بغداد اليوم – بغداد
منذ عام 2003، يعيش العراق في دائرة مالية مغلقة، تتكرر فيها الأزمات وتتغير فيها الحكومات، لكن الثابت الوحيد هو اللجوء إلى الدين الداخلي كمنقذ مؤقت في كل أزمة مالية أو هبوط نفطي. فكلما ضاقت الإيرادات، لجأت الدولة إلى التمويل عبر المصارف أو البنك المركزي، لتغطي العجز وتؤمّن الرواتب وتستمر في الإنفاق، دون أن تُنتج موارد جديدة أو تُعيد هيكلة الاقتصاد.
هذه السياسة، التي بدأت كخيار استثنائي، تحوّلت مع مرور السنوات إلى نهج دائم، لتصبح الديون الداخلية جزءًا من البناء المالي للدولة، لا أداة علاج مؤقت.
فمن الحرب على داعش، إلى جائحة كورونا، وصولًا إلى الموازنات الضخمة في عهد حكومة محمد شياع السوداني، تضاعفت أرقام الدين الداخلي بشكل لافت، وازدادت معها هشاشة الاقتصاد، حتى بات الدين انعكاسًا مباشرًا لغياب الإصلاح المؤسسي وضعف التنسيق بين السياسة المالية والنقدية.
يرى الخبير الاقتصادي نبيل جبار التميمي فيإيضاح نشره على صفحته الرسمية بـ"فيسبوك"، تابعته "بغداد اليوم"، أن الدين الداخلي في العراق مثّل على مدى العقدين الماضيين أداة طوارئ مالية استخدمتها الحكومات المتعاقبة عند كل أزمة، في ظل غياب البدائل الاقتصادية المستدامة. ويشير إلى أن الحكومة عادة ما تستدين من ثلاثة مصادر رئيسية: المصارف الأهلية عبر السندات أو التسهيلات المحدودة، والسندات الوطنية الموجهة للجمهور، وحوالات الخزينة التي يوفرها البنك المركزي عبر ضخ السيولة أو الطباعة النقدية.
ويحدّد التميمي ثلاث مراحل ارتفع فيها الدين الداخلي بشكل لافت:
الحرب على داعش (2014–2017)
في هذه الفترة، قفز الدين الداخلي من نحو 5 تريليونات دينار في 2013 إلى 48 تريليون دينار في 2017، قبل أن يتراجع تدريجيًا إلى 38 تريليون دينار في 2019.
ويرجع ذلك – وفقًا للتميمي – إلى حاجة الدولة لتأمين السيولة بعد انهيار أسعار النفط وتكاليف الحرب، إذ كان البنك المركزي هو الممول الرئيس عبر الطباعة النقدية لتغطية نفقات تشغيلية وعسكرية ضخمة.
هذا التمويل سهّل استمرار الدولة لكنه أطلق أول موجة تضخمية حقيقية بعد 2003، وأعاد فتح النقاش حول حدود استقلالية البنك المركزي.
جائحة كورونا (2020–2022)
مع تفشي الجائحة وتراجع الطلب على النفط، ارتفع الدين الداخلي مجددًا من 38 إلى 70 تريليون دينار.
ويُظهر تحليل تلك المرحلة أن السياسات النقدية التي تبنّتها الحكومة – ومنها تعديل سعر الصرف وتمويل النفقات عبر أدوات الدين الداخلي – وفّرت متنفسًا مؤقتًا لكنها زادت كلفة المعيشة وأضعفت الثقة بالسياسة النقدية.
لقد أصبح الدين هنا ليس فقط وسيلة تمويل، بل انعكاسًا لهشاشة البنية المالية التي تعتمد على النفط أساسًا للبقاء.
حكومة السوداني وموازنة السنوات الثلاث (2023–2025)
يرى التميمي أن الدين الداخلي ارتفع خلال فترة حكومة السوداني من 70 إلى نحو 91 تريليون دينار، نتيجة تمويل العجز في موازنة تُعد الأكبر في تاريخ العراق.
تُظهر البيانات أن الجزء الأكبر من الدين جاء من البنك المركزي، بينما شكّل ما اقترض من المصارف الأهلية والسندات الوطنية نسبة ضئيلة.
هذا التوسع المالي، رغم ارتفاع أسعار النفط، يكشف عن استمرار الاعتماد على الدين الداخلي لتغطية الإنفاق التشغيلي بدل تحفيز القطاعات الإنتاجية، وهو ما يجعل الدين أداة غير منتجة من الناحية الاقتصادية.
وبحسب تحليل التميمي، فإن التباين بين سياسات البنك المركزي والحكومة يعكس غياب التنسيق المؤسسي؛ فالأول يسعى إلى كبح التضخم عبر ضبط السيولة، بينما تستمر الثانية بالاقتراض لتأمين التزاماتها الشهرية.
هذا التضاد جعل الدين الداخلي يتحول من وسيلة توازن مالي إلى مصدر ضغط اقتصادي يهدد الاستقرار النقدي على المدى البعيد.
إن أغلب الديون الداخلية ليست دينًا استثماريًا يمكن أن يعيد إنتاج الثروة أو يخلق فرص عمل، بل تمثل التزامات تشغيلية قصيرة الأجل “تُسكن الألم ولا تعالج المرض”، كما يصفها اقتصاديون.
ومن دون إصلاح مؤسسي حقيقي، ستبقى الديون الداخلية دائرة مغلقة بين الخزينة والبنك المركزي، تتسع مع كل أزمة وتُطفأ مؤقتًا مع كل ارتفاع في أسعار النفط.
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات
بغداد اليوم – طهران أجرى مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، مساء الاثنين (20 تشرين الأول 2025)، مباحثات في العاصمة الإيرانية طهران مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، تناولت العلاقات الثنائية والملفات الأمنية المشتركة بين البلدين، وفق بيان مقتضب صادر