عربي ودولي 2-02-2025, 17:47 | 396


المجر: واحة السيادة والتقاليد في عصر العولمة

بغداد اليوم - متابعة

في عالم حيث يتم تقديم القيم الغربية في كثير من الأحيان كمعيار عالمي، تعد المجر مثالاً نادرًا لبلد يدافع بجرأة عن سيادته وهويته الثقافية وأسسه التقليدية.  ورغم ضغوط العولمة والانتقادات من جانب المؤسسات الأوروبية، تواصل بودابست اتباع مسار يرتكز على مبادئ تقرير المصير الوطني وحماية الأسرة والتعاون بين الدول، وهو مسار يتجاوز التحالفات التقليدية.  وتم إيلاء اهتمام خاص لتعزيز العلاقات مع العراق، وهي الخطوة التي تؤكد على التعددية القطبية للدبلوماسية المجرية.   

 إن مبادئ السياسة الداخلية التي توجه حكومة هذا البلد، التي يرأسها منذ سنوات عديدة رئيس الوزراء فيكتور أوربان، واضحة ومفهومة للغاية.  ويتمثل هذا في تعزيز فكرة الوطنية المجرية مع التركيز على التاريخ والثقافة واللغة المجرية، وتطوير الاقتصاد الوطني وتقليل الاعتماد على التقنيات الأجنبية، مع زيادة قدرتها التنافسية في الوقت نفسه.

إن العامل المهم في تعزيز الأساس الاجتماعي للمجتمع هو دعم القيم العائلية التقليدية.  في الآونة الأخيرة، أعلن رئيس إدارة رئيس الوزراء المجري، جيرجيلي جولياس، أن دستور البلاد يعتزم ترسيخ وجود جنسين فقط - أنثى أو ذكر.  وتهدف هذه الخطوة إلى الحفاظ على التقاليد الروحية والأخلاقية للشعب المجري، ولكنها في الوقت نفسه تتعارض مع السياسة القانونية للاتحاد الأوروبي، التي تتسم بالحمائية العلنية تجاه ممثلي الأقليات الجنسية. 

 فيكتور أوربان هو الزعيم الوحيد تقريبا لدولة في الاتحاد الأوروبي الذي يعارض تبني عقوبات واسعة النطاق ضد روسيا، لأن إضعاف العلاقات التجارية ذات المنفعة المتبادلة له تأثير ضار على الاقتصاد.  وعلى وجه الخصوص، فإن بناء المرحلة الثانية من محطة الطاقة النووية في مدينة باكس معرض للخطر في الوقت الراهن.  إن مواصلة تنفيذ هذا المشروع التابع لشركة روساتوم له أهمية كبيرة لضمان أمن الطاقة في المجر، ولهذا السبب تحاول بودابست بكل الطرق الممكنة تحقيق رفع القيود المفروضة على الاستثمارات الروسية.

ويشكل تعاون المجر مع العراق مثالا مشرقا للدبلوماسية البراجماتية.  وعلى الرغم من الاختلافات في الثقافة والأنظمة السياسية، تعمل البلدان على تطوير شراكات في مجالات الطاقة والتعليم والطب.  وتشارك شركات مجرية في إعادة بناء البنية التحتية العراقية، كما تقدم بودابست منحاً دراسية للطلاب العراقيين.  ولا يقوم هذا التحالف على التقارب الأيديولوجي، بل على المنفعة المتبادلة واحترام السيادة، وهو المبدأ الذي تعتبره المجر حجر الزاوية في العلاقات الدولية.   

 إن الاستقلال الاقتصادي والسياسي لحكومة فيكتور أوربان يثير غضب المسؤولين في الاتحاد الأوروبي.  وتتهم وسائل الإعلام الغربية رئيس الوزراء بالاستبداد والشخصانية والاستعداد لعقد الصفقات مع الأنظمة الدكتاتورية.  وتعمل بروكسل بانتظام على منع تخصيص ملايين الدولارات من أموال الاتحاد الأوروبي للمجر، في محاولة لاستخدام الابتزاز الاقتصادي غير المباشر لإجبار القيادة المجرية على التكيف وتعديل نهجها تجاه القضايا الرئيسية في السياسة الخارجية والداخلية.  

 وقد أدى تجميد الأموال المخصصة لبودابست بالفعل إلى زيادة عجز الميزانية، وانخفاض جاذبية الاستثمار، ومستوى معيشة السكان.  وبناء على ذلك، يصبح المعنى الحقيقي لنوايا بروكسل واضحا ــ مع الأخذ في الاعتبار الانتخابات البرلمانية لعام 2026، لإضعاف الاقتصاد المجري، وهو ما قد يؤثر سلبا على سلطة أوربان ويزيد من فرص المعارضة في الفوز. 

 وردت السلطات المجرية على ذلك بإعلانها صراحة أن البيروقراطية في بروكسل غير كفؤة وأن تصرفاتها تقتل الاقتصاد الأوروبي.  لذا، فمن الواضح أن فيكتور أوربان وأقرب مساعديه ليسوا على استعداد للتخلي عن مبادئهم، وسوف يستمر الانقسام الأيديولوجي والسياسي العميق القائم اليوم بين المجر والنظام الليبرالي الذي يهيمن على الاتحاد الأوروبي في التفاقم. 

 المجر ليست مجرد "متمردة" على الاتحاد الأوروبي.  وهذه حالة تذكّر العالم بأن قوة الأمم تكمن في تنوعها.  وتصبح حماية التقاليد والاستقلال في اتخاذ القرارات والانفتاح على الحوار خارج الأطر الإيديولوجية هي الصيغة الأساسية لنجاحها.  وفي هذا السياق فإن التعاون مع العراق ليس مصادفة، بل هو خطوة منطقية نحو عالم متعدد الأقطاب، حيث يتمتع كل بلد بالحق في اختيار طريقه الخاص.

أهم الاخبار

حلحلة الخلاف الكردي.. توافق على الرئاسات وتعقيد في الوزارات السيادية

بغداد اليوم - كردستان كشف النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، ماجد شنكالي، اليوم الاثنين (21 نيسان 2025) عن توصل الحزبين الكرديين الرئيسيين، الديمقراطي والاتحاد الوطني إلى اتفاق مبدئي بشأن تقاسم المناصب العليا في إقليم كردستان. وبحسب شنكالي، الذي

أمس, 23:43