بغداد اليوم – بغداد
في 8 آب 1988 أعلن العراق وإيران قبولهما بوقف إطلاق النار وفق قرار مجلس الأمن رقم 598، بعد حرب امتدت نحو ثمانية أعوام بين عامي 1980 و1988، حصدت ما يقارب 200–300 ألف قتيل في الجانب الإيراني، و100–200 ألف في الجانب العراقي، إضافة إلى عشرات الآلاف من المدنيين في كلا البلدين، خصوصًا خلال ما عُرف بـ"حرب المدن" التي شهدت تبادل القصف الصاروخي على المراكز السكانية. وفي 20 آب من العام نفسه، دخل القرار حيّز التنفيذ لينهي أكبر مواجهة عسكرية تقليدية في الشرق الأوسط خلال القرن العشرين، وهي حرب غيّرت البنية الديموغرافية للعراق وإيران، وأثقلت اقتصادهما بخسائر مباشرة وغير مباشرة قدّرت للعراق بين 200 و400 مليار دولار، ولإيران بين 300 و600 مليار دولار، فضلًا عن ديون عراقية ضخمة لدول الخليج بعشرات المليارات.
خلال الحرب تعرضت مناطق واسعة على الجبهة الإيرانية، ولا سيما خوزستان، لاستخدام مكثف للأسلحة الكيميائية، ما أدى إلى إصابة مئات الآلاف بدرجات متفاوتة من الإعاقة والأمراض المزمنة، بينما شهد شمال العراق مجزرة حلبجة عام 1988 التي راح ضحيتها ما بين 3 و5 آلاف مدني في يوم واحد. كما خلفت الحرب عشرات الآلاف من الأسرى والمفقودين، واستمرت عمليات تبادل الأسرى والكشف عن المفقودين لسنوات بعد وقف إطلاق النار.
الحرب تسببت في نزوح مئات الآلاف وربما الملايين من سكان مناطق الجبهات، وأدت إلى تحولات بنيوية في سوق العمل والتركيبة العمرية بفعل استنزاف الفئات الشابة وارتفاع معدلات الإعاقة. كما تركت آثارًا نفسية طويلة الأمد من صدمات جماعية، وذكريات حرب المدن، وارتفاع الحاجة لخدمات التأهيل النفسي. وعلى مستوى البيئة، تلوثت التربة والهواء والمياه في مناطق الاشتباك والصناعات النفطية، وظلت ذخائر غير منفجرة تشكل تهديدًا للسكان، بينما تعرضت منشآت النفط والمرافئ وحقول الإنتاج والأنابيب لضربات واسعة استدعت لاحقًا برامج ترميم مكلفة.
إقليميًا، امتد النزاع إلى الممرات المائية في الخليج بين 1984 و1988 فيما عُرف بـ"حرب الناقلات"، إذ استُهدفت مئات السفن التجارية وناقلات النفط بالصواريخ والألغام البحرية من كلا الطرفين، في مسعى لحرمان الخصم من العائدات النفطية أو الضغط على داعميه. هذا التصعيد رفع تكاليف التأمين البحري إلى مستويات غير مسبوقة، ودفع قوى دولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، إلى التدخل لحماية القوافل البحرية، وإعادة تسجيل العديد من الناقلات تحت أعلام دول أخرى.
أحد أبرز نتائج الحرب كان عسكرة الخليج وتكريس الوجود العسكري الدولي فيه، ما رسخ أمن الطاقة كقضية عالمية تتجاوز حدود الدول المنتجة. وفي أعقابها دخل العراق في أزمة مالية وسياسية خانقة بسبب الإنفاق العسكري وتراجع الإيرادات النفطية، بينما عززت إيران ما يُعرف بـ"الاقتصاد المقاوم"، مركزة على الاكتفاء الذاتي وتطوير الصناعات الدفاعية وخاصة الصاروخية. إقليميًا، ساهمت الحرب في إطلاق سباقات تسلح تقليدي وصاروخي، ودفعت دول المنطقة إلى بناء قوات بحرية وجوية أكبر، واعتماد أنماط حروب غير متكافئة.
على الصعيد العسكري، أظهرت تجربة "حرب المدن" هشاشة العمق المدني أمام الهجمات الباليستية، وأكدت الحاجة إلى أنظمة دفاع جوي متطورة. كما أن الاستخدام الواسع للأسلحة الكيميائية أدى إلى تشديد المعايير الدولية والرقابة، وأسهم في دفع المجتمع الدولي لاعتماد اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في التسعينيات. أما طبيعة الحرب ذات الحركة المنخفضة فقد رسخت درسًا حول كلفة الاستنزاف الميداني وضعف المكاسب العملياتية في ظل خسائر بشرية ومادية مرتفعة.
وبعد 37 عاما، تمثل هذه الذكرى بالنسبة للعراق تذكيرًا بكلفة الحرب الباهظة على التنمية والاقتصاد، وبالحاجة المستمرة لمعالجة إرثها من تلوث بيئي وذخائر غير منفجرة ومشكلات صحية طويلة الأمد. أما بالنسبة لإيران، فهي ترمز إلى مرحلة التعبئة والصمود في خطابها السياسي، لكنها في الوقت ذاته تذكر بعبء الكلفة البشرية والاقتصادية الهائلة، وتشكل دافعًا لمواصلة الاستثمار في القدرات الدفاعية والصاروخية وتقليل الاعتماد على الخارج. وللمنطقة ككل، تظل الحرب مثالًا على هشاشة أمن الطاقة والممرات البحرية أمام النزاعات الطويلة، وعلى أن منع التصعيد وحماية المدنيين والالتزام بحظر أسلحة الدمار الشامل أهداف استراتيجية لا يمكن تأجيلها، فيما تبقى آثارها الأمنية والعسكرية ماثلة حتى اليوم.
المصدر: دراسات اكاديمية ومراكز أبحاث
بغداد اليوم – البصرة كشف القيادي في تحالف تصميم، أسامة السعد، اليوم الجمعة (8 آب 2025)، أن الوكيل القانوني لمحافظ البصرة أسعد العيداني سيحضر أمام المحكمة الاتحادية للدفاع عن قرارات المحافظ المتعلقة بعدم تنفيذ قرار مجلس المحافظة بشأن تغيير رؤساء الوحدات