القضية الكردية بين التغييرات الإقليمية والتمسك بالدستور

بغداد اليوم - كردستان

بين دخان الحروب وتبدّل التحالفات وانهيار أنظمة كانت تُمسك بزمام الشرق الأوسط لعقود، تبرز القضية الكردية من جديد، لا كحلم مؤجل فحسب، بل كسؤال ضاغط يتصدر المشهد في لحظة يُعاد فيها رسم خرائط النفوذ والنار. ما بين صعود قوى وسقوط أخرى، وتراجع أدوار إقليمية كبرى، يقف إقليم كردستان عند حافة المجهول؛ تحيط به أزمات الداخل، وتغريه إشارات الخارج، فيما المواطن الكردي يدفع ثمن السياسات المرتبكة والتجارب غير المحسوبة.

وفي خضم هذه العاصفة، يخرج صوت أكاديمي كردي ليكسر الصمت ويضيء الزوايا المعتمة؛ بهروز الجاف، يحذر من الغرق في الأوهام السياسية، وينبه إلى أن التغيير لن يأتي من لعبة مصالح دولية، بل من التمسك بالدستور العراقي بوصفه صمام أمان وحيد في وجه الفوضى. حديثه ليس صرخة في الهواء، بل نداء عقل في زمن الضجيج، يضع الإصبع على الجرح الكردي في لحظة مصيرية من تاريخ الإقليم.

قال الجاف في حديثه لـ"بغداد اليوم"، اليوم الاثنين (26 أيار 2025)، إن "التغييرات التي طرأت في الشرق الأوسط، وخصوصًا بعد تسنم ترامب رئاسة الولايات المتحدة، ونتائج حربي غزة ولبنان، وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وتضاؤل الدور الإيراني، والتغيير في موازين القوى، تُلقي بظلالها على القضية الكردية عمومًا، بما في ذلك الوضع في إقليم كردستان العراق".

وأضاف أن "المواقف الدولية والإقليمية، سواء في إيران أو تركيا أو حتى إسرائيل، تجاه الكرد وتعاملهم مع قضيتهم، تبقى ثابتة دون تغيير ملحوظ، وأن إقليم كردستان هو حالة دستورية عراقية ضمن النظام الاتحادي الديمقراطي".

وأشار إلى أن "قوة أو ضعف أي دولة إقليمية تضم جزءًا من كردستان لا تؤثر في جوهر القضية، ولا تُحدث تغييرًا واضحًا في المواقف الدولية تجاه الكرد، بشكل يؤدي إلى تغييرات في الخارطة السياسية، وقد ثبت ذلك خلال تغيير أنظمة الحكم في إيران والعراق وسوريا، ويبدو أن الوضع سيبقى على ما هو عليه في المدى المنظور".

وبيّن الجاف أن "إقليم كردستان وحدة إدارية عراقية محكومة بالدستور والقوانين العراقية، وليس من حقه الانفراد بسياسات خارجية تتعارض مع الدستور، لذلك على إدارته أن تكون واعية وألا تنجر خلف ألاعيب بعض رجال السياسة الأجانب، الذين يسعون لتحقيق مصالح اقتصادية ضيقة في الإقليم والعراق، وليس لديهم خيار إحداث تغييرات سياسية".

وختم بالقول إن "سياسة فرض الأمر الواقع أثبتت فشلها، خصوصًا في مسألتي السيطرة على المناطق المتنازع عليها وما سُمي بسياسة الطاقة المستقلة، والتي أثرت سلبًا على معيشة المواطن الكردستاني. وبالتالي، فإن مكاسب الإقليم تكمن في التزامه بالدستور، مع مراعاة التغيرات الداخلية والخارجية بدقة".

وفي ظل هذا المشهد المتشابك، تعيش القضية الكردية حالة من الجمود على المستوى الدولي، رغم ما شهده الإقليم من تطورات داخلية وتحديات معيشية واقتصادية أرهقت المواطن الكردي. وبين طموحات الاستقلال وحدود الواقع الدستوري، تبقى الأسئلة معلقة حول مستقبل الإقليم وموقعه من التغييرات العاصفة في المنطقة.