مجالس المحافظات في العراق.. "انتاج" لديكتاتوريات جديدة أم لمرجعيات حديثة تُنعش آمال المواطن؟
سياسة | 27-09-2023, 16:43 |
بغداد اليوم- كربلاء
مع اقتراب موعد اجراؤها، باتت عودة مجالس المحافظات عبر انتخابات محلية من المقرر عقدها نهاية العام الجاري تُشغل المشهد السياسي العراقي، لتنقسم الآراء حول مدى أهميتها وتأثيرها بالتزامن مع مخاوف من أن تسهم في"انتاج" ديكتاتوريات جديدة بالإضافة إلى ظهور "جماعات" تُسيطر على الأموال والنفوذ والسلاح والاعلام في المحافظات أو أنها قد تكون خطوة لظهور مرجعيات سياسية جديدة تُنعش آمال المواطن.
الغياب أفضل من الحضور
بالإستناد إلى تجربته السابقة في مجلس المحافظة، يبدو العضو السابق في مجلس محافظة كربلاء، د. علاء الغانمي من الطرف الذي يرفض العودة إلى مجالس المحافظات، واصفًا تلك الخطوة بـ"الخطأ"، معزّزًا رأيه بأن"السلبيات فيها كانت أكثر من الإيجابيات"، متوقعًا بأن "لا تُحدث أي تغييرًا إيجابياً في واقع الخدمات التي تقدم للمواطن والأداء الحكومي".
وفي حديثه إلى "بغداد اليوم"، يقول الغانمي: إن "واقع البلد صار يتردى أكثر بعد كل دورة إنتخابية محلية أو مركزية، وأن المزاج السياسي يتغير للأسوء، وتدرج من غايات الحصول على أصوات الناخبين إلى السيطرة على الأموال والنفوذ ومن ثم العمالة وخراب البلد، وبكل مرحلة نرى أن سابقتها أفضل منها".
وتفشل الشخصيات الأكاديمية المهنية في أداء دورها ومهامها في مجالس المحافظات- بحسب الغانمي- ولن تتمكن من تقديم شيء، ولم نعد نرى دولة تحترم المواطن، وما موجود هو قائم على بعض القطاعات فقط. على حدّ قوله.
قبضة الأحزاب الكبيرة
من جانبه، لا ينكر عضو مجلس محافظة كربلاء السابق، محمد الطالقاني إن مجالس المحافظات هي صحيحة من حيث الفكرة إلا أن الأداء الخاطئ الذي حصل فيها جعل الرأي العام الجماهيري يحكم عليها بأنها فاشلة وسلبية. مُعدًّا مجلس المحافظة بأنه هو كيان وظيفته حماية حقوق الجماهير والحفاظ على مكتسباتهم، ونحن مع عودته.
ويضيف الطالقاني في حديث لـ"بغداد اليوم": إن "الحكومات المحلية (مجالس ومحافظون) هي إنعكاس للمركز ـ حكومةً وأحزاب ـ والأخيرة عادة ما تحكم القبضة على المحافظات وهذا سبب عدم أداء مجالسها لدورها الحقيقي، وعدم إعطائها الحرية بالعمل، من خلال الضغوط السياسية أو تقييدها في ممارسة صلاحياتها.
ويقرّ بأن الأداء الجيد لمجالس المحافظات مرهون بأعضائه الذين سيتم إنتخابهم، وبالتالي ينبغي على المواطن أن يتمعن في إختياره ولمن سيعطي صوته.
"مليشيات جديدة"
بدوره، يقول عضو مجلس محافظة كربلاء الأسبق، د. أحمد الياسري، في حديث لـ"بغداد اليوم": إن مجالس المحافظات من التجارب الديمقراطية الناجحة، لكن الأحزاب الفاسدة والنفوذ والمال السياسي أفسدوها، وتحولت من إيجابية إلى سلبية، وأصبح أعضاء تلك المجالس ممثلين عن أحزابهم والجهات التي تقف خلفهم وليس عن الجماهير، وبالتالي إنعكس هذا الواقع على خدمات المجتمع وراحة المواطن".
ويُشير إلى إن "مشاكل الكتل السياسية في المركز عادة ما تنتقل إلى مجالس المحافظات لكون أغلب أعضائها تابعين لذات الكتل والأحزاب، وكان هناك غطاء للسرقات الكبيرة، وينبغي توظيف المجالس بشكلها الصحيح وتقويمها وفقًا للأنظمة والقوانين".
وإستبعد الياسري، وجود حل في الاُفق القريب، كون الأحزاب والكتل سيطرت على مصدر القرار والأموال والسلاح والنفوذ وحتى الإعلام، وبات الواقع معقداً وليس من السهل التخلص منهم. مستدركًا لكن الأمل باقِ متعلق بوعي المجتمع في إيصال المستقلين والكفاءات إلى مجالس المحافظات.
ولفت الياسري إلى إن "بعض المحافظات تخصص لها أموال كبيرة، وإن لم توجد جهات رقابية كمجلس المحافظة أو الحكومة المركزية على الإدارات المحلية، سيكون المال العام سائب وعرضة للسرقة والفساد، وستظهر لنا جهات ومليشيات جديدة ومتنفذين جدد". بحسب رأيه.
انتاج ديكتاتوريات
أمّا الكاتب والمحلل السياسي علي البيدر يقول في حديث لـ"بغداد اليوم": إن "مجالس المحافظات هي مؤسسات دستورية لا يمكن إلغائها إلا من خلال الدستور، وإن إيقاف عملها من قبل البرلمان في عام 2019 هو تجاوز على الدستور"، موضحًا إن "إيقاف عمل تلك المجالس أنتج ديكتاتوريات في المحافظات عبر المحافظين ومديري الدوائر والعناوين الأخرى، إذ أصبح من الصعب على المواطن الوصول إلى المسؤول كما كان الحال بوقت وجود المجالس".
وأضاف البيدر، إن فكرة تلك المجالس عميقة وهي حلقة وصل ما بين المواطن والمؤسسات الحكومية، وأداة للمراقبة والتشريع المحلي، لكنها من حيث المحتوى لم تؤدي مهامها بالشكل المطلوب، وإن بعض من وصلوا إليها كانوا اُميين ومنهم حتى لا يتقن القراءة والكتابة، وهمهم المنافع الشخصية، وبالتالي فإن الأداء السيء لأعضائها ـ المجالس ـ لا يعني أن نلغيها.
وأكد البيدر، إن "تمكن المجتمع من إيصال نماذج جيدة لمجالس المحافظات سوف يتغير دورها نحو الأفضل، وإن أقل محافظة بالتخصيصات المالية سوف نرى تطورها بشكل واضح وتُعالج مختلف الأزمات والمشاكل".
الأغلبية والحكم
من جانب آخر قال الباحث في الشؤون السياسية والإستراتيجية، د. زياد العرار، في حديث لـ"بغداد اليوم": أنه "كُنّا في السابق نعتقد إن مجالس المحافظات هي أحد أسباب الفساد أو تردي الخدمات، لكن إتضح لدينا إن عودتها ضرورة، لا سيما بعد ان انفرد البرلمان والحكومة بالقرار الخدمي والتنفيذي في عموم المحافظات وتدخلوا حتى في الموازنات، وينبغي وجود المجالس لوضع موازين ضبط عمليات التصرف بالأموال العامة التي تخصص للمحافظات".
وأضاف العرار إلى أن "الخلل ليس في مجالس المحافظات، بل هو فيمن يُطبق القانون والدستور والأنظمة، وإن مختلف المحافظات ما زالت تشهد مشاكل وخلافات وتجاذبات سياسية وهذا ليس جديداً". مشدداً على إن "الضعف بتطبيق القانون من قبل الدوائر الرقابية المعنية، حتماً سينتج حالات من الفساد والإشكاليات الجديدة والمشاكل ما بين طرفي الحكومات المحلية بكل محافظة".
وذكر العرار، إن خلافات القوى السياسية باتت واضحة ووصلت إلى مرحلة عدم المجاملة، وهذه المرة من يحصل على الأغلبية بعدد مقاعد المجلس في كل محافظة هو من يسيطر عليها ويأخذ مناصبها العليا، ولن تكون هناك تقسيمات وإرضاءات".
ومن المقرر أن يُجري العراق الانتخابات المحلية في 18 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وستكون هذه أول انتخابات محلية تُجرى في العراق منذ إبريل/نيسان 2013.
وتعد انتخابات مجالس المحافظات المزمع إجراؤها في الموعد المذكور، هي الرابعة خلال العشرين عامًا المنصرمة بعد الاحتلال الامريكي عام 2003.
ففي أواخر عام 2005 أجريت الانتخابات المحلية الأولى بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية، بعد الاستفتاء العام على مشروع الدستور الدائم في منتصف شهر تشرين الأول/أكتوبر من ذلك العام. وفي كانون الثاني/يناير 2009 أجريت الانتخابات المحلية الثانية، وفي نيسان/أبريل 2013 أجريت الانتخابات الثالثة.
وتتولى مجالس المحافظات المُنتخبة مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين، ولهم صلاحيات الإقالة والتعيين وإقرار خطة المشاريع بحسب الموازنة المالية المخصصة للمحافظة من الحكومة المركزية في بغداد، وفقاً للدستور العراقي.
وسيشارك في الانتخابات، 296 حزبًا سياسيًا انتظموا في 50 تحالفًا إلى جانب أكثر من 60 مرشحًا سيشاركون بقوائم منفردة.
ويتنافس المرشحون على 275 مقعدًا هي مجموع مقاعد مجالس المحافظات العراقية، وجرى تخصيص 75 منها، ضمن كوتا للنساء، و10 مقاعد للأقليات العرقية والدينية.
المصدر: بغداد اليوم