سياسة / ملفات خاصة اليوم, 14:00 | --

الوعي الانتخابي


من وثيقة سرية إلى سجل علني.. القضاء يفتح ملفات الطعون للرأي العام

بغداد اليوم - بغداد

تحولت ما يُعرف بـ"القرارات الزرقاء" الصادرة عن الهيئة القضائية للانتخابات إلى ظاهرة إدارية وسياسية جديدة في المشهد العراقي، بعدما قررت المفوضية نشر قرارات ردّ الشكاوى والطّعون الانتخابية بالأسماء والوقائع. هذه الخطوة التي بدت في ظاهرها إجراءً تنظيمياً، كشفت في العمق عن شبكةٍ من الأساليب الخفية التي اعتمدها بعض المرشحين لإقصاء منافسيهم قبيل الانتخابات المقرّرة في 11 تشرين الثاني المقبل، وأعادت تعريف معنى الشفافية داخل العملية الانتخابية العراقية.

الهيئة القضائية، المعنية بدراسة الطعون الانتخابية، اتخذت خطوة مفصلية حين قررت نشر قراراتها باللون الأزرق المميز على الموقع الرسمي، تتضمّن اسم المشتكي والمطعون به، مع تسبيب قانوني واضح. هذا اللون الذي صار يُتداول إعلامياً بوصفه "لون النزاهة"، حمل في طيّاته إحراجاً لعدد من الكتل والمرشحين الذين لجأوا إلى تقديم شكاوى وصفها مختصون بأنها "كيديّة" أو "سياسية أكثر من قانونية".

يقول النائب السابق عبد الخالق مدحت العزاوي في حديثه لـ"بغداد اليوم"، إن "الهيئة القضائية المعنية بدراسة الشكاوى حول المرشحين اتخذت خطوة مهمة عندما قررت نشر قراراتها الخاصة بردّ الشكاوى والطعون، إلى جانب الكشف عن أسماء مقدّمي تلك الشكاوى بكتب رسمية أمام الرأي العام، الأمر الذي منح العملية الانتخابية قدراً عالياً من الشفافية والمصداقية".

وأضاف أن "نشر الأسماء أحرج العديد من القوى والسياسيين، وكشف نية البعض في إقصاء الآخرين عبر تقديم وثائق ومعلومات غير دقيقة أو مغلوطة، وبعضها تضمن افتراءات لا تستند إلى حقائق"، مبيناً أن "الهيئة تعاملت مع جميع الشكاوى وفق المسار القانوني، وأصدرت قراراتها مع بيان اسم المشتكي في كل حالة، وهي مفردة مهمة في مسار الشفافية الانتخابية".

وأشار العزاوي إلى أن "القرارات الزرقاء – في إشارة إلى اللون الأزرق الذي يميز صفحات تلك القرارات التي تنشرها المفوضية بين فترة وأخرى – شكلت إحراجاً واضحاً لعدد من المرشحين والقوى أمام جمهورهم، وأثارت تساؤلات حول دوافع البعض لتقديم شكاوى وملفات غير دقيقة بحق منافسيهم"، مؤكداً أن "ذلك يعكس حالة من الخوف ومحاولة إبعاد المنافسين عن السباق الانتخابي قبيل 11 تشرين الثاني المقبل".

تصريح العزاوي لا يأتي كمدحٍ للهيئة بقدر ما يسلّط الضوء على تحوّل نوعي في إدارة المعلومات الانتخابية، حيث أصبحت القضايا المكبوتة تُعرّى أمام الجمهور لا خلف الأبواب المغلقة.

أبرز ما أثار الجدل مؤخراً قراران متناقضان شكّلا نموذجاً لهذا المسار الجديد:

الأول، قرار إعادة المرشح سجاد سالم إلى السباق الانتخابي بعد استبعاده، بعدما اعتبرت الهيئة أن تصريحاته السابقة لا تمثّل إخلالاً بـ"حسن السيرة والسلوك" بل تندرج ضمن حرية الرأي المكفولة دستورياً. القرار، بحسب فقهاء قانون انتخابي، وضع معياراً واضحاً للتفريق بين النقد السياسي وبين "التحريض" الذي يُعد مبرراً قانونياً للإقصاء.

أما القرار الثاني، فتمثل في تثبيت استبعاد المرشح محمد الدايني بعد ردّ طعنه، استناداً إلى إخلاله بشروط النزاهة وحسن السيرة المنصوص عليها في المادة (7/ثالثاً) من قانون الانتخابات. هذه المفارقة لم تُقرأ بوصفها تناقضاً قضائياً، بل دليلاً على أنّ "القرارات الزرقاء" باتت تحدد خطوطاً دقيقة بين حرية التعبير والانضباط القانوني، وبين التنافس السياسي والسلوك الشخصي.

حين قررت المفوضية نشر القرارات كاملة، لم تكن تتوقع أن تتحول إلى مادةٍ للرأي العام. خلال أيام قليلة، انتشرت صور الوثائق الزرقاء على المنصات الرقمية، مرفقةً بتعليقات ومناقشات أعادت إحياء الجدل حول "المرشح النزيه" و"الخصم الإقصائي".

يرى مختصون في الشأن الانتخابي أن خطوة النشر العلني "حرّكت الوعي الجمعي نحو مطالبة كل جهة بإثبات نزاهتها عبر الشفافية، لا عبر الخطابات"، إذ بات كل طعن يُقاس بمعيارين: قوته القانونية وصدقه الأخلاقي. ويُشير أحد أساتذة القانون الدستوري إلى أن الهيئة بهذا الإجراء "لم تكتفِ بإنصاف المظلومين من قرارات الاستبعاد، بل أسست لثقافة جديدة مفادها أن الطعن ليس سلاحاً سياسياً، بل مسؤولية قانونية ذات تبعات اجتماعية".

أحدثت القرارات الزرقاء أثراً مزدوجاً على الثقة بالعملية الانتخابية. فمن جهةٍ، عززت الإيمان بأن القضاء الانتخابي قادر على حماية المنافسة من التلاعب، ومن جهةٍ أخرى، فتحت جرحاً قديماً في الوعي العراقي حول هشاشة الثقة بالسياسيين أنفسهم.

الناخب الذي يقرأ اليوم أسماء مقدّمي الطعون الكيدية، سيحمل تلك الأسماء معه إلى الصندوق في 11 تشرين الثاني؛ لأن ما كُشف على الورق سيُترجم في السلوك الانتخابي لاحقاً. وهنا يكمن البعد الأعمق: أنّ الشفافية حين تُمارس بشكل مؤسسي، تتحول إلى ذاكرة سياسية لا تُمحى بسهولة.

القرارات الزرقاء ليست حدثاً عارضاً في مسار الانتخابات العراقية، بل تجربة مؤسساتية لإعادة الاعتبار إلى القانون كمصدرٍ للثقة العامة، بعيداً عن التأويلات السياسية. فهي من جهة أوقفت تمدّد الإقصاء غير المشروع، ومن جهة أخرى أرست قاعدة جديدة في المشهد الانتخابي العراقي:

أن العلانية هي الحَكَم الأخير بين الطعن المشروع والطعن الكيدي. من الناحية التحليلية، تمثل هذه الخطوة انتقالاً من إدارة الصراع الانتخابي خلف الكواليس إلى ساحة الرأي العام، بما يجعل كل مرشح أمام مرآة أفعاله. ومع أن النشر العلني قد يسبب حرجاً للبعض، إلا أنه في المحصلة يعزز الثقة بين المواطن ومؤسساته، ويعيد تعريف النزاهة لا بوصفها شعاراً انتخابياً، بل ممارسة قانونية يمكن التحقق منها بالأدلة والأسماء، بحسب مراقبين.

المصدر: بغداد اليوم+ وكالات

أهم الاخبار

الحرس الثوري: إذا تم الاعتداء على إيران سنحول المنطقة إلى جحيم على العدو

بغداد اليوم - متابعة أكد قائد قوات الحرس الثوري الإيراني، اللواء محمد باكبور، اليوم الثلاثاء (21 تشرين الاول 2025)، أن إيران في أعلى درجات الجهوزية للرد على أي اعتداء محتمل، مشددًا بالقول أنه إذا تم التعدي على إيران، سنُشعل جهنم في وجه العدو. وجاءت

اليوم, 15:45