حاجة العراق من الطاقة نحو خمس مليارات دولار.
ووقتها، قال وحيد، إن العراق يحتاج إلى 25 مليار دولار، وثلاث سنوات "ليغطي نقص الطاقة بالكامل"، وأن "عام 2011 سيكون عام الحسم الكامل بالنسبة للعراق".
لكن سنوات من تصريحات وحيد، ونحو 80 مليار دولار، يقضي العراقيون شتاء مظلما وباردا بسبب عدم تجهيز إيران للغاز والطاقة التي تحتاجها محطات الإنتاج العراقية بعد تراكم الديون على العراق.
ونحن مقبلين على شهر تموز الملتهب جدا، يكون لزاما على الحكومة العراقية ان تلتفت الى هذا الملف المهم، الذي من الممكن ان يدفع الشعب العراقي الى التذمر والملل وربما الخروج بتظاهرات، كما فعل في كل سنة.