سياسة / عربي ودولي / ملفات خاصة اليوم, 13:00 | --

طوفان الأقصى


العالم لن يعود كما كان.. "7 أكتوبر" نقطة تحوّل في الوعي الجمعي والسياسة الدولية

بغداد اليوم - بغداد

يمثّل يوم 7 أكتوبر محطة فارقة في تاريخ الصراع العربي–الإسرائيلي، ليس فقط باعتباره الذكرى الثانية لعملية “طوفان الأقصى”، بل باعتباره الشرارة التي فجّرت سلسلة من التحولات العميقة في الشرق الأوسط والعالم. ما بعد ذلك اليوم لم يكن كما قبله؛ إذ انكشفت هشاشة البنى السياسية والأمنية في المنطقة، وتغيّرت أنماط التحالفات، وتداخلت القضايا الإنسانية مع الحسابات العسكرية، في مشهد يؤكد أن التوازن الدولي يمرّ بمرحلة إعادة تشكيل غير مسبوقة.

يصف المختص في الشؤون الاستراتيجية جاسم الغرابي لـ"بغداد اليوم" ما جرى بأنه: "نقطة تحول تاريخية ما زالت تداعياتها تتفاعل على المستويين الإقليمي والدولي، والعالم بعد تلك الأحداث لم يعد كما كان قبلها، سواء من حيث موازين القوى أو طبيعة التهديدات أو طريقة إدارة الصراعات".

هذا التوصيف يضع الحدث في مرتبة “الزلزال” الذي أعاد خلط الأوراق. تشير قراءات بحثية متخصصة إلى أن أحداثاً من هذا النوع لا تقتصر نتائجها على ميدان الحرب، بل تمتد إلى بناء وعي جمعي جديد وإعادة صياغة الأولويات الدولية. وهنا تتضح خطورة 7 أكتوبر بوصفه نقطة بداية لمسار طويل، وليس مجرد مواجهة عابرة بين طرفين.

يرى الغرابي أن: "يوم 7 أكتوبر كان بمثابة الزلزال السياسي والأمني الذي أعاد ترتيب الأولويات في الشرق الأوسط، وفتح الباب أمام مرحلة جديدة من إعادة التوازن الدولي، حيث تداخلت فيها الملفات الأمنية والإنسانية والسياسية بشكل غير مسبوق".

هذا الربط بين الأمني والإنساني والسياسي يكشف أن الصراع تحوّل من كونه معركة عسكرية إلى قضية متعددة الأبعاد. تفيد ملاحظات أكاديمية أن ما بعد 7 أكتوبر شهد تصاعد دور الإعلام والرواية، وتحوّل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي إلى أدوات في إدارة الحرب والنزاع، وهو ما جعل ميدان “المعلومات” لا يقل خطورة عن ميدان السلاح.

أشار الغرابي إلى أن: "العامين الماضيين شهدا تحولات واضحة في طبيعة التحالفات الإقليمية، فبعضها تراجع تحت ضغط التغيرات، فيما برزت تحالفات أخرى نتيجة لاصطفافات جديدة فرضتها الوقائع الميدانية والاقتصادية".

هذه القراءة تتوافق مع مقاربات سياسية حديثة ترى أن دولاً عديدة في المنطقة أعادت تموضعها، بعضها اضطر للتراجع أمام الضغوط الدولية، وأخرى لجأت إلى شراكات جديدة لضمان بقاء أنظمتها. تُظهر البحوث القانونية المقارنة أن مفهوم الأمن بعد 7 أكتوبر لم يعد عسكرياً بحتاً، بل صار يمتد ليشمل الاقتصاد والطاقة والأمن السيبراني، وهو ما فرض على اللاعبين الإقليميين صياغة استراتيجيات أكثر براغماتية وأبعد عن الخطاب الشعاراتي.

يرى الغرابي أن: "التطورات التي أعقبت ذلك اليوم أثبتت أن الأنظمة الإقليمية الهشة لم تعد قادرة على استيعاب الأزمات المتسارعة دون تغييرات جذرية في بنية التفكير السياسي وصناعة القرار".

هذه الملاحظة تكشف أزمة بنيوية؛ إذ أن غياب الإصلاحات المؤسسية العميقة في بعض الدول جعلها عاجزة عن التعامل مع صدمات 7 أكتوبر وما بعدها. وفق تقديرات مؤسسية، فإن استمرار هذا الضعف قد يؤدي إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار، ويجعل تلك الدول عُرضة للتفكك أو الاختراق من قوى إقليمية ودولية تبحث عن موطئ قدم في المنطقة.

في جانب استشراف المستقبل، يؤكد الغرابي أن: "من المتوقع أن تشهد المنطقة والعالم مزيداً من التحولات في موازين القوى خلال الأعوام المقبلة، مع تصاعد الدور التكنولوجي في إدارة الصراعات، وتزايد أهمية الذكاء الاصطناعي في المجالين الأمني والإعلامي".

هذا التصريح يفتح النقاش على متغير جديد: التكنولوجيا كفاعل مؤثر في الصراع. وفق مقاربات فكرية معاصرة، فإن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة لتحليل البيانات أو توجيه الرأي العام، بل تحول إلى عنصر فاعل في إدارة العمليات العسكرية والدبلوماسية. تسجّل التجارب التاريخية المماثلة أن أي حدث يعيد تشكيل موازين القوى عادة ما يُدخل تكنولوجيا جديدة على معادلة النزاع، وهو ما يحدث اليوم مع الذكاء الاصطناعي.

لم يغفل الغرابي العوامل الاقتصادية والمناخية، قائلاً: "الضغوط الاقتصادية، والتغيرات في أسواق الطاقة، والتحديات المناخية، ستفرض واقع جديد يغير شكل العلاقات بين الدول، ويجعل من التعاون الإقليمي خياراً اضطرارياً".

هنا، تُظهر بيانات رقابية أن الحرب وما أعقبها لم تعد تهدد الأمن العسكري فقط، بل سلاسل الإمداد العالمية وأسواق الطاقة والتجارة الدولية. وفق تقديرات سياسية–اقتصادية متقاطعة، فإن هذه الضغوط ستفرض على دول المنطقة إعادة النظر في أولوياتها، ليس من باب الرغبة بل من باب الضرورة.

تُظهر تصريحات الغرابي أن 7 أكتوبر يجب أن يُقرأ اليوم كـ"علامة فارقة في الوعي الجمعي العالمي". فالعالم، بحسب تعبيره، "لن يعود كما كان"، والشرق الأوسط تحديداً مقبل على مرحلة إعادة تشكّل واسعة تشمل التحالفات، أدوات الصراع، وآليات الأمن.

طوفان الأقصى لم يكن حدثاً عابراً، بل بوابة إلى مرحلة جديدة من التاريخ السياسي والأمني في المنطقة. هذه المرحلة محمّلة بدروس عن فشل الأنظمة الهشة، عن مركزية التكنولوجيا، وعن أن الأمن لم يعد محصوراً في السلاح وحده. العراق والمنطقة يقفان اليوم أمام سؤال وجودي: كيف يُعاد بناء التوازن وسط عالم يتغير بسرعة غير مسبوقة؟

المصدر: قسم الرصد والمتابعة في "بغداد اليوم"

أهم الاخبار

مفوضية الانتخابات توضح بشأن الأنباء عن استبعاد مصطفى سند

بغداد اليوم - مفوضية الانتخابات تنفي استبعاد النائب مصطفى سند من السباق الانتخابي

اليوم, 14:59