بغداد اليوم – بغداد
في تقييم شامل يمتد لأربع سنوات من عمر الحكومة الحالية، قدّم الخبير الاقتصادي زياد الهاشمي ما يشبه “جرد الحساب” لحصيلة الأداء الاقتصادي للعراق بين عامي 2022 و2025، واصفاً المرحلة بأنها “زمن الفرص الضائعة”. الهاشمي يرى أن الوفرة المالية التي تحققت بفضل أسعار النفط لم تُستثمر لبناء اقتصاد مستدام، وأن الحكومة أعادت تدوير الأزمة بدل تفكيكها.
يقول الهاشمي إن الحكومة “استمرت في الاعتماد بشكل شبه مطلق على مبيعات النفط دون أن يكون هناك توسع واضح في قطاعات اقتصادية أخرى يمكن أن تساهم في تنويع مؤثر لمصادر التمويل، مما جعل مالية الحكومة أسيرة بيد سعر برميل النفط” (تقييم 7/20).
تؤكد بيانات البنك الدولي هذه القراءة، إذ تشير إلى أن أكثر من 92% من إيرادات العراق في عام 2024 كانت من النفط الخام، بينما تراجعت مساهمة الصناعة والزراعة إلى أقل من 7%. ويُقدّر صندوق النقد الدولي أن كل انخفاض بمقدار 10 دولارات في سعر البرميل يقلل الإيرادات بنحو 10 تريليونات دينار سنوياً، وهو ما يضع الاقتصاد العراقي في دائرة التبعية السعرية المزمنة.
ويضيف الهاشمي أن الحكومة “شهدت زيادة في عدم الانضباط المالي والهدر، رافقتها موجة تعيينات حكومية كبيرة لم تراعِ حجم العوائد النفطية المتدهورة نتيجة انخفاض الأسعار، مما خلق ضغطاً مالياً هائلاً على الموازنة والمالية العامة التي تعمل بلا مصدات مالية تحمي الاقتصاد من تقلبات أسعار النفط، وقد ساهم كل ذلك في ارتفاع كبير في العجز المالي الحكومي وازدياد حجم الدين العام بشكل غير مسبوق” (تقييم 7/20).
تشير تقارير وزارة المالية إلى أن عدد الموظفين الحكوميين تجاوز 4.7 ملايين موظف حتى نهاية 2024، في وقت تستنزف فيه رواتبهم نحو 57% من الإنفاق العام. كما ارتفع الدين الداخلي إلى أكثر من 97 تريليون دينار، وفق بيانات رسمية، فيما بلغ الدين الخارجي قرابة 41 مليار دولار. ووفق مسح اقتصادي أجرته جامعة بغداد، فإن العجز التراكمي في الموازنة الثلاثية (2023–2025) يُعدّ الأعلى منذ 2003.
ويتابع الهاشمي قائلاً إن “الحكومة لم تُسجّل إصلاحات مؤسسية كافية أو تشريعات رادعة فعّالة، وما شهدناه هو مجرد تحسينات محدودة لم ترفع مستوى الحوكمة أو تطور بشكل واضح في البنية الإدارية الأوسع لمؤسسات الدولة” (تقييم 9/20).
تقرير منظمة الشفافية الدولية الصادر في مطلع 2025 وضع العراق في المرتبة 154 من أصل 180 دولة في مؤشر الفساد العالمي، وهو ما يعكس ضعف القوانين الرادعة واستمرار نفوذ الأحزاب داخل المؤسسات الإدارية والرقابية. كما لم تُفعَّل حتى الآن التوصيات المتعلقة باستقلال ديوان الرقابة المالية أو تشديد قانون “من أين لك هذا”، الذي ما زال حبراً على ورق.
وفي ملف الفساد تحديداً، يرى الهاشمي أن “المحسوبيات والانحناء لمطالب الجهات الداعمة للحكومة استمر بشكل واضح خلال فترة حكومة السوداني، مما ساهم في توزيع غير عادل للثروة وخلق ثروات كبيرة توزعت على فئة قليلة، مكنتها من زيادة قوتها المالية ونفوذها داخل الدولة العراقية، وبقاء مستوى الفقر عند مستويات عالية” (تقييم 8/20).
تُظهر بيانات وزارة التخطيط أن نسبة الفقر بلغت 25% عام 2024، وأن أكثر من 11 مليون عراقي يعيشون تحت خط الفقر رغم الموازنات القياسية التي تخطت 200 تريليون دينار سنوياً. وفي المقابل، كشفت هيئة النزاهة عن أكثر من 22 ملف فساد “كبير” تم تحويلها إلى القضاء دون نتائج ملموسة، ما يعكس استمرار ثقافة الإفلات من العقاب.
وفي ما يتعلق بقطاع الكهرباء، يضيف الهاشمي أن الحكومة “أخفقت طوال أعوام في فك عقدة أزمة الكهرباء واستمرت أسيرة لمصدر خارجي واحد يغذي محطاتها بالغاز، ولم تنجح في تنويع مصادر الغاز، كما استمر الخلل في شبكات الإنتاج والنقل والتوزيع ونظام الجباية مما انعكس سلباً على خدمة الكهرباء بشكل عام” (تقييم 9/20).
بحسب وزارة الكهرباء، يُقدّر الفاقد الكهربائي في العراق بنحو 47% من الطاقة المنتجة، في حين تكلّف واردات الغاز الإيراني أكثر من 4 مليارات دولار سنوياً. وبينما خُصصت أكثر من 60 تريليون دينار منذ 2003 لهذا الملف، لا تزال ساعات التجهيز في بعض المحافظات لا تتجاوز 12 ساعة يومياً في الصيف.
ويختم الهاشمي تقييمه بالإشارة إلى أن “الكثير من القطاعات ما زالت تعاني من ضعف واضح، منها القطاع الزراعي والخدمي والمائي، رافق ذلك خسارة مائية كبيرة للعراق نتيجة سوء إدارة هذا الملف من قبل الحكومة” (تقييم 7/20).
تقرير وزارة الموارد المائية الأخير أشار إلى أن الخزين المائي انخفض إلى نحو 9.5 مليارات متر مكعب فقط في منتصف 2025، وهو أدنى مستوى منذ عقود. أما الزراعة، التي كانت تشغل أكثر من 30% من اليد العاملة العراقية، فانكمشت مساهمتها في الناتج المحلي إلى أقل من 5%، فيما فشلت برامج دعم الفلاحين بسبب تأخر المدفوعات وتراجع تجهيزات الري الحديثة.
حصيلة الهاشمي النهائية تُظهر صورة اقتصاد مكدّس بالإيرادات ومفكك في الرؤية. فالإخفاقات لا تتعلق بالأرقام وحدها، بل بغياب مشروع وطني يربط المال بالإنتاج. وهكذا، كما يقول، “أصبحت الحكومة تمتلك المال، لكنها تفتقر إلى المنهج”.
ومن خلال هذا الجرد القاسي، يخلص الهاشمي إلى أن حكومة السوداني لم تخسر مواردها فحسب، بل أهدرت فرصة نادرة لإعادة بناء الثقة بالاقتصاد الوطني. إنها، بتوصيفه الدقيق، “حكومة التوازنات لا الإصلاحات”.
المصدر: قسم الرصد والمتابعة - بغداد اليوم + وكالات
بغداد اليوم - مفوضية الانتخابات تستبعد سامر جيرمني من السباق الانتخابي