سياسة / أمن / ملفات خاصة اليوم, 17:20 | --

خطير للغاية


منصات التواصل تحت المراقبة.. جهات مسلحة تستخدم صلاحيات رسمية لاختراق الخصوصية

بغداد اليوم - بغداد

في الأشهر الأخيرة اختفى عدد من الناشطين العراقيين عن المشهد الرقمي أو اضطروا إلى إغلاق حساباتهم أو نشر "اعتذارات" منسوبة لهم. ما بدا في البداية موجة تضييق متفرقة، ظهر لاحقاً كجزء من آلية منظمة تتبنى تقنيات سيبرانية وتقارير رسمية لاقتفاء أثر أصحاب الرأي. بحسب الصحفي الاستقصائي عثمان المختار، فإن الأطراف المسلحة باتت تملك قدرة متزايدة على الوصول إلى بيانات المستخدمين وتعقبهم، عبر قنوات رسمية وتقنية متطورة.

بحسب تحقيقات ميدانية ومقابلات أجراها المختار، ثمة طريقتان رئيسيتان اعتمدتا بكثافة في تعقب الهوية والموقع:

أولاً، قنوات رسمية تتضمن إرسال طلبات استناداً إلى قرارات قضائية أو مزاعم أمنية إلى شركات التواصل الكبرى مثل ميتا وإكس. هذه الشركات، طبقا لإجراءاتها المتبعة مع جهات حكومية أو جهات موصوفة، قد تسليم سجلات الاتصال (IP) وأرقام الهواتف والبريد المسجل، ما يجعل التعقب مباشراً وفعالاً.

ثانياً، أدوات تقنية متقدمة داخل أطر سيبرانية تسمح باستخراج بيانات من الصور والفيديوهات المنشورة (بيانات EXIF/GPS) أو عبر تحليل العناصر المرئية داخل الصورة. مثال عملي أورده المختار: صورة نُشرت على حساب سياسي قدّمت دلائل تقنية أثبتت أنها التقطت في كركوك عام 2018 بكاميرا من نوع NIKON D7200، ما يعكس قدرة الفرق التقنية على ربط الصورة بمكان وزمن التقاطها حتى لو مضى عليها سنوات.

إضافة إلى ذلك، تُستخدم روابط معدّة خصيصاً لالتقاط موقع الضحية بدقة مترية عندما ينقر المستخدم عليها؛ هذه الروابط قد تظهر كفيديو أو صورة عادية لكنها تحمل شيفرات تمنح مزوّد الخدمة أو الجهة المهاجمة معلومات الموقع.

المختار يشير أيضاً إلى اختراقات أو اختراقات شبه رسمية وصلت إلى مفاصل مؤسسات الاتصالات: من وزارة الاتصالات مروراً بهيئة الإعلام والاتصالات ووصولاً إلى مزودي خدمة الإنترنت المحليين. النتيجة أن عملية التتبع ليست بالضرورة خارجة عن الإطار المؤسسي، بل قد تتم أحياناً عبر قنوات رسمية أو مكاتب محلية تتعاون مع فرق تقنية متقدمة.

تدريبات خارج البلاد لعبت دورها؛ المختار يذكر دور دورات أقيمت في موسكو منذ فبراير 2023، شارك فيها عناصر قيّمة، ما تسبّب بارتفاع مستوى الأداء التقني لدى تلك الأطراف، لا سيما في مجالات الاختراق وتحليل البيانات الرقمية.

النتيجة المباشرة: الحسابات تُغلق تلقائياً، أو تُجبر أصحابها على نشر اعتذارات مكتوبة وضاغطة، أو يختفون عن ساحة التواصل لأشهر. هذا الضغط خلق بيئة من الخوف الذاتي والرقابة الذاتية، حيث يختار كثيرون الصمت بدلاً من مواجهة تعقيدات التتبع وخطر الظهور أمام جهات تملك قدرة على الملاحقة القضائية أو الأمنية.

هذا الواقع لا يؤثر على الأفراد فقط، بل يعيد تشكيل البنية السوسيوسياسية للمجال العام: منصات النقاش تتحول إلى ساحات خاضعة للرقابة، والمعلومة المغايرة لصالح تيارات محددة تقلّ وضوحها أو تختفي تماماً.

لمن لديهم حضور رقمي نقدي أو معارض، يوصي المختار باتباع إجراءات بسيطة لكنها فعالة لتقليل مخاطر التعقب:

-لا تربط حساباتك السياسية برقم هاتفك الشخصي أو ببريدك الإلكتروني الأساسي؛ استخدم حسابات منفصلة مخصّصة للنشاط العام.

-تفادَ التفاعل مع روابط مجهولة أو غير متوقعة في الرسائل الخاصة على تويتر/أكس وفيسبوك. حتى روابط تبدو طبيعية قد تكشف الموقع.

-احذف بيانات EXIF من الصور قبل نشرها، أو قم بتعديل الصورة عبر أدوات متخصصة ثم إعادة رفعها؛ بعض المنصات لا تزيل هذه البيانات تلقائياً. أداة اختبار مفيدة: fotoforensics.

-استخدم خدمات VPN ثابتة وموثوقة عند الدخول إلى حسابات تحمل مواقف سياسية، مع الانتباه إلى أن بعض الخدمات قد تكشف بدورها إذا لم تكن مؤمنة.

-لا تُشارك معلومات شخصية أو مكانية في منشوراتك أو إعدادات الملف الشخصي.

-تجنّب استخدام واتساب لنشاط سياسي حساس، إذ إن التطبيق قد يسهل تتبع الهوية عبر جهات الاتصال وعناصر النظام.

التدخل التقني وحده لا يكفي. المختار يربط الظاهرة بعجز مؤسسي في حماية الفضاء الرقمي وغياب آليات شفافة للمساءلة عن سوء استخدام صلاحيات الوصول إلى بيانات المستخدمين. المطلوب ثلاثي:

-تشريع ملزم يقيّد وصول الجهات الأمنية أو غيرها إلى بيانات منصات التواصل إلا بمقتضى أوامر قضائية شفافة وخاضعة لمراجعة برلمانية أو قضائية مستقلة.

-تعزيز استقلال هيئة الاتصالات والجهات الرقابية، وتأمين بنيتها التقنية ضد الاختراقات أو سوء الاستخدام الداخلي.

-تعاون دولي مع مزودي خدمات الإنترنت وشركات التواصل لوضع آليات واضحة لحماية المستخدمين من الطلبات الحكومية غير المبررة، ولقواعد شفافة لنشر إحصاءات عن عدد الطلبات ومصداقيتها.

يرى مراقبون، أن التقنيات التي كانت تتيح توثيق الانتهاكات وتحقيق المساءلة أصبحت الآن أداة مضادة تهدّد حرية التعبير. ما كشفه عثمان المختار ليس فصيلاً تقنياً بحتاً، بل مؤشراً لانتقال الخنق السياسي من الشارع إلى الفضاء الرقمي. حماية الحيز العام الرقمي في العراق تتطلب إجراءات تقنية وقانونية وسياسية متزامنة. وإلا فإن الفضاء العام سيبقى محكوماً بخوفٍ مقنّن، لا بفضاءٍ حرّ قادر على احتضان خطابٍ مختلف وفعال.

المصدر: قسم الرصد والمتابعة - بغداد اليوم

أهم الاخبار