سياسة / ملفات خاصة اليوم, 21:30 | --

الولاء للكتلة السياسية


البرلماني العراقي.. من ممثل للشعب إلى شريك في شبكة النفوذ والثراء بحكم "الحصانة"

بغداد اليوم - بغداد

لم يعد المقعد النيابي في العراق عنواناً للتمثيل الشعبي بقدر ما أصبح بوابةً للنفوذ والثراء. فداخل القبة التي وُلدت لتراقب السلطة، تشكّلت سلطة موازية تمتلك من الامتيازات ما يفوق قدرة الدولة على محاسبتها. ومع كل دورة انتخابية، يتضخم حضور النواب في المشهد العام، فيما تتلاشى الحدود بين المال والسياسة، وتتحول العضوية البرلمانية إلى امتياز اقتصادي أكثر منها مسؤولية تشريعية.

الباحث لقمان حسين أكد في حديث لـ"بغداد اليوم" أن "المرشحين في الانتخابات المقبلة يكررون الوجوه والخطابات ذاتها من دون برامج واضحة أو خطط عملية"، موضحاً أن "ضعف الوعي البرامجي للحملات الانتخابية يعكس هشاشة التجربة البرلمانية، التي فقدت بريقها الشعبي منذ الدورات الأولى".

ويُرجع متخصصون في النظم البرلمانية هذه الظاهرة إلى طريقة إنتاج النائب نفسه، حيث تُصاغ القوائم الانتخابية داخل غرف مغلقة وبناءً على الولاء الحزبي والتمويل الانتخابي، لا الكفاءة أو الخبرة. ويقول أحد الباحثين إن “البرلمان في العراق يعيد إنتاج مراكز القوة نفسها التي تتحكم في توزيع المناصب داخل الدولة، ما جعله امتداداً للنفوذ لا للتمثيل”.

وفق دراسات بحثية صدرت عن مراكز عراقية، فإن أكثر من نصف أعضاء مجلس النواب يفتقرون إلى خلفيات سياسية أو قانونية، وبعضهم يدخل المجلس للمرة الأولى دون تجربة حزبية سابقة. ويشير الخبراء إلى أن هذا التكوين غير المتجانس جعل البرلمان أقرب إلى “تجمّع شخصيات اجتماعية” منه إلى مؤسسة تشريعية منتجة.

ومع أن النظام البرلماني يفترض أن يكون أداة للمساءلة، إلا أن الواقع السياسي في العراق أفرغ هذا الدور من مضمونه. فالأحزاب، بحسب محللين في علم السياسة، لم تعد تعمل كمصفاة للكفاءة، بل كقنوات ولاء. المواقع الانتخابية توزّع داخل الكتل وفق معايير القرب السياسي أو المصلحة المالية، ما جعل مقاعد البرلمان أشبه بحصص تفاوضية تُباع وتُشترى.

ويضيف باحثون في الحوكمة أن هذه الآلية أضعفت الوظيفة التشريعية لصالح نفوذ رؤساء الكتل. فالقرار لا يصدر من قاعة البرلمان بل من المكاتب السياسية التي تدير التحالفات الكبرى، ما جعل النائب، في كثير من الأحيان، اسماً على الورق، وصوتاً بقرار مفروض.

أما على الصعيد المالي، فتشير تقارير ديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة إلى تضخم لافت في الذمم المالية لعدد من النواب خلال دورة واحدة فقط، من دون وجود تبريرات قانونية أو تفعيل حقيقي لقانون “من أين لك هذا”. ويعتبر خبراء مكافحة الفساد أن هذا الواقع ساهم في تحويل الموقع النيابي إلى منصة للثراء السريع لا أداة رقابة على المال العام.

تحليلياً، يربط مختصون في علم الاجتماع السياسي بين هذا السلوك النيابي وبين ثقافة “الخدمة الفردية”، حيث يُقاس أداء النائب بعدد التعيينات والمعاملات التي ينهيها لناخبيه، لا بعدد القوانين التي يقدّمها. وبهذا تتحول القبة التشريعية إلى مكتب خدمات محلي، وتغيب عنها الرؤية الوطنية طويلة الأمد.

ويرى باحثون أن النظام الحالي يعيد تدوير الوجوه نفسها، فحتى النواب الذين وُجّهت لهم انتقادات حادة بسبب الغياب أو الفساد، يعودون مجدداً إلى المجلس بفضل طبيعة النظام الانتخابي المغلق وغياب أدوات المحاسبة الشعبية.

وفي نهاية المطاف، تتقاطع آراء المختصين عند نتيجة واحدة: أن الأزمة ليست في الأشخاص فقط، بل في بنية التمثيل السياسي ذاته. فحين يصبح النائب تابعاً لزعيم الكتلة، والبرلمان انعكاساً لمراكز النفوذ، تتحول الديمقراطية التمثيلية في العراق إلى واجهة شكلية، تُدار قراراتها من خارجها، ويغدو صوت الناخب مجرد صدى في قاعة فارغة.

المصدر: قسم الرصد والمتابعة - بغداد اليوم

أهم الاخبار

المالكي: الانتخابات المقبلة هي التحدي الأكبر وستكون "الفاصلة"

بغداد اليوم- بغداد أكد رئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، اليوم الأربعاء، (29 تشرين الأول 2025)، أن الانتخابات البرلمانية المقبلة هي التحدي الأكبر وتختلف عن سابقاتها بأنها ستكون الفاصلة. وقال المالكي، في تصريحات له، تابعتها "بغداد اليوم"،

اليوم, 23:12