سياسة / ملفات خاصة اليوم, 14:00 | --

تفكك العقد الاجتماعي


أرقام مخيفة: 800 أُم هربت الى كردستان و4400 حضانة انتزعت بعد تطبيق "القانون الجعفري"- عاجل

بغداد اليوم - بغداد

منذ أول محاولة لتشريع قانون الأحوال الشخصية الجعفري عام 2014، لم يهدأ الجدل داخل العراق حول العلاقة بين القانون المدني الموحد للأحوال الشخصية، وبين النزعة المتصاعدة لتجزئة المرجعية القانونية وفق الانتماء المذهبي. وعلى الرغم من تجميد المشروع حينها بفعل ضغط سياسي وشعبي واسع، إلا أن القانون عاد للواجهة بصيغته المعدلة عام 2025، ليعيد النقاش القديم بحدة أكبر: هل يظل العراق دولة مدنية يستظل جميع مواطنيه بقانون واحد، أم يتجه نحو تكريس الطابع الديني-المذهبي في مؤسساته التشريعية؟

في قلب هذا الجدل، برزت أنباء خلال الأيام الأخيرة تتحدث عن "نزوح نساء مع أطفالهن من بعض المحافظات إلى إقليم كردستان خشية تطبيق القانون الجعفري"، وهو ما نفاه بشدة عضو مجلس النواب أمير المعموري، معتبراً أن مثل هذه الأخبار "عارية عن الصحة" ولا تستند إلى أي مصدر رسمي أو تقارير موثقة.

قال المعموري لـ"بغداد اليوم": "هذه الأخبار عارية تماماً عن الصحة، ولا تستند إلى أي مصدر رسمي أو بيانات موثقة من الجهات الحكومية أو المنظمات الإنسانية، وتداول مثل هذه الشائعات يهدف إلى إثارة الرأي العام وزعزعة الثقة بين المواطنين والمؤسسات التشريعية".

وأضاف: "على وسائل الإعلام ورواد مواقع التواصل الاجتماعي تحري الدقة والمسؤولية في نقل الأخبار، وعدم الانجرار وراء الصفحات المجهولة التي تروج لمعلومات مضللة، والجهات المختصة ستتخذ الإجراءات القانونية بحق مروجي هذه الأكاذيب".

وختم بالقول: "نحن ملتزمون أمام شعبنا بالشفافية والعدالة، ولن نسمح باستغلال القوانين لتخويف المواطنين أو إرباك الأمن المجتمعي من قبل أي جهة أو شخص".

الخلاف حول القانون الجعفري ليس جديداً. فمنذ طرحه لأول مرة عام 2014، ارتفعت أصوات معارضة اعتبرته خطوة لتكريس المذهبية داخل البنية التشريعية، بما يهدد وحدة القانون العراقي الذي تأسس بعد 1959 بوصفه أحد أكثر قوانين الأحوال الشخصية مدنيةً وتقدماً في المنطقة.

القانون الجديد، الذي دخل حيّز التنفيذ في شباط 2025، أتاح مساراً اختيارياً للاحتكام إلى الفقه الجعفري في الزواج والطلاق والإرث والحضانة. لكن خطورته تكمن في بندٍ يتيح لأحد الوالدين تحويل العقد من مدني إلى جعفري بإرادة منفردة، وهو ما يفتح الباب أمام نزاعات معقّدة، خصوصاً في قضايا الحضانة. تقارير حقوقية حذّرت من أن هذه الفقرة قد تُستخدم لإقصاء الأمهات من حق حضانة أطفالهن بعد سن معينة، بما يمثّل تراجعاً خطيراً عن مكتسبات كرّسها القانون المدني لسنوات.

إلى جانب النفي الرسمي، تداول الصحفي حسام الحاج أرقاماً لافتة في تقاريره، قال إنها تعكس أثر القانون خلال الأربعين يوماً الأولى من تطبيقه:

-آلاف الأزواج (ذكور فقط) تقدّموا بطلبات لتحويل عقود الزواج أو الطلاق من مدني إلى جعفري.
-نحو 4400 حالة حضانة انتُزعت من الأمهات نتيجة التحويل.
-قرابة 800 أم نزحن إلى إقليم كردستان للحفاظ على أطفالهن والهرب من تطبيق القانون.

هذه الأرقام، وإن بدت صادمة، لم تصدر عن أي جهة حكومية أو مؤسسة قضائية، ما يجعلها غير رسمية وتحتاج إلى تحقق مستقل. لكن مجرد تداولها على نطاق واسع يكشف حجم الخوف المجتمعي من القانون الجديد، ويبرز الفجوة بين الواقع القضائي والمؤسساتي من جهة، والرأي العام من جهة أخرى.

القانون المدني العراقي للأحوال الشخصية (رقم 188 لسنة 1959) كان يشكّل قاعدة موحدة لجميع العراقيين، بصرف النظر عن مذهبهم، واضعاً إطاراً قانونياً يوازن بين الموروث الفقهي ومتطلبات الدولة الحديثة. على عكس ذلك، فإن القانون الجعفري يُعيد تنظيم الأحوال الشخصية على أسس مذهبية صريحة، مانحاً الأولوية للنصوص الفقهية التقليدية.

تذهب تحليلات قانونية إلى أن إدخال هذا المسار المذهبي يضع العراق على سكة "التشظي القانوني"، بحيث تتعدد المرجعيات القضائية وتختلف الحقوق والواجبات باختلاف الانتماء المذهبي، ما يضرب جوهر الدولة المدنية التي تسعى إلى توحيد مواطنيها تحت مظلة قانون واحد.

أبعد من الجدل الفقهي، يُنظر إلى تمرير القانون على أنه مؤشر على تحول سياسي، حيث يسعى بعض الأطراف إلى إعادة صياغة هوية العراق بما يجعله أقرب إلى الدولة الدينية منه إلى الدولة المدنية. وبحسب قراءات نقدية في الفقه الدستوري، فإن تكريس قوانين مذهبية موازية يفتح الباب أمام إعادة إنتاج "نظام الطوائف"، على حساب المواطنة الجامعة.

التجارب التاريخية في المنطقة تُظهر أن الدول التي انزلقت نحو تشريعات مذهبية موازية فقدت تدريجياً القدرة على الحفاظ على حياد الدولة، ليتحوّل القانون من أداة تنظيم مدني إلى أداة صراع سياسي واجتماعي.

بين نفي المعموري لوجود أي نزوح بسبب "الجعفري"، وبين إحصاءات حسام الحاج التي تتحدث عن آلاف حالات الحضانة ومئات الأمهات النازحات، يقف العراق أمام مأزق مزدوج: غياب الشفافية المؤسسية من جهة، وتضخيم الخوف في الخطاب العام من جهة أخرى.

الجوهر لا يتعلق بحالات فردية بقدر ما يرتبط بالسؤال الأكبر: هل يمهّد القانون الجعفري لتحويل العراق تدريجياً من دولة مدنية محكومة بقانون واحد إلى دولة دينية تتوزع قوانينها بتوزع المذاهب؟ الإجابة لن تأتي من الشائعات أو الأرقام غير الموثقة، بل من قدرة المؤسسات على نشر بيانات دقيقة، وضبط التطبيق بما يحفظ الحقوق الدستورية، ويمنع استغلال القانون في تقسيم المجتمع أو تسييس العدالة.

المصدر: قسم الرصد والمتابعة في "بغداد اليوم"

أهم الاخبار

القيسي: صور المرشحين لن تجذب الناخبين ما لم يلمسوا عملهم الحقيقي

بغداد اليوم – بغداد أكد النائب محمود حسين القيسي، اليوم الاثنين (6 تشرين الأول 2025)، أن صور المرشحين ولافتاتهم الدعائية لن تُقنع الناخبين إذا لم يكن وراءها عمل حقيقي طوال سنوات وجودهم في السلطة. وقال القيسي في منشور على منصة "إكس" تابعته

اليوم, 15:28