سياسة / ملفات خاصة أمس, 22:30 | --

الأعلى بتاريخ العراق


الإنفاق الانتخابي: أموال تكفي لبناء 110 آلاف وحدة سكنية و1800 مدرسة و92 مستشفى جديد

بغداد اليوم - بغداد

تشير تقديرات اقتصادية إلى أن العراق يشهد واحدة من أكثر الحملات الانتخابية كلفة في تاريخه الحديث، إذ تجاوز الإنفاق الدعائي السقوف القانونية بمئات المرات، في ظل غياب آليات رقابية فعالة. فبينما يحدد قانون الانتخابات سقف الإنفاق الدعائي بـ 250 ديناراً عن كل ناخب، تُظهر التقديرات الميدانية أن الإنفاق الفعلي يتراوح بين 3 إلى 4 تريليونات دينار على أقل تقدير، وفقاً لما ذكره الخبير الاقتصادي منار العبيدي، وربما يتجاوز ذلك بكثير نتيجة غياب البيانات الدقيقة أو التقارير المالية الرسمية.

خارج السيطرة

يقول العبيدي إن “المشهد المالي للحملات الانتخابية خارج السيطرة، فالأموال تُصرف بلا شفافية واضحة ولا رقابة فعلية من الجهات المسؤولة”. ويشير إلى أن الجهات المعنية، وهي المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، ومكتب مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في البنك المركزي، وهيئة النزاهة، وديوان الرقابة المالية، وهيئة الإعلام والاتصالات، تعمل دون تنسيق فعلي أو قاعدة بيانات موحدة تُمكّن من تتبع مصادر التمويل وأوجه الإنفاق.

وبحسب القانون رقم (9) لسنة 2020، فإن المفوضية ملزمة بتدقيق موارد المرشحين المالية، فيما يتولى مكتب مكافحة غسل الأموال تحليل التحويلات المشبوهة استناداً إلى القانون رقم (39) لسنة 2015. ومع ذلك، لم تُنشر أي بيانات توضح حجم الأموال المتداولة في الحملات الانتخابية أو الجهات الممولة لها، ما يجعل هذا الملف من أكثر الملفات غموضاً في المنطقة.

سقف قانوني محدود

رغم تحديد السقف القانوني بـ 250 ديناراً للناخب الواحد، فإن الواقع كشف فجوة كبيرة بين النص والتطبيق. فالتقارير الميدانية تُظهر أن متوسط الإنفاق الدعائي للمرشح الواحد بلغ 1.4 مليار دينار، فيما وصلت كلفة بعض الحملات إلى 5 مليارات دينار.

وبناءً على عدد المرشحين البالغ 7,926 مرشحاً، يبلغ إجمالي الإنفاق الانتخابي نحو 11 تريليون دينار (8.4 مليارات دولار) وفق سعر صرف 1,320 ديناراً للدولار.
بهذه الأرقام، أصبحت الانتخابات واحدة من أكبر الأنشطة الاقتصادية في البلاد، متقدمة على قطاعات خدمية رئيسية مثل الإسكان والصحة والتربية، في مؤشر على تضخم المال السياسي وتحوله إلى اقتصاد موازٍ للمال العام.

أموال توازي ميزانيات 

تُظهر المقارنات الاقتصادية أن المبالغ المنفقة على الدعاية الانتخابية يمكن أن تموّل مشاريع تنموية هائلة، من بينها:

-110 آلاف وحدة سكنية اقتصادية، بمتوسط كلفة 100 مليون دينار للوحدة.

-1,860 مدرسة ابتدائية قياسية، بمتوسط كلفة 6 مليارات دينار للمدرسة.

-92 مستشفى متوسط السعة (150 سريراً)، بكلفة 120 مليار دينار للمستشفى.

-8,400 كيلومتر من الطرق الحضرية، بمتوسط 1.3 مليار دينار للكيلومتر الواحد.

هذه الأرقام تُبرز المفارقة بين الإنفاق السياسي المفرط وبين ضعف الاستثمار في القطاعات الخدمية، حيث تُهدر مبالغ تكفي لإعادة بناء أجزاء واسعة من البنية التحتية العراقية.

استغلاله للنفوذ السياسي

يرى مختصون في الاقتصاد السياسي أن حجم الإنفاق في الحملات لم يعد يعبّر عن منافسة انتخابية، بل عن سباق نفوذ داخل مؤسسات الدولة. فالمليارات التي تُنفق على الدعاية تُستعاد لاحقاً عبر المناصب والعقود الحكومية، ما يجعل العملية الانتخابية بدايةً لدورة مالية مغلقة تبدأ بالتمويل وتنتهي بالفساد الإداري.

ويشير محللون إلى أن ضعف الشفافية داخل البرلمان، وارتباط عدد من النواب بشبكات تمويل حزبية، يمنع قيام رقابة حقيقية على الإنفاق العام، ويجعل النظام السياسي أسير التحالفات المالية أكثر من الإرادة الشعبية.

أضرار بيئية 

أكد مرصد العراق الأخضر أن الحملات الانتخابية تسببت بأضرار واسعة في 15 محافظة، حيث تضررت نحو 250 ألف شجرة بسبب تثبيت اللافتات الانتخابية عليها باستخدام المسامير والمواد الإسمنتية.

وأوضح المرصد أن الأضرار امتدت إلى الجزرات الوسطية وأنظمة الري والنافورات التي اختفت تحت كثافة الصور والشعارات، مشيراً إلى أن “ما يحدث يعكس غياب ثقافة الالتزام بالقانون حتى قبل الوصول إلى صناديق الاقتراع”.
ويرى مختصون أن هذا السلوك يعكس انعدام الانضباط في إدارة الحملات، وأن الفوضى التنظيمية للدعاية هي الوجه البيئي لفوضى التمويل الانتخابي.

مقارنة بسيطة

في أنظمة ديمقراطية مثل المملكة المتحدة وفرنسا، يُلزم القانون المرشحين بتقديم كشوف مالية دقيقة تخضع لتدقيق قضائي مستقل. في المقابل، لا يمتلك العراق حتى الآن نظام إفصاح مالي فعّال، ما جعله من أعلى الدول إنفاقاً وأضعفها رقابة في المنطقة. ويؤكد خبراء أن غياب المساءلة المالية لا يضعف فقط نزاهة الانتخابات، بل يقوّض ثقة المواطنين بالمؤسسات العامة.

تعكس ظاهرة الإنفاق الانتخابي المفرط صورة النظام السياسي العراقي بعد عقدين من التعددية الشكلية. فالقوانين موجودة، لكن تطبيقها ضعيف، والمؤسسات الرقابية كثيرة لكنها بلا تنسيق أو سلطة تنفيذية حقيقية.

وبينما تتزايد الكلف الدعائية لتبلغ مستويات غير مسبوقة في تاريخ العراق الحديث، تبقى الحاجة ملحّة لتشريع يفرض الإفصاح المالي الكامل، ويمنح الجهات الرقابية أدوات إلزامية للمحاسبة، بحسب قراءات متقاطعة.

المصدر: قسم الرصد والمتابعة - بغداد اليوم

أهم الاخبار

شركة محاماة أمريكية تحذر من "تدخل سياسي" في القضاء العراقي لتسوية "ملفات فساد"- عاجل

بغداد اليوم – متابعة حذرت شركة المحاماة الدولية Amsterdam & Partners LLP، اليوم الثلاثاء (28 تشرين الأول 2025)، من محاولات تدخل سياسي في العملية القضائية العراقية، تتعلق بملف تسوية مالية غير قانونية داخل مصرف التجارة العراقي (TBI)، لصالح ثلاثة مدانين

اليوم, 00:30