سياسة اليوم, 15:10 | --

الانتخابات العراقية


بين الالتزام الدستوري والتوازنات السياسية.. المفوضية أمام امتحان صعب

بغداد اليوم - بغداد

تدخل العملية الانتخابية في العراق مرحلة اختبار جدي يتعلق بقدرة المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على تطبيق القوانين التي تنظّم المشاركة السياسية، خصوصاً تلك التي تحظر على الأحزاب امتلاك أجنحة مسلّحة أو الارتباط بفصائل عسكرية. ومع اقتراب موعد الاقتراع، تتزايد التساؤلات القانونية حول الأسس التي اعتمدتها المفوضية في السماح لأحزاب ذات صلة بفصائل مسلّحة بالمشاركة، في ظل مطالبات بتوضيح السند القانوني لذلك القرار، لضمان نزاهة التنافس واستقلال المؤسسة المشرفة على الانتخابات.

الخبير في الشؤون السياسية مصطفى الطائي، حذر من تداعيات خطيرة قد ترافق مشاركة جهات تمتلك أجنحة مسلحة في الانتخابات، مشيراً إلى أن مثل هذه الممارسات تمثل انتهاكاً واضحاً لمبدأ حياد السلاح عن العمل السياسي وتهدد نزاهة العملية الانتخابية.

وقال الطائي في حديثه لـ"بغداد اليوم"، إن “مشاركة جهات مسلحة في انتخابات مجلس النواب عبر واجهات سياسية أو قوائم مختلفة يشكل خرقاً للدستور والقانون، اللذين يحظران الجمع بين العمل السياسي وامتلاك تشكيلات مسلحة”، مشدداً على أن “الالتفاف على الضوابط القانونية من خلال واجهات مدنية ظاهرية لا يغير من جوهر المشكلة بل يعمقها”.

وأضاف أن "انخراط جماعات تمتلك نفوذاً أمنياً أو سلاحاً في السباق الانتخابي يقوض ثقة المواطن في النتائج ويضعف المؤسسات المنتخبة مستقبلاً”، لافتاً إلى أن “استخدام القوة أو النفوذ غير المشروع للتأثير على خيارات الناخبين يضرب جوهر العملية الديمقراطية ويعرض نتائج الانتخابات للطعن والتشكيك”.

تشير قراءات قانونية متقاطعة إلى أن الدستور العراقي في المادة (9/أولاً-أ) نصّ بوضوح على حظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج إطار القوات المسلحة، كما أن قانون الأحزاب السياسية رقم (36) لسنة 2015 أكّد في المادة (32) على عدم جواز ارتباط الحزب أو التنظيم السياسي بتشكيلات مسلّحة أو امتلاكه أجنحة عسكرية بأي شكل من الأشكال.

ويرى قانونيون أن تجاهل هذه النصوص يمس مبدأ المساواة بين الكيانات السياسية، ويضع المفوضية أمام مسؤولية مباشرة في تفسير أسباب قبول ترشيحات أحزاب ذات خلفية مسلّحة.

في التاسع من أيلول الماضي، قدّم المحامي عباس الكعبي وعدد من زملائه طلباً رسمياً إلى المفوضية يطالبون فيه بتوضيح السند القانوني لمشاركة الأحزاب المرتبطة بفصائل مسلّحة في الانتخابات المقبلة، مرفقين وثائق تؤكد وجود صلات تنظيمية لتلك الكيانات. وأوضح الكعبي أن الهدف من الطلب هو “تطبيق الدستور وحماية مؤسسات الدولة وفرض القانون على الجميع دون استثناء”.

تُبرز هذه الخطوة، وفق تقديرات بحثية مستقلة، تزايد الوعي القانوني لدى المجتمع المدني، لكنها في الوقت ذاته تكشف عن ارتباك مؤسسي داخل المفوضية بين التزاماتها القانونية وضغوط الواقع السياسي.

يرى مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل أن وجود العشرات من الفصائل المسلحة داخل العراق “يشكّل تحدياً جوهرياً أمام بناء نظام سياسي مدني”، مبيناً أن “ما يقرب من 74 فصيلاً مسلّحاً لا يحق لها قانوناً المشاركة في العملية السياسية، لأن المادة التاسعة من الدستور تحظر على القوات المسلحة المشاركة في التداول السلمي للسلطة أو تشكيل جماعات مسلّحة خارج المؤسسة العسكرية”.

وأوضح فيصل أن المرجعية الدينية في النجف، عندما أصدرت فتوى “الجهاد الكفائي” عام 2014، كانت تقصد تطوع المواطنين ضمن صفوف القوات المسلحة الرسمية لا إنشاء تشكيلات حزبية مسلّحة، مشيراً إلى أن بعض القوى السياسية “استلهمت نموذج الحرس الثوري الإيراني في التنظيم والتعبئة، ما خلق التباساً بين العمل السياسي والعسكري”.

تفيد مقاربات قانونية حديثة أن المفوضية تجد نفسها اليوم أمام معادلة معقّدة: بين واجبها في تطبيق القانون بحزم، وبين حسابات الاستقرار السياسي التي قد تدفعها إلى تجنّب الصدام مع القوى المتنفذة. ويرى مختصون أن استمرار هذا التناقض يهدد مبدأ تكافؤ الفرص بين المتنافسين، ويضعف ثقة الشارع في العملية الانتخابية برمتها.

ورغم وضوح النصوص الدستورية، لم تُعلن المفوضية حتى الآن عن أي إجراء لتعليق تسجيل الأحزاب المخالفة أو منعها من المشاركة، ما أثار تساؤلات سياسية وقانونية حول مدى استقلالها عن الضغوط الحزبية ومدى التزامها بمبدأ المساواة أمام القانون.

تُظهر هذه المعطيات، وفق تقديرات مؤسساتية متقاطعة، أن العراق يقف أمام أزمة بنيوية في العلاقة بين الدولة والسلاح، حيث تتقاطع مصالح القوى السياسية مع منظومات النفوذ العسكري في غياب تطبيق حقيقي للقانون.

ورغم أن المفوضية تعمل في بيئة سياسية معقّدة، إلا أن تجاهلها لتلك المخالفات يهدد مبدأ الحياد ويضع العملية الانتخابية على محك الشفافية والمصداقية. وبين النصوص التي تُلزم، والقرارات التي تتردّد، يبقى العراق أمام سؤال مفتوح: هل تستطيع الدولة حماية ديمقراطيتها من سلاحها؟

المصدر: بغداد اليوم + وكالات

أهم الاخبار

تسوية أمريكية مع الفاسدين وخط أحمر على المناصب السيادية وقاآني يصل بغداد لإنقاذ ما تبقى - عاجل

بغداد اليوم – بغداد يتقدم العراق نحو انتخابات تشرين الثاني وسط مشهد سياسي مكتظّ بالتفاهمات الخفية أكثر مما تحكمه صناديق الاقتراع. فبين الأحاديث عن تغيير وجوه السلطة وإصلاح النظام السياسي، تتكشّف ملامح مرحلة جديدة لا تقوم على الصراع العسكري ولا الاحتلال

اليوم, 17:10