سياسة / أمن / ملفات خاصة اليوم, 11:12 | --

بماذا نصّ الدستور؟


بحلول 2026.. "القيادة العامة للقوات المسلحة" أم "العمليات المشتركة" بعد انسحاب الأمريكان؟

بغداد اليوم - بغداد

يضع الدستور العراقي لسنة 2005 إطارًا واضحًا لبنية الدولة العسكرية، حيث نصّ على أن رئيس مجلس الوزراء هو القائد العام للقوات المسلحة، وأن التسمية الرسمية للجيش هي القوات المسلحة العراقية، ما يعكس مبدأ وحدة القيادة وانسجامها المؤسسي. لكن هذا الإطار لم يكن جديدًا؛ فقد ورث العراق تقليدًا عسكريًا يعود إلى ما قبل 2003، حين كانت البنية الدفاعية قائمة على الفيالق العسكرية التي توزعت على المحافظات بوصفها وحدات عملياتية كبيرة تابعة مباشرة لوزارة الدفاع. هذه الهيكلية، رغم ما شابها من إشكاليات سياسية في العقود السابقة، كانت تعبّر عن وحدة القيادة وتماسك المؤسسة العسكرية تحت مسمى واحد.

غير أن مرحلة ما بعد 2003 حملت واقعًا مختلفًا، إذ فرضت التحديات الأمنية ـ من انتشار الجماعات المسلحة إلى تصاعد خطر القاعدة ـ إنشاء قيادة العمليات المشتركة عام 2007 كإطار استثنائي مؤقت. هذا الكيان ضم ممثلين عن وزارتي الدفاع والداخلية، مع مشاركة مباشرة من الجانب الأمريكي في مجال الدعم الجوي والاستخبارات. ومنذ ذلك الوقت، صار جزءًا من المشهد الأمني العراقي، وإن ظل بعيدًا عن الأصل الدستوري الذي يقتضي قيادة عامة موحدة باسم القوات المسلحة. ومع الحديث عن انسحاب أمريكي كامل بحلول عام 2026، تعود إلى الواجهة أسئلة جوهرية حول ما إذا كان العراق سيعود إلى الإطار الدستوري الأصلي أم سيواصل الاعتماد على قيادة العمليات المشتركة بصيغتها الحالية.

الخبير العسكري جواد الدهلكي أشار خلال حديثه لـ"بغداد اليوم"، إلى هذه الخصوصية بقوله إن "العمليات المشتركة ترتبط بعدة مؤسسات عسكرية ما بين الدفاع والداخلية ضمن تسمية (قيادة العمليات المشتركة) في العراق والتي تأسست سنة 2007 وترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة مباشرة وجاءت تسميتها بهذا الاسم كونها تضم قيادات من وزارة الداخلية والدفاع وكذلك الأمريكان لتقديم المشورة الاستخباراتية والدعم الجوي أيام تنظيم القاعدة وتتألف من تسعة فرق مشتركة موزعة على 9 محافظات."
تشير المداولات الدستورية إلى أن هذه البنية لم تكن لتظهر لولا الظروف الاستثنائية، ما يجعل الحديث عن حلها أو إعادة هيكلتها جزءًا من العودة إلى الإطار القانوني الأصلي.

فك الارتباط بين وزارتي الدفاع والداخلية في حال إلغاء قيادة العمليات يحتاج إلى مسار قانوني معقد. الدهلكي أوضح أن "في حالة فك الارتباط تحتاج إلى فك ارتباط وزارة الداخلية وإعادتها إلى وصفها القانوني ومن جانب آخر لابد من إعادة النظر بحل القيادات المشكلة بالمحافظات وتسميتها بالفيالق كما كانت في السابق وهذا يحتاج إلى آلية قانونية وقرار مدروس من البرلمان العراقي كمشروع قانون يقدم من قبل مجلس الوزراء يذهب بداية إلى مجلس شورى الدولة وإحالته للتصويت وحسب آلية القراءة والتصويت ضمن نظام البرلمان العراقي."
بحسب قراءات قانونية، هذا يوضح أن المسألة لا يمكن أن تحسم إداريًا، بل هي رهن بمسار تشريعي طويل ومعقّد قد يتأثر بالتجاذبات السياسية.

إحدى العقد الرئيسية تتعلق بالدعم الأمريكي. فقد أكد الدهلكي أن "لابد من توفر عامل دعم أمريكي ودعم لوجستي وتدريب وتقديم المشورة الاستخباراتية من الجانب الأمريكي بما ينسجم مع التهديدات الخارجية وخوفًا من إعادة مسلسل داعش من جديد وكل هذه العوامل أن لا تتعارض مع الاتفاقية الأمنية الجديدة لحين الانتهاء من خروجها نهاية أيلول عام 2026 المقبل في أقل تقدير."
تُظهر التجارب المقارنة أن الكيانات المشتركة مع الحلفاء تفقد مبررات وجودها مع انسحاب تلك القوات، وهو ما يجعل مستقبل العمليات المشتركة مرتبطًا مباشرة بالانسحاب الأمريكي المعلن من بغداد وتمركزه في كردستان، وبالأنباء عن خروج واشنطن من هذه القيادة.

الجدل لا ينحصر في الإطار القانوني أو الخارجي، بل يمتد إلى ملف الحشد الشعبي والفصائل. الدهلكي بيّن أن "هناك تحديات تقف عائقًا لها هو مصير الحشد الشعبي والفصائل حالت دون إعادة تسمية القيادة العامة للقوات المسلحة ماذا سيكون تسميتها ضمن أي إطار بالهيكلية الجديد التي ترفض أي مسمى آخر لأن هيكلتها تمنع التعدد أو التنوع خارج نطاق قيادات وزارة الدفاع."
ترى دراسات بحثية أن هذه العقبة تكشف صعوبة دمج الفصائل في هيكل موحد للقوات المسلحة، ما يضع أي محاولة لإعادة التنظيم أمام تحدي الموازنة بين النص الدستوري والواقع السياسي.

الخيارات المطروحة لا تقف عند حدود الحل، بل تتعلق أيضًا بإعادة تعريف صلاحيات الوزارات. فقد أوضح الدهلكي أن "بذلك يسهل فك وزارة الداخلية من الملف الأمني والمحافظات وتحويلها إلى هيكلية الوكالات والمديريات كما تحتاج إلى فك قيادة قوات الشرطة الاتحادية إلى وزارة الدفاع."
يفسّر خبراء في الشأن المؤسسي هذا الطرح بأنه محاولة لترسيخ مبدأ الفصل الوظيفي: الداخلية كوزارة شرطية مدنية، والدفاع كوزارة عسكرية قتالية. غير أن نجاح هذا النموذج مرهون بمدى قدرة البرلمان على تمرير التشريعات اللازمة بعيدًا عن ضغوط التوافقات الحزبية.

في ختام مداخلته، أشار الدهلكي إلى أن "تعد هذه الخطوة مهمة في سبيل تعزيز القوات المسلحة ورفع قدراتها العسكرية وتوحيد الجهود المبذولة وإعلان استقلالية القرار وإنهاء دور وزارة الداخلية من ملف المحافظات وكذلك إنهاء حالة السلاح المنفلت والسيطرة الكاملة على الأراضي العراقية وتأمين الحدود المشتركة مع الدول المجاورة للعراق وكذلك إعادة تنظيم قطاعاتها وصنوفها لتحقيق أهداف في بناء عقيدتها العسكرية والقضاء على الأهداف التي تهدد أمن وسلامة الأراضي والمياه والأجواء من أي تدخل خارجي أو داخلي."
تقديرات بحثية مستقلة ترى أن هذه الأهداف تمثل جوهر أي إصلاح أمني في العراق، غير أن بلوغها يتوقف على مدى تماسك القرار السياسي والقدرة على تحويل النصوص الدستورية إلى واقع مؤسسي.

النقاش حول مصير قيادة العمليات المشتركة يعكس فجوة بين الأصل الدستوري والواقع الأمني. فالدستور يتحدث عن القوات المسلحة وقيادة عامة موحدة، لكن الأحداث فرضت قيادة مشتركة مؤقتة منذ 2007. الجديد أن الانسحاب الأمريكي جعل مسألة الحل أو إعادة الهيكلة مطروحة بجدية، بينما الثابت أن غياب التوافق السياسي يعطل أي مسار إصلاحي. أما الأثر المتوقع فهو بقاء الملف مفتوحًا: إما التوجه نحو إعادة بناء قيادة عامة موحدة تعيد الاعتبار للدستور، أو استمرار التعطيل بما يطيل أمد الفوضى التنظيمية ويضعف قدرة الدولة على مواجهة التحديات الأمنية.

المصدر: قسم الرصد والمتابعة في "بغداد اليوم"

أهم الاخبار

شخص يقتل والده وعمه بعد الخلاف معهما على مبلغ مالي في بابل

بغداد اليوم - بابل أفاد مصدر أمني، اليوم الأربعاء (17 أيلول 2025)، بقيام شخص بقتل والده وعمه بعد الخلاف معهما على مبلغ مالي في محافظة بابل. وقال المصدر لـ"بغداد اليوم"، إن "شخصا قام بقتل والده وعمه بعد قيامة بإطلاق النار، حيث فارق كلاهما

اليوم, 12:47