سياسة / ملفات خاصة اليوم, 16:00 | --

مرحلة جديدة


تحالفات عسكرية وتوازنات متغيرة.. أين يقف العراق من خريطة الشرق الأوسط الجديدة؟- عاجل

بغداد اليوم – بغداد

يقف الشرق الأوسط في لحظة تحولات عميقة، عنوانها الأبرز إعادة تشكيل منظومة التحالفات العسكرية والسياسية بعيداً عن الأطر التقليدية التي حكمت المنطقة لعقود. فالتراجع التدريجي للدور الأمريكي، وصعود أدوار إقليمية أكثر استقلالية، دفع دولاً مثل السعودية وباكستان إلى توقيع اتفاقيات دفاعية استراتيجية، فيما تنخرط أطراف أخرى في صراعات مفتوحة أو مسارات تطبيع متوازية. هذه البيئة المعقدة لا يمكن قراءتها بمعزل عن تحديات الأمن الطاقي العالمي، وانعكاسات الحروب بالوكالة، ومشاريع إعادة التموضع الجيوسياسي.

وفي هذا السياق، يوضح المختص في الشؤون الدولية محمد صلاح تركي لـ"بغداد اليوم"، أن "الاتفاقية التي تنص على أن أي اعتداء على أي من البلدين يعد اعتداء على كليهما، تمثل نقلة نوعية في مسار العلاقات الثنائية بين الرياض وإسلام آباد، فهي لا تجسد فقط عمق الروابط التاريخية بين البلدين، بل تؤكد أيضاً إدراكهما لحجم التحديات الأمنية المتنامية في المنطقة والعالم". وفق مقاربات سياسية حديثة، فإن هذه الخطوة لا يمكن قراءتها فقط كترتيب ثنائي، بل كجزء من سباق إقليمي لإقامة شبكات ردع مستقلة عن المظلة الأمريكية التقليدية، مع ما يحمله ذلك من أثر على توازن القوى في الخليج وجنوب آسيا.

ويضيف تركي أن "هذه الخطوة تأتي في إطار سعي البلدين لتعزيز أمنهما القومي وتوسيع مجالات التعاون الدفاعي المشترك، بما يشمل تطوير القدرات العسكرية، وتبادل الخبرات، وبناء منظومة ردع استراتيجية قادرة على مواجهة أي تهديدات محتملة، كما أن الاتفاقية ترسل رسالة واضحة بأن أمن البلدين مترابط بشكل وثيق، وأن حماية استقرار المنطقة تتطلب بناء تحالفات قوية وفاعلة". تُظهر التجارب المقارنة أن مثل هذه الترتيبات الدفاعية غالباً ما تحمل أبعاداً تتجاوز الأمن المباشر، إذ تُستخدم كورقة دبلوماسية في التفاوض مع القوى الكبرى، وتُعيد رسم خريطة النفوذ في مناطق النزاع.

ويتابع تركي أن "الاتفاقية تحمل أبعاد سياسية ودبلوماسية لا تقل أهمية عن بعدها العسكري، فهي تعكس توافق استراتيجي ورؤية مشتركة لمجابهة التحديات الإقليمية والدولية، وتسهم في تعزيز السلام والأمن على المستويين الإقليمي والدولي". بحسب قراءات قانونية، فإن هذا النوع من الاتفاقيات يشكل أيضاً مظلة شرعية لأي تعاون عسكري موسع، ويمهد لبناء محور أمني جديد يضع ثقل السعودية وباكستان في قلب توازنات الشرق الأوسط وجنوب آسيا.

وبالتوازي مع هذا الحراك، يرسم الخبير في الشؤون الاستراتيجية رياض الوحيلي صورة أوسع لتوازنات المنطقة، قائلاً لـ"بغداد اليوم"، إن "الشرق الأوسط يقف اليوم عند مفترق طرق استراتيجي، حيث تعيش المنطقة حالة إعادة تشكيل واسعة للتوازنات الإقليمية، في ظل تراجع الاعتماد على القوى الدولية التقليدية وصعود أدوار إقليمية مستقلة، والمشهد الراهن يتسم بثلاثة اتجاهات رئيسية". وفق تقديرات بحثية مستقلة، فإن هذه الاتجاهات لا تتعلق فقط بالتحولات الأمنية، بل تمتد إلى البنية الاقتصادية والدبلوماسية للدول، ما يجعلها مساراً متشابكاً متعدد الأبعاد.

ويبين الوحيلي أن "الاتجاه الأول هو تعزيز الدول الخليجية لقدراتها الدفاعية والاقتصادية بعيداً عن المظلة الأمنية الأمريكية الكاملة، والثاني يتمثل في تصاعد المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران بعدما كانت محصورة في ساحات الوكلاء، أما الاتجاه الثالث فهو التعايش المتوازي بين مسار تطبيع اقتصادي-أمني من جهة، ومسار صراع عسكري متصاعد من جهة أخرى". تُظهر البيانات الرقابية أن هذا التوصيف ينسجم مع واقع يشهد فيه الخليج صفقات تسليح قياسية، بينما تشهد الجبهات في سوريا ولبنان واليمن تصعيداً ميدانياً متكرراً.

أما عن موقع العراق وسط هذه التوازنات، فيشير الوحيلي إلى أن "العراق يقف في قلب هذه المعادلات، لكنه يواجه تحدياً مزدوجاً، فمن جهة يشكل ساحة ضغط متبادل بين الولايات المتحدة وإيران بحكم وجود فصائل مسلحة مرتبطة بالمحور الإيراني، ومن جهة ثانية يمتلك فرصة ليكون جسراً للتواصل والتجارة والدبلوماسية بين الخليج وتركيا وإيران إذا ما نجح في ضبط سلاح الفصائل وتوحيد قراره السيادي". يفسر خبراء في الشأن المؤسسي هذا التوصيف بأنه يلخص معركة العراق الحقيقية: معركة السيادة الداخلية، التي تشكل شرطاً لأي دور إقليمي مستقل.

ويضيف الوحيلي أن "أما بخصوص مستقبل المواجهة مع إسرائيل، فقد رسم ثلاثة سيناريوهات محتملة: تصعيد محدود متكرر يتمثل في تبادل ضربات بين إسرائيل وإيران أو وكلائها دون الوصول إلى حرب شاملة وهو السيناريو الأرجح، والثاني حرب إقليمية واسعة قد تنفجر نتيجة حادث استراتيجي كبير وتنتشر إلى ساحات متعددة مثل لبنان وسوريا والخليج، والثالث هو تجزئة المسار الإقليمي بحيث يستمر بعض العرب في مسار التطبيع مع إسرائيل لأسباب أمنية واقتصادية، في حين تبقى المواجهة محتدمة مع إيران عبر أذرعها الإقليمية". تشير دراسات بحثية إلى أن هذه السيناريوهات الثلاثة تعكس هشاشة التوازن الحالي، حيث لا استقرار طويل الأمد ولا حرب شاملة، بل مساحة رمادية من الصراعات المحدودة.

وحول انعكاسات ذلك على العراق، يوضح الوحيلي أن "بغداد معرضة لمخاطر جدية في حال استمرار استخدام أراضيها كساحة مواجهة أو منصة لإطلاق هجمات بالوكالة، ما قد يعرضها لعقوبات وضربات خارجية، وفي المقابل، يمكن للعراق أن يحقق مكاسب كبرى إذا لعب دور الوسيط النشط وركز على تعزيز دوره الاقتصادي عبر مشاريع الربط الإقليمي والممرات التجارية". وفق مقاربات سياسية حديثة، فإن هذا السيناريو الإيجابي يبقى رهناً بقدرة بغداد على كبح نفوذ السلاح غير الرسمي وصياغة قرار سيادي موحد.

ويختم الوحيلي بالقول إن "الشرق الأوسط يتجه نحو نظام متعدد المحاور، ليس فيه استقرار كامل ولا حرب شاملة، وإنما حالة من التوازنات الهشة والصراعات المحدودة، وبالنسبة للعراق، فإن معركته الأساسية هي معركة السيادة الداخلية وضبط السلاح، وإذا نجح في ذلك، فسيكون لاعباً مؤثراً ووسيطاً مقبولاً، أما إذا بقي أداة في صراعات الآخرين فسيدفع ثمناً باهظاً". الاستنتاج العام أن ما تغير في المنطقة هو طبيعة التحالفات وأدوات الردع، وما لم يتغير هو هشاشة التوازن واستمرار الصراع، فيما يبقى الأثر على العراق مرهوناً بمدى قدرته على التحول من ساحة إلى لاعب.

المصدر: قسم الرصد والمتابعة في "بغداد اليوم"

أهم الاخبار

السوداني يوافق على إطلاق العمل بالتوقيع الإلكتروني

بغداد اليوم- بغداد وافق رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، اليوم الخميس، (18 أيلول 2025)، على إطلاق العمل بالتوقيع الإلكتروني لمؤسسات الدولة والقطاع الخاص والمواطنين. وذكر بيان لمكتب رئيس مجلس الوزراء، تلقته "بغداد اليوم"، ان الموافقة جاءت

اليوم, 17:08