السعودية .. قيادة عالمية بحجم المال والتاريخ

كتب: حسنين تحسين
لأول مرة تفعل أمريكا في الشرق الأوسط كل شيء وليس من أجل إسرائيل. سبب ما يحصل لإسرائيل مع أمريكا هو أن من يحكم البيت الأبيض رجل ملياردير وتاجر فج، وقد استنفد إلى الآن خيارات إعادته رئيسًا، وهذا ما يجعله لا يحتاج دعم اللوبي اليهودي الذي هو محل ضغط مثله مثل جميع الفواعل في الدول. ففي بعض الدول هناك فواعل روحية ودينية مؤثرة كالهند، وبعضها مافيا كإيطاليا، أو الأوليغارشية كما في روسيا سابقًا. أما أمريكا، فحاجة الرؤساء للمال لمواجهة الإعلام هي ما كانت تجعل اليهود مؤثرين. أما الآن، فاللوبي الذي كان يُرعب الرؤساء هو مجرد رقم في ميزانية دولة صغيرة من دول الخليج العربي!
هذا الشيء أقل ما يُقال عنه إنه سبب عدم راحة لمنظومة الحكم هناك، ولكن مع ترامب الأمر مختلف، فالرجل يملك المال وأدوات صناعته، وهكذا إنسان لا يُسيطر عليه، وبذات الوقت لا يُقال له لا أو يُتلاعب به على الأقل طويلًا.
فحصل ما لم يكن بالحسبان، فبعد أن كان الشرق الأوسط يُقاد من دول المحور بقيادة إيران من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، حطت طائرة "البدين الأصفر" في الرياض ليوقع على توازنات الشرق الأوسط الجديد بعد قناعة تامة بنقل المستوى الدولي من النشاط الأوروبي إلى الخليج العربي، حيث كانت فيه دول الخليج عناوين وثقة عالمية لحل نزاعات العالم كله!
فنُقلت مراكز القوة والقيادة من إيران التي فقدت محورها بالكامل فلم يبقَ سوى العراق، ومن إسرائيل التي تحكمها قيادة غير مرغوب فيها ومشاكل داخلية، إلى السعودية وتركيا كقوتين تقودان المنطقة بفواعلها الإماراتية والقطرية.
وبحقيقة قاطعة، هذا أكبر تحول سياسي في منطقة الشرق الأوسط منذ سايكس بيكو 1916. وصراحةً، لم نكن نعرف نحن الدول العربية أن الأمر لم يكن يحتاج إلا 600 مليار دولار من الاستثمار الناجح في موطن الذكاء الاصطناعي لرفع العقوبات عن سوريا فقط لأن بن سلمان طلب ذلك بلحظات، في حين دول كإيران تطالب منذ 45 عامًا برفع جزئي للعقوبات وهي يومًا بعد آخر تزداد! لم نكن نعرف أن الأمر بهذه السهولة التي تجعل إسرائيل مكتوفة اليدين أمام عاصفة يقودها إعصار ضرب كل شيء بضرائب تأديبية نظمت كل شيء من جديد.
وواضح أن الخليجيين يعرفون البخل اليهودي التاريخي جيدًا، ومع ذلك هم لم يهبوا بالمجان، بل بالعكس، اقتصاديًا وجدوا أفضل موطن للاستثمار. فالصين نفسها، المنافس التقليدي لأمريكا، استثمرت بكل بنس أمريكي، حتى ديون أمريكا اشترتها! هل هذا محاولة استرضاء؟ لا طبعًا، فنموذج أمريكا الاقتصادي المرن هو ثقة الجميع بعودة العائد الذي لن يعود إذا كان رصاصًا أهوج.