اقتصاد / ملفات خاصة أمس, 22:30 | --

فرصة نادرة


خفض الفائدة الأمريكية وانعكاسها على العراق.. اختبار جديد لجدية "استثمار" المتغيرات العالمية

بغداد اليوم – بغداد

في خطوة راقبها العالم بدقة، قرر مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، خفض أسعار الفائدة ربع نقطة مئوية لتستقر بين 3.75% و4%، في ثاني خفض من نوعه هذا العام. القرار الذي يهدف إلى دعم النمو الأميركي المتباطئ وإعادة تنشيط الإنفاق، أعاد فتح الأسئلة حول تداعياته على اقتصادات مرتبطة بالدولار، وفي مقدمتها العراق.

ورغم أن القرار صدر على بعد آلاف الكيلومترات من بغداد، فإن صداه المالي لا يمر مرور الكرام. فالدينار العراقي مرتبط بالدولار منذ عقدين تقريباً، والسياسة النقدية في بغداد تتحرك بحذرٍ في ظل كل تغيير يصدر عن واشنطن. لكن، كما يوضح الخبير في الشؤون الاقتصادية رشيد السعدي في حديثه لـ"بغداد اليوم"، فإن "التأثيرات المحتملة ستكون غير مباشرة ومحدودة على المدى القصير، لأن البنك المركزي العراقي يعتمد سياسة تهدف إلى استقرار سعر الصرف أكثر من تحريك أسعار الفائدة".

العراق يعيش في منطقة ظلّ السياسة النقدية الأمريكية: كل تحريك في سعر الفائدة هناك يترك أثره على المزاج المالي هنا، لكن بشكلٍ متأخر وبمساحة ضيقة.

يوضح السعدي أن خفض الفائدة "قد يؤدي إلى تراجع طفيف في عوائد الأصول الدولارية عالميًا، ما يدفع بعض المستثمرين إلى البحث عن أسواق ناشئة، وهو ما يمكن أن يعزز تدفقات مالية محدودة نحو المنطقة". لكن بغداد ليست مركز جذب لتلك الأموال بعد، بسبب بيئة استثمارية بطيئة وضعف الثقة التنظيمية.

في المقابل، يقول خبراء إن استقرار الدينار هو النقطة الأهم. فالبنك المركزي العراقي يربط سعر صرف العملة عند حدود 1300 دينار للدولار منذ أكثر من عامين، ولا يعتمد أسعار الفائدة أداةً رئيسية للسياسة النقدية كما تفعل البنوك المركزية الغربية. ولذلك، فإن القرار الأمريكي لن يغيّر جذرياً مسار السياسة النقدية العراقية، لكنه قد يفتح هامش حركة أوسع أمام التمويل الحكومي إذا انخفضت كلفة الاقتراض بالدولار عالمياً.

تأثير آخر يمر عبر بوابة النفط. إذ يرى السعدي أن “خفض الفائدة الأمريكية قد يدعم الطلب العالمي على الطاقة، إذا تحسن النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة، ما ينعكس إيجاباً على أسعار النفط”، مضيفاً أن ذلك “قد يُترجم إلى زيادة في الإيرادات العامة وتراجع في كلفة الاقتراض الخارجي، وهو ما يمكن أن يتيح فرص تمويل أرخص للمشروعات الحكومية مستقبلاً”.

ويشير محللون إلى أن هذا الرابط النفطي هو الأهم بالنسبة للعراق، لأن أكثر من 85% من الإيرادات العامة تأتي من مبيعات الخام. فإذا ارتفع السعر بفضل تحفيز الاقتصاد الأمريكي، فإن الموازنة العراقية تستفيد تلقائياً من تدفق مالي إضافي، حتى إن لم تتأثر أسعار الفائدة الداخلية مباشرة.

الخفض الأخير في الفائدة قد يمنح الأسواق الناشئة متنفساً بعد عامين من التشدد النقدي الأمريكي، إلا أن تحويل هذا التنفس إلى استثمار فعلي يحتاج إصلاحات محلية جادة.

يقول السعدي: "العراق بحاجة إلى استثمار مثل هذه التطورات في السياسة النقدية العالمية لتعزيز التنويع الاقتصادي وتحسين بيئة الاستثمار المحلي، مستفيداً من أي استقرار أو تحفيز في الاقتصاد الأمريكي الذي يظل مؤثراً على الأسواق العالمية".

بكلمات أخرى، تأثير القرار الأمريكي لن يصنع التغيير في العراق، لكنه يمكن أن يساعد من يستعد له. فتح أسواق استثمار جديدة، تسهيل الإجراءات المصرفية، وتوسيع قاعدة المشاريع غير النفطية كلها عوامل يمكن أن تجعل العراق مستفيداً لا متفرجاً.

يرى مراقبون أن ربط الدينار بالدولار كان لعقود عامل استقرارٍ سياسي واقتصادي في بلدٍ مضطرب. لكنه في الوقت نفسه، جعل السياسة النقدية العراقية تابعة أكثر منها مستقلة. فحين يرفع الفيدرالي الفائدة، يبقى العراق محايداً، وحين يخفضها، يبقى كذلك.

هذا الثبات يجنّب السوق العراقية تقلبات حادة، لكنه يحرمها في الوقت نفسه من أدوات مرنة لمواجهة التغيرات. فبينما تستفيد دول أخرى من خفض الفائدة لتحفيز الاستثمار، يظل العراق مقيّداً بقيود الصرف والتمويل الدولاري.

ومع ذلك، فإن هذا النظام ما زال الخيار الأقل خطراً، إذ يوفّر للدينار مظلة استقرار في بلدٍ يعتمد على النفط في تمويل أكثر من 90% من ميزانيته العامة، ويستورد أغلب حاجاته بالدولار. خفض الفائدة الأمريكية لا يعني أن العراق سيدخل مرحلة رخاء مالي فوري، لكنه يبعث إشارة إيجابية للأسواق العالمية قد تنعكس تدريجياً على الدول المرتبطة بالدولار.

الأثر الحقيقي سيظهر إذا ترافق القرار مع ارتفاع أسعار النفط أو تحسّن في السيولة العالمية، لكن البنية الاقتصادية العراقية ما زالت بحاجة إلى أكثر من قرار خارجي لتتغير، بحسب متخصصين بالشؤون الاقتصادية.

المصدر: قسم الرصد والمتابعة - بغداد اليوم

أهم الاخبار

أمر قبض بحق مدير هيئة استثمار الأنبار والمرشح عن حزب تقدم بشار العامج

بغداد اليوم – الأنبار أظهرت وثيقة متداولة صادرة عن مجلس القضاء الأعلى في محافظة الأنبار، حصلت عليها "بغداد اليوم"، اليوم الخميس (30 تشرين الأول 2025)، صدور أمر قبض بحق مدير هيئة استثمار الأنبار والمرشح عن حزب تقدم بشار العامج، وذلك على خلفية

أمس, 23:46