بغداد اليوم – بغداد
الوجود العسكري الأمريكي في العراق تحوّل إلى عقدة أساسية في الحسابات الكردية، بعدما ارتبط بميزان الأمن والسياسة داخل إقليم كردستان. الباحث في الشأن السياسي آرام مجيد قال في حديث لـ"بغداد اليوم" إن "هناك مخاوف كردية وخاصة من أربيل بخصوص الانسحاب الأمريكي من العراق، وتأثيراته على إقليم كردستان، وخاصة من إيران والأطراف القريبة منها". هذه الإشارة تسلّط الضوء على قناعة راسخة لدى قيادات الإقليم بأن غياب القوات الأمريكية لن يعني فقط فراغاً أمنياً، بل سيفتح الباب أمام ضغوط إيرانية أوسع، وهو ما يضع أربيل أمام تحديات استراتيجية معقّدة، بحسب محللين.
مجيد أضاف أن "هناك اعتقاداً كردياً بأن إيران ما تزال غاضبة من الإقليم، وأن الاتهامات الإيرانية للإقليم بخصوص التعاون مع أمريكا وإسرائيل لم تتراجع، وما تزال موجودة، وبالتالي الخوف من استغلال إيران لقضية الانسحاب الأمريكي واستهداف الإقليم". هذا التوصيف يعيد إلى الأذهان سلسلة الاتهامات الإيرانية المتكررة خلال السنوات الماضية، التي تراوحت بين اتهام أربيل بدعم جماعات معارضة، وفتح أراضيها أمام نشاطات أمريكية وإسرائيلية، وصولاً إلى هجمات صاروخية استهدفت مواقع داخل الإقليم. مراقبون يربطون هذه الاتهامات بقراءة إيرانية تعتبر الإقليم خاصرة رخوة للنفوذ الغربي، ما يجعل أي انسحاب أمريكي فرصة لتعزيز الضغط عليه.
وأشار مجيد إلى أن "القيادات الكردية تدرك بأن بقاء القوات الأمريكية في العراق، وتحديداً في أربيل يمثل مكان آمن للإقليم". هذا الموقف يتجاوز الحسابات الأمنية المباشرة، إذ ينظر إليه كضمانة سياسية ودبلوماسية توازن النفوذ الإيراني والتركي، وتوفر حماية للإقليم من تكرار سيناريوهات الانهيار الأمني. محللون يشيرون إلى أن تجربة عام 2011، حين انسحبت القوات الأمريكية بشكل كامل وفتحت الباب أمام صعود داعش لاحقاً، لا تزال حاضرة بقوة في ذاكرة القيادات الكردية.
وفي السياق ذاته، جاء تحذير رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني أكثر وضوحاً، إذ قال في مقابلة مع قناة فرانس 24: "بلا شك، فإن انسحاب القوات الأمريكية والتحالف الدولي ضد داعش سيعيدنا إلى سيناريو عام 2012، وسيعود داعش مجدداً إلى الواجهة". هذا التصريح يربط بين لحظة الانسحاب وتجربة واقعية عاشها العراق والإقليم حين تمدد داعش بعد فراغ أمني وسياسي، وبلغت تهديداته أبواب أربيل نفسها. تصريح بارزاني يعكس قناعة راسخة بأن القوات الأمريكية ليست مجرد قوة قتالية، بل مظلة وقائية حالت دون انهيار الوضع الأمني في أكثر من مرحلة، كما يؤكد محللون.
من خلال تتبع تصريحات آرام مجيد وتحذيرات مسعود بارزاني، يتضح أن الموقف الكردي تجاه الانسحاب الأمريكي لا ينفصل عن تراكم خبرات تاريخية وتجارب ميدانية مريرة. المخاوف التي أشار إليها مجيد بشأن استغلال إيران للفراغ الأمني تتكامل مع تحذير بارزاني من عودة داعش، لتشكل معاً رؤية استراتيجية ترى في بقاء القوات الأمريكية ركناً أساسياً لحماية الإقليم. الخلفيات السياسية المرتبطة بملف الاتهامات الإيرانية، والتجارب السابقة مع انسحاب القوات الأجنبية، تجعل هذه المواقف أكثر من مجرد مخاوف ظرفية، بل مقاربة طويلة المدى تسعى لتأمين كردستان ضمن معادلة إقليمية متشابكة.
وعليه، فإن النقاش حول الانسحاب الأمريكي من العراق يكتسب في أربيل بعداً استراتيجياً يتجاوز حدود العلاقة مع بغداد، ليرتبط مباشرة بمسار الأمن الإقليمي. وجود القوات الأمريكية بالنسبة للقيادات الكردية ليس تفصيلاً عابراً، بل صمام أمان يوازن بين القوى المتنافسة ويمنع تكرار الكوارث الأمنية. هذا الإدراك، كما يرى محللون، يعكس أن مستقبل الإقليم مرتبط بشكل وثيق بمصير التحالف الدولي، وأن أي تغيير في هذا الوجود سيعيد ترتيب المشهد بأكمله على أسس أكثر هشاشة وتعقيداً.
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات
بغداد اليوم – بغداد لم يأتِ الإعلان العراقي عن تحرير الباحثة الروسية-الإسرائيلية والطالبة في جامعة برينستون إليزابيث تسوركوف من قبضة كتائب حزب الله بمعزل عن سياق ضاغط، بل حمل في طياته إشارات واضحة إلى أن معادلة القوة بين الدولة والفصائل المسلحة بدأت تشهد