سياسة / ملفات خاصة اليوم, 15:39 | --

زمن العطش


قريبا.. "لا ماء للشرب" في بلاد النهرين: أزمة المياه تتحول إلى تهديد وجودي للعراقيين

بغداد اليوم - بغداد

يتحول ملف المياه في العراق تدريجياً من نقاشٍ بيئي إلى أزمة وجودية تهدد الحياة اليومية لملايين العراقيين. فالأرقام الصادرة من الجهات الرسمية تكشف عن واقعٍ متسارع في الانحدار: احتياطي البلاد المائي تراجع إلى أقل من 10-5 مليارات متر مكعب للمرة الأولى منذ ثمانين عاماً، فيما تحذّر تقارير فنية من أن بعض المحافظات قد تفقد القدرة على تأمين مياه الشرب خلال السنوات القليلة المقبلة. هذه ليست أزمة موارد فحسب، بل أزمة إدارة وتخطيط في بلدٍ كان يُعرف يوماً بـ“أرض الرافدين”.

تشير البيانات الحكومية إلى أن الطاقة الخزنية التصميمية للسدود العراقية تتجاوز 90 مليار متر مكعب، لكن ما هو متاح فعلياً للتشغيل لا يقترب حتى من ثلث هذا الرقم. أما واردات دجلة والفرات من دول المنبع، فتراجعت إلى ما دون 40% من المعدلات التاريخية، ما جعل وزارة الموارد المائية تصف عام 2025 بأنه “عام شحيح”، وتضع مياه الإسالة في المرتبة الأولى على حساب الري والزراعة.

هذا التدهور يترجم ميدانياً بمشاهد متكررة من انخفاض مناسيب الأنهار، وازدياد الملوحة في شط العرب، وتراجع نوعية المياه إلى مستوياتٍ تهدد الصحة العامة، كما أكد المختص في الشأن المائي مرتضى الجنوبي في حديثٍ لـ"بغداد اليوم"، موضحاً أن البلاد “تقترب من مرحلة فقدان مياه الشرب في عدد من المحافظات، بسبب غياب الخطط الفاعلة وتدهور شبكات الإرواء القديمة”.

يُجمع باحثون في الشأن المائي على أن جذور الأزمة خارجية بقدر ما هي داخلية. فتركيا وإيران، اللتان تتحكمان في منابع دجلة والفرات، تواصلان بناء السدود وتخزين المياه بنسبٍ مرتفعة، بينما يفتقر العراق إلى اتفاقيات ملزمة تضمن حصصه المائية وفق القوانين الدولية. هذا التحكم أحادي الجانب جعل بغداد تعتمد على إطلاقاتٍ متذبذبة، لا يمكن التنبؤ بها موسمياً أو سياسياً.

الخبير المائي عادل المختار أوضح في تصريحات سابقة أن “الإطلاقات التركية تراجعت بأكثر من النصف، وأن كميات المياه القادمة من إيران أصبحت شبه معدومة”، مشيراً إلى أن أي تفاوض غير مؤسسي يجعل العراق “رهينة تقلبات سياسية أكثر منها تفاهمات مائية”.

لكن العجز الخارجي لا يُعفي الداخل من المسؤولية. فالمشكلة الأخرى تكمن في الفاقد المائي الهائل داخل الشبكات الوطنية؛ حيث تُهدر ملايين الأمتار المكعبة يومياً بسبب التسرب والري التقليدي، إضافةً إلى ضعف مشاريع التحلية والمعالجة. المختصون يؤكدون أن أكثر من 60% من مياه الري تضيع قبل أن تصل إلى الأراضي الزراعية، بينما ما تزال معظم المحافظات تعتمد على قنوات وسواقي أنشئت قبل نصف قرن دون تحديث.

ناشطون بيئيون يرون أن “الأزمة لم تعد فنية بل مؤسسية”، موضحين أن “الوزارات والهيئات تتعامل مع المياه كملف موسمي، بينما هي مسألة أمن قومي تتطلب إدارة مركزية ومرنة في الوقت ذاته”.

في المحافظات الجنوبية، تتخذ الأزمة شكلاً أكثر قسوة. فارتفاع الملوحة في شط العرب وصل إلى مستوياتٍ غير مسبوقة، وأدى إلى هجرة آلاف العوائل من مناطق زراعية في البصرة والقرنة والفاو. كما أثرت الملوحة على الثروة الحيوانية والزراعة وحتى الحياة البحرية.

يقول مهندس زراعي إن “مياه شط العرب لم تعد صالحة حتى لري النخيل في بعض المناطق”، محذراً من أن “أي انخفاض إضافي في الإطلاقات العذبة سيحوّل البصرة إلى منطقة عطشٍ فعلي خلال مواسم الحر القادمة”.

الحكومة العراقية أعلنت مؤخراً عن “خطة طوارئ مائية” تتضمن مشاريع حصاد أمطار وسدود صغيرة في عدد من المحافظات، إضافة إلى تحلية المياه في الجنوب. غير أن هذه المشاريع، بحسب مختصين، ذات أثر تراكمي بطيء لا يتناسب مع تسارع الأزمة.

الجنوبي يؤكد أن “الحلول الترقيعية لم تعد مجدية، فالعراق بحاجة إلى خطة وطنية طارئة لإدارة الموارد المائية تشمل التحلية، تقنيات الري الذكي، وإصلاح شبكة الإسالة”، مضيفاً أن “الوقت ينفد بسرعة، وكل تأخير سيحوّل الأزمة إلى كارثة إنسانية”.

الأزمة المائية في العراق لم تعد أزمة طبيعة أو طقس، بل أزمة نظام إدارة يواجه حدود قدرته أمام تغيّر المناخ وتراجع الواردات. فحين يقول مختصون إن البلاد قد تفقد مياه الشرب في بعض مناطقها خلال سنوات، فهم لا يبالغون، بل يصفون حصيلة معادلة دقيقة:

إيرادات متناقصة + فاقد مرتفع + تخطيط متأخر = خطر العطش

متخصصون في الشؤون البيئية يرون أن التحدي الآن هو الانتقال من رد الفعل إلى التخطيط الاستباقي. ذلك أن “أمن الماء” أصبح بوابة “أمن الدولة”، وأي فشل في إدارة هذا الملف يعني فتح الباب أمام اضطراباتٍ اجتماعية واقتصادية عميقة.

إن التحذير من “قريباً لا ماء للشرب” ليس نبوءة كارثية، بل قراءة واقعية لما يحدث حين تُهمل السياسات طويلة الأمد لصالح ردود فعل قصيرة النظر. فالمياه اليوم ليست مورداً طبيعياً فحسب، بل مؤشر على بقاء العراق قابلاً للحياة.

المصدر: بغداد اليوم+ وكالات

أهم الاخبار

ترامب يهدد حماس: ستكون نهايتكم سريعة ووحشية

بغداد اليوم- متابعة انتقد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، اليوم الثلاثاء، (21 تشرين الأول 2025)، تصرفات حركة حماس، معتبراً إياها انتهاكاً لاتفاق السلام مع إسرائيل. وقال ترامب في تصريح صحفي، إن: "الحلفاء بالمنطقة أبلغوني أنهم سيرحبون بدخول غزة بقوة

اليوم, 17:23