بغداد اليوم – بغداد
يواجه العراق ضغوطاً متزايدة بفعل تقلبات سوق النفط العالمية، في وقت يتحدث فيه خبراء عن مخاطر جدية تهدد الموازنة العامة ومرتكزات الاستقرار الاقتصادي. الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي يؤكد أن أسعار النفط تتعرض لضغط أمريكي – أوروبي مباشر، إذ يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى خفض الأسعار حتى مستوى 55 دولاراً للبرميل خدمةً لأهداف انتخابية، ولتقليص العائدات الروسية بما يعجّل في إنهاء الحرب الروسية – الأوكرانية. ويشير المرسومي بمنصته على "فيسبوك"، تابعتها "بغداد اليوم"، إلى أن المفوضية الأوروبية تقترب من تخفيض السقف السعري للنفط الروسي من 60 إلى 47.60 دولار، فيما دعا ترامب نظراءه الأوروبيين إلى فرض رسوم كمركية تصل إلى 100% على النفط الروسي المصدَّر للصين والهند اللتين تستوردان 79% منه بأسعار مخفضة. ومع ضعف الطلب العالمي وزيادة إنتاج أوبك وخارجها، يضع المرسومي احتمالية أن تهبط الأسعار إلى ما دون 60 دولاراً خلال الأشهر الستة المقبلة.
هذا السيناريو يصفه خبراء آخرون بـ"الكارثة القادمة للعراق"، إذ أن الموازنة العراقية بُنيت على أساس 70 دولاراً كسعر مرجعي للبرميل. أي هبوط إلى حدود 50 دولاراً يعني عجزاً مضاعفاً، وارتفاع الدين الداخلي الذي بلغ مستويات قياسية، واحتمال دخول الدولة في أزمة سيولة لا تسمح بدفع الرواتب بانتظام، بل قد تؤجلها لشهرين أو ثلاثة أشهر في كل مرة.
الخبير في الشؤون النفطية والاقتصادية أحمد عسكر يربط هذه الهواجس ببنية الاقتصاد الريعي، موضحاً لـ"بغداد اليوم"، أن "الوضع الاقتصادي في العراق سيبقى مرتبطاً بشكل مباشر بتقلبات أسعار النفط العالمية، وأي انخفاض في الأسعار قد يضع ضغوطاً على الموازنة العامة وقدرة الدولة على تمويل الخدمات والمشاريع الاستثمارية". ويشير إلى أن الاعتماد شبه الكامل على العوائد النفطية يجعل الاقتصاد هشاً أمام أي هزة خارجية، ما يستوجب اعتماد موازنات مبنية على سيناريوهات متعددة، وإنشاء صندوق استقرار مالي، وتنويع مصادر الدخل عبر تطوير القطاعات غير النفطية.
أما المختص في الشأن المالي رشيد السعدي فيرى خلال حديثه لـ"بغداد اليوم"، أن قرار أوبك+ بزيادة الإنتاج ابتداءً من أكتوبر المقبل يضاعف تعقيدات المشهد، إذ أن زيادة المعروض النفطي قد تضع ضغوطاً إضافية على الأسعار في حال لم يقابلها نمو مماثل في الطلب. ويضيف أن رفع معدلات الضخ يتطلب تكاليف تشغيل وصيانة إضافية، ما يثقل كاهل الموازنة العراقية أصلاً. ومع أن الزيادة المقررة – بحدود 137 ألف برميل يومياً – قد توفر متنفساً مالياً قصير الأمد، إلا أن استدامة المكاسب تبقى مشروطة بكيفية إدارة العوائد وتوجيهها إلى مشاريع تنموية وخفض الدين العام.
الخلفية التاريخية تُظهر أن العراق ظل منذ سبعينيات القرن الماضي عرضة لتقلبات حصص أوبك والضغوط الدولية، وأن التوتر بين الحاجة إلى الإيرادات والالتزام بالاتفاقيات ظل حاضراً في كل مرحلة. هذا الإرث يجعل أي هبوط جديد في أسعار النفط اختباراً حقيقياً لقدرة بغداد على مواجهة الأزمة.
في المحصلة، تلتقي قراءات المرسومي وعسكر والسعدي عند نقطة واحدة: هشاشة الاقتصاد العراقي أمام الهزات النفطية. وإذا تحقق السيناريو المتوقع بانخفاض الأسعار إلى ما دون 60 دولاراً، فإن العراق مقبل على أزمة مالية خانقة، قد تُدخل الدولة في عجز مضاعف وتُهدد انتظام الرواتب، في ظل ديون داخلية متصاعدة وضغوط إنفاق لا تحتمل التأجيل.
المصدر: قسم الرصد والمتابعة في "بغداد اليوم"
بغداد اليوم – بغداد تشكل السيطرات الأمنية في بغداد إحدى أبرز أدوات الدولة لفرض النظام، لكنها في الوقت ذاته مثار نقاش متكرر حول جدواها وأثرها على حياة المواطنين. فالمعادلة بين متطلبات الأمن وحاجات الناس اليومية كثيراً ما تطرح تساؤلات عن الكلفة والفائدة،