بغداد اليوم - بغداد
منذ أول انتخابات بعد عام 2003، ظل الجمهور العراقي هو العامل الأكثر حضورا في الصورة والأقل تأثيرًا في القرار. فالملايين الذين يظهرون في ساحات الدعاية والتجمعات لا يعكسون بالضرورة نسبة المشاركة الفعلية في صناديق الاقتراع، التي لم تتجاوز في آخر دورة انتخابية حاجز %41 من المسجلين، بحسب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات.
الصحفي المخضرم فلاح المشعل يصف هذا المشهد بدقة لافتة، فيقول إن “الجمهور الانتخابي هو نفسه تجده في الساحات الشيعية مع كل مرشح شيعي، وكذلك السني مع كل مرشح سني. ولو كان لكل حزب هذا الجمهور الذي يرافقه لأصبح عدد سكان العراق مئة مليون نسمة”.
ويضيف أن “الجمهور يحضر ويهتف بأوامر حزبية أو مقابل وجبة غذاء ومبلغ بسيط، وبعضهم يحضر بدافع الفضول أو لالتقاط صورة مع السياسي”، معتبراً أن هذا السلوك أنتج ما يمكن تسميته بـ "الجمهور اللا جمهور".
يؤكد باحثون في العلوم السياسية والاجتماع أن ما يجري ليس تفاعلاً ديمقراطيًا بل تنظيمًا دعائيًا تقوده الأحزاب لتصوير مشهد شعبي مزيف. فالحشود التي تملأ الساحات لا تعكس حجم القاعدة الحقيقية، بل تُدار من خلال شبكات حزبية محلية تُجنّد المشاركين مقابل حوافز مالية أو خدماتية.
وتشير دراسات ميدانية عراقية إلى أن نحو %60 من الحضور في المهرجانات الانتخابية لا يصوتون فعليًا في يوم الاقتراع، وأن أكثر من ثلثهم لا يعرفون أسماء المرشحين الذين يهتفون لهم. هذه المفارقة تكشف عن فجوة متزايدة بين الدعاية والتمثيل، وعن أزمة ثقة عميقة بين المواطن والنظام السياسي.
يؤكد عدد من الخبراء أن المال الانتخابي في العراق تحوّل إلى وسيلة لبناء الولاءات لا إلى ميدان للتنافس على البرامج. فالأحزاب الكبرى تنفق مليارات الدنانير على الدعاية الانتخابية في وقتٍ تعاني فيه المحافظات من بطالة مرتفعة وخدمات متدهورة، وهو تناقضٌ يشير إليه مختصون في الاقتصاد السياسي بوصفه دليلاً على أن العملية الانتخابية أصبحت امتدادًا لمنظومة الريع والزبائنية، لا آليةً حقيقية للتغيير والمحاسبة.
ويشير باحثون في علم الاجتماع السياسي إلى أن استمرار الحشود المصطنعة جعل النظام السياسي يعيش في فقاعة جماهيرية تعزله عن المزاج الشعبي الواقعي. فالمجتمع العراقي، الذي يُفترض أن يكون طرفًا فاعلًا في تصحيح المسار، تحوّل تدريجيًا إلى متفرج يتعامل مع الانتخابات كمناسبة موسمية لا كحق مدني دائم.
ويحذر مراقبون من أن هذا المسار، إذا استمر، سيقود إلى إضعاف شرعية النظام الديمقراطي نفسه، لأن الشرعية التي لا تستند إلى جمهور حقيقي تتحول بمرور الوقت إلى شرعية شكلية تكرّس استمرار النخبة ذاتها في الحكم دون مساءلة أو تداول فعلي للسلطة.
وتجمع الدراسات الحديثة على أن معالجة ظاهرة "الجمهور اللا جمهور" تتطلب إصلاح البيئة السياسية، ووقف استخدام المال والنفوذ في صناعة الولاءات، مع تفعيل التعليم المدني والإعلام المسؤول لتعزيز وعي الناخب. فالديمقراطية لا تُقاس بعدد اللافتات ولا بحجم الحشود، بل بقدرة المواطن على الاختيار الحر والمحاسبة الواعية.
المصدر: قسم الرصد والمتابعة - بغداد اليوم
بغداد اليوم - بغداد وصف رئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، اليوم الأربعاء (29 تشرين الاول 2025)، التصويت بالانتخابات البرلمانية المقبلة بالأمانة والشهادة، والبرلمان بروح الدولة والحكومة. وقال المالكي في كلمة خلال مؤتمر لدعم الناخبين وتابعته