بغداد اليوم – بغداد
تتصاعد مؤشرات القلق في العراق من تفاقم ظاهرة الانتحار، التي لم تعد حوادث فردية معزولة، بل تحولت إلى نزيف يومي يعكس عمق الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي تضرب المجتمع. النائب السابق فوزي أكرم ترزي كشف في حديث لـ"بغداد اليوم" أن "معدل محاولات الانتحار اليومية في العراق يصل إلى نحو خمس حالات"، واصفاً الظاهرة بأنها "نزيف مستمر في المجتمع العراقي". هذا الرقم، وفق مختصين، يعكس أزمة صامتة تتسع عاماً بعد آخر من دون أن تجد حلولاً جذرية.
ترزي أوضح أن "الانتحار لم يعد حالات فردية، بل تحول إلى ظاهرة تتزايد معدلاتها عاماً بعد آخر"، مبيناً أن "70% من ضحاياها هم من فئة الشباب دون سن الثلاثين، وفقاً للمعلومات المتوفرة". هذه النسبة تضع الشباب في صدارة الفئات المستهدفة، في وقت يشكّل فيه جيل ما بعد 2003 الأغلبية العددية، وهو الجيل الذي نشأ في ظل انعدام الاستقرار، وتراجع الخدمات، وغياب فرص العمل، بحسب مراقبين. خلفيات هذه الظاهرة ترتبط مباشرة بواقع اقتصادي منهك، حيث تشير تقارير رسمية إلى أن البطالة بين الشباب تتجاوز 27%، فيما تتفاقم مشكلات الفقر في مدن الأطراف والأرياف.
وأضاف ترزي أن "العراق يسجل يومياً قرابة خمس محاولات انتحار، بعضها ينتهي بالوفاة والبعض الآخر يتم إنقاذه في اللحظات الأخيرة، ولم تعد هذه الظاهرة محصورة بفئة أو شريحة معينة، بل وصلت حتى إلى الأطفال". هذه الإشارة توسع نطاق القلق، إذ لم تعد الظاهرة مقتصرة على شريحة الشباب فقط، بل تسللت إلى الفئات الأصغر سناً، وهو ما يعكس هشاشة البيئة الاجتماعية وغياب الحماية الأسرية والمؤسسية. محللون يرون أن وصول الظاهرة إلى الأطفال مؤشر على انهيار منظومة الدعم النفسي والاجتماعي، وفقدان الأمل في المستقبل منذ سنوات العمر الأولى.
وبيّن ترزي أن "أسباب الانتحار متعددة، منها المشاكل الاجتماعية، الاكتئاب، الفقر والبطالة، الضغوط الدراسية، وإدمان المخدرات". هذه الأسباب المتشابكة تجعل الظاهرة عابرة للطبقات والفئات، إذ تتلاقى الضغوط النفسية مع الضائقة الاقتصادية، وتتعزز بفوضى اجتماعية تُضعف قدرة المؤسسات على التدخل المبكر. مختصون يشيرون إلى أن تصاعد نسب الإدمان على المخدرات، خاصة بين الشباب في المدن الكبرى، ساهم في مضاعفة معدلات الانتحار خلال السنوات الأخيرة، في ظل ضعف الرقابة الصحية وغياب مراكز علاجية متخصصة.
وأكد ترزي "ضرورة تشكيل لجنة وطنية تضم خبراء علم الاجتماع والنفس من الكفاءات الأكاديمية والعلمية لوضع استراتيجية عراقية شاملة لمكافحة الظاهرة". هذه الدعوة ترتبط بتوصيات سابقة أطلقها خبراء محليون ودوليون حول الحاجة إلى إطار وطني لمعالجة الانتحار، يتضمن تشخيصاً دقيقاً للعوامل، وخطة للتدخل الوقائي والعلاجي. مراقبون يرون أن غياب هذه الاستراتيجية سمح باستمرار الظاهرة من دون معالجة ممنهجة، ما جعل العراق من بين الدول التي تشهد معدلات مقلقة للانتحار في المنطقة.
وأشار ترزي إلى "أهمية الانفتاح على الدواوين الدينية من أجل إبراز خطورة الانتحار في خطب الجمعة، والتأكيد على أنه محرّم شرعاً، مع العمل على معالجة الأسباب التي تدفع الشباب إليه". هذه المقاربة تكشف إدراكاً لضرورة المزج بين الحلول الدينية والاجتماعية، إذ أن خطاب المساجد والكنائس والحسينيات ما يزال مؤثراً في المجتمع العراقي، ويمكن أن يساهم في رفع الوعي وردع السلوك الانتحاري. محللون يربطون هذا الطرح بحقيقة أن المعالجات القانونية والأمنية وحدها لا تكفي، وأن غياب المعالجات النفسية والروحية فتح الباب أمام تفشي الظاهرة.
وختم ترزي بالتأكيد على "إعلان الأرقام الحقيقية أمام الرأي العام ومنظمات المجتمع المدني، لرفع مستوى الوعي بخطورة هذه الظاهرة التي تشكل نزيفاً دائماً في المجتمع العراقي، خصوصاً في السنوات الأخيرة". هذا الطرح يعكس حاجة ماسة إلى الشفافية في مواجهة واحدة من أخطر التحديات الاجتماعية، بعد أن ظلت الأرقام تُدار لفترة طويلة بسرية من قبل المؤسسات الرسمية، خشية انعكاساتها السياسية والأمنية.
تُظهر تصريحات فوزي أكرم ترزي، مقرونة بالبيانات الميدانية، أن الانتحار في العراق لم يعد عارضاً طارئاً بل أزمة متجذرة تتسع سنوياً. الأرقام اليومية تكشف أن الظاهرة تجاوزت الخطوط الحمراء، فيما تؤكد النسب أن الشباب، عماد المستقبل، هم الأكثر عرضة للانهيار النفسي والاجتماعي. الأسباب التي حددها ترزي من بطالة وفقر وضغوط اجتماعية وإدمان مخدرات، تكشف عن أزمة شاملة لا يمكن مواجهتها بأدوات تقليدية. الدعوة لتشكيل لجنة وطنية والانفتاح على المؤسسات الدينية تمثل خطوات ضرورية، لكنها تحتاج إلى إرادة سياسية ومجتمعية جادة لتتحول إلى برنامج واقعي. وفي المحصلة، فإن الانتحار بات انعكاساً مكثفاً للأزمة العراقية المركبة، ومؤشراً على هشاشة البنية الاجتماعية التي تتطلب معالجة عاجلة على المستويين المؤسسي والمجتمعي، كما يخلص مختصون.
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات
بغداد اليوم – بغداد لم تعد ظاهرة التسريبات في العراق مجرد أدوات هامشية للتأثير على الرأي العام، بل تحولت مع اقتراب الانتخابات إلى وسيلة ابتزاز علني وتسقيط سياسي يُمارس بشكل مكشوف، من دون اعتبار للأخلاقيات أو حدود المنافسة الديمقراطية. الباحث في الشأن