سياسة / أمن / ملفات خاصة اليوم, 14:00 | --

الدستور والواقع


نخبة فوق القانون.. كيف نشأت في العراق طبقة سياسية "محصنة بالسلاح"؟

بغداد اليوم – بغداد

تواجه العملية الانتخابية في العراق اختبارًا مركّبًا يتعلق بمدى انسجام الممارسة السياسية مع نصوص الدستور وقانون الأحزاب. فبينما تؤكد القوانين على حظر مشاركة أي كيان ذي طابع أو ارتباط مسلّح في الحياة السياسية، تتجدد التساؤلات حول معايير التطبيق، خصوصًا بعد تصريحات أكاديمية تشير إلى وجود عشرات الفصائل التي يُفترض أن تكون خارج الإطار السياسي الانتخابي.

مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية الدكتور غازي فيصل قال في تصريح لـ"بغداد اليوم"، إن هناك ما يقرب من 74 فصيلًا مسلّحًا داخل العراق، “لا يحق لها قانونًا المشاركة في العملية السياسية”، موضحًا أن “محاولات دخول هذه الفصائل إلى مجلس النواب عبر الانتخابات تمثل مخالفة للمادة التاسعة من الدستور العراقي لعام 2005، التي تحظر على القوات المسلحة المشاركة في التداول السلمي للسلطة، وتمنع تشكيل أي جماعات مسلّحة خارج نطاق المؤسسة العسكرية”.

وأضاف فيصل أن المرجعية الدينية في النجف حين أصدرت فتوى “الجهاد الكفائي” عام 2014، كانت تهدف إلى تطوع المواطنين ضمن صفوف القوات المسلحة الرسمية، لا إلى تأسيس فصائل مستقلة أو احتفاظ الأحزاب بتشكيلات مسلّحة موازية.

ويبيّن أن “بعض القوى السياسية استلهمت نموذج الحرس الثوري الإيراني في التنظيم والتعبئة، مما خلق حالة التباس بين العمل السياسي المشروع والعمل العسكري غير المصرح به”.

وفي سياق متصل، لم تقدّم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات حتى الآن السند القانوني الذي استندت إليه في السماح لأحزاب يُشتبه بارتباطها بفصائل مسلّحة بالمشاركة في الانتخابات المقبلة، رغم وضوح النصوص القانونية التي تحظر ذلك.

هذا الموقف جاء بعد طلب رسمي قدّمه المحامي عباس الكعبي وعدد من زملائه في التاسع من أيلول الماضي، مرفقًا بوثائق تؤكد مشاركة فصائل مسلّحة في العملية الانتخابية، استنادًا إلى نصوص من الدستور وقانون الأحزاب. وأوضح الكعبي أن الهدف من الطلب هو “تطبيق الدستور وحماية مؤسسات الدولة وفرض القانون على الجميع دون استثناء”.

تنص المادة (9) من الدستور العراقي على حظر تشكيل أي جماعات مسلّحة خارج المؤسسة العسكرية، فيما تمنع المادة (8) من قانون الأحزاب السياسية لعام 2015 تأسيس أو ترخيص أي حزب له طابع مسلّح، وتنص المادة (47) من القانون ذاته على معاقبة من يُنشئ تنظيمًا عسكريًا داخل الحزب أو يرتبط بتنظيم مسلّح، مع جواز حل الحزب في حال ثبوت علمه بذلك.

ورغم هذه النصوص، لم تُعلن المفوضية عن أي إجراء لتعليق تسجيل الأحزاب المشمولة أو منع مشاركتها، ما أثار تساؤلات في الأوساط القانونية والسياسية حول مدى قدرتها على تطبيق القانون بمعايير موحدة، بعيدًا عن التوازنات السياسية أو الضغوط غير المعلنة.

وتُظهر مراجعة هذا الملف أن العراق يقف أمام فجوة واضحة بين النصوص القانونية والممارسة السياسية. فالقوانين صيغت لضمان احتكار الدولة للسلاح وحماية مبدأ المنافسة المدنية، لكن الواقع يشير إلى أن بعض الأحزاب تحتفظ بأذرع مسلّحة أو بعلاقات تنظيمية تمنحها نفوذًا سياسيًا غير متكافئ.

ويرى باحثون في الشأن السياسي أن الإشكال لا يكمن فقط في وجود السلاح بحد ذاته، بل في “تحوّل بعض القوى إلى كيانات هجينة تمارس السياسة من داخل مؤسسات الدولة بينما تستند إلى بنى مسلّحة خارجها”. ويعتبر هذا النمط، بحسب دراسات مقارنة في النظم الانتقالية، من أبرز العوائق أمام ترسيخ الدولة الديمقراطية.

كما يلفت خبراء قانونيون إلى أن معالجة هذا التداخل تتطلب “تفسيرًا مؤسسيًا دقيقًا” للمادة التاسعة من الدستور ومراجعة تنفيذ قانون الأحزاب على نحو متوازن يضمن حماية الحق في المشاركة السياسية دون السماح بتسليح الفعل الانتخابي أو عسكرة الفضاء المدني.

يبرز من مجمل المعطيات أن المعضلة ليست في النصوص التي جاءت صريحة وواضحة، بل في ضعف آليات التنفيذ وتعدد مراكز القرار داخل الدولة. فوجود فصائل مسلّحة أو أحزاب ذات ارتباطات أمنية يخلق طبقة سياسية محصّنة من المساءلة، ويضعف مبدأ المساواة أمام القانون.

أما المفوضية العليا للانتخابات، فتبدو أمام معادلة دقيقة: بين واجبها في تطبيق القانون بحزم، وبين حسابات الاستقرار السياسي والضغط المجتمعي. هذه المعادلة تجعل قراراتها محطّ تدقيق دائم، خاصة عندما تتعلق بمشاركة أحزاب لها ثقل ميداني وأمني.

وبحسب قراءات أكاديمية، فإن المستقبل الانتخابي في العراق سيتحدد بمدى قدرة مؤسسات الدولة على ترسيخ قاعدة “المدني فوق المسلّح”، وضمان أن تبقى الانتخابات ساحة للتنافس السياسي لا امتدادًا لساحات النفوذ العسكري. فكلما ضاقت الفجوة بين النص والممارسة، اقتربت الدولة من شكلها الدستوري الذي طالما سعت إليه بعد عام 2003.

المصدر: قسم الرصد والمتابعة في "بغداد اليوم" + وكالات

أهم الاخبار

كوب ماء واحد يكفي لحماية أسنان طفلك من التسوس

بغداد اليوم - متابعة كشفت دراسة علمية جديدة أجراها باحثون في جامعة كاليفورنيا – سان فرانسيسكو، اليوم الاحد (19 تشرين الاول 2025)، عن وسيلة بسيطة وفعالة لتعزيز صحة الفم وحماية الأسنان من التسوس، تتمثل في شرب كوب واحد فقط من الماء. ووفقاً لما نشره موقع

اليوم, 15:30