آخر الأخبار
منخفض ممطر يطرق الأبواب.. والبرد القارس يعود للعراق ليلة رأس السنة البنتاغون يعترف رسمياً بوجود قوات أمريكية "غير معلن عنها" في العراق مدير البطاقة الوطنية: الموحدة تصدر مباشرة للطفل عند ولادته المغرب.. وزير العدل يكشف عن أبرز مقترحات تعديل مدونة الأسرة اتحاد الكرة يرد على اساءة أحد مقدمي البرامج الرياضية ليونس محمود

جوائز الاوسكار.. بين السياسة والفن

+A -A

بغداد اليوم -  متابعات

تمثل جوائز الأوسكار الرمز الأهم على الإطلاق في هيمنة السينما الأمريكية عالمياً، فما قصة توظيف الحدث الفني الأبرز لأهداف سياسية؟ وكيف أصبحت المعايير الفنية آخر عناصر اختيار الفائزين؟

كانت جوائز الأوسكار، في نسختها رقم 95، قد أعلنت خلال حفل بمدينة لوس أنجليس الأمريكية، الأحد 12 مارس/آذار، ونقلته قناة (إيه.بي.سي) التلفزيونية على الهواء مباشرة حول العالم، وفاز بجائزة أفضل فيلم (كل شيء.. كل مكان في الوقت نفسه Everything.. Everywhere All at Once).

وحصد الفيلم نفسه 6 جوائز أوسكار أخرى لأفضل ممثلة، والتي فازت بها النجمة الماليزية ميشيل يوه، لتصبح أول ممثلة آسيوية تفوز بالأوسكار، كما فاز مخرجا الفيلم بأوسكار أفضل إخراج وأوسكار أفضل سيناريو أصلي، إضافة إلى فوز الفيلم بجائزة أوسكار أفضل مونتاج، وأفضل ممثلة مساعدة وأفضل ممثل مساعد.

تاريخ الأوسكار من حفل عشاء للحدث الأبرز

جوائز الأوسكار، أو جوائز الأكاديمية وهو الاسم الرسمي لها، عبارة عن جوائز للجدارة الفنية والتقنية في مجال صناعة السينما، تمنحها سنوياً أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة Academy of Motion Picture Arts and Sciences، وهي اعتراف بالتميز في تلك المجالات.

ويتم اختيار الفائزين من خلال التصويت الذي يقوم به أعضاء تلك الأكاديمية، والذين يبلغ عددهم أكثر من 7000 عضو، نحو ربعهم تقريباً من الممثلين. ويتم منح الفائزين من مختلف الفئات نسخة من تمثال ذهبي، يسمى "جائزة الأوسكار للتميز" وهو الاسم الرسمي، لكن إعلامياً أصبح "الأوسكار" هو الاسم الأكثر شهرة.

أما جائزة الأوسكار فهي تمثال على شكل فارس يحمل سيفاً يقف على شريط سينمائي، ويبلغ طوله 34 سم ووزنه 3.85 كغم، وهو مصنوع من مادة البريتانيوم الذي هو خليط من القصدير والنحاس وتغطيه طبقة من الذهب.

كان يوم 15 مايو/أيار عام 1929، يوماً مشهوداً في مسيرة الأوسكار الممتدة، حيث أقيم حفل عشاء خاص في فندق هوليوود روزفلت، بحضور نحو 270 شخصاً من العاملين في مجال صناعة الأفلام، واعتبر ذلك الحفل الأول لجوائز الأوسكار أو جوائز الأكاديمية، رغم أن التسمية لم تصبح رسمية إلا لاحقاً.

ثم أقيم حفل توزيع الجوائز في فندق مايفير، وكانت تكلفة تذاكر الضيوف لحفل تلك الليلة 5 دولارات، وتم منح خمسة عشر تمثالاً صغيراً لتكريم الفنانين والمخرجين والمشاركين الآخرين بمجال صناعة الأفلام في ذلك الوقت، وذلك عن أعمالهم خلال الفترة من 1927-1928، واستمر الحفل 15 دقيقة.

وفي ذلك الوقت، كان يتم الإعلان عن الفائزين بجوائز الأوسكار من خلال وسائل الإعلام الأمريكية قبل حفل الأوسكار نفسه بثلاثة أشهر. لكن ذلك الأمر تغير خلال حفل الأوسكار الثاني عام 1930، ليتم الإعلان عن الفائزين في بيان تنشره الصحف قبل توزيع الجوائز بساعة واحدة وأثناء الحفل نفسه.

لكن خلال عام 1940، خالفت صحيفة لوس أنجلوس تايمز هذا التقليد ونشرت أسماء الفائزين بجوائز الأوسكار قبل بداية حفل توزيع الجوائز، فقررت الأكاديمية استخدام تقليد "المظاريف المغلقة" منذ حفل الأوسكار عام 1941 وهو ما استمر حتى حفل الأوسكار 2023، لتشتهر عبارة "والأوسكار يذهب إلى.. And the Oscar goes to..".

الأوسكار والألاعيب السياسية

لكن بعيداً عن الفخامة والسجادة الحمراء وعناصر الإبهار الأخرى التي تصاحب حفلات الأوسكار كل عام، والتي أصبحت العنوان الأبرز لهوليوود والثقافة الأمريكية بشكل عام، يبدو أن حفل توزيع جوائز الأوسكار كان مرصوفاً "بالدماء والعرق والقلوب المكسورة"، بحسب تعبير أحد صناع السينما الأمريكية.

"حروب الأوسكار" هو عنوان كتاب للممثل والمؤلف السينمائي الأمريكي مايكل شولمان، نشر في فبراير/شباط الماضي، وتصدّر قائمة أفضل المبيعات لقائمة نيويورك تايمز خلال أسبوعين فقط من طرحه في المكتبات.

وعلى الرغم من أن هدف الكتاب هو الإجابة عن السؤال المتكرر: هل فقد حفل الأوسكار أهميته بمرور الوقت؟ إلا أن شولمان يرى أن جوائز الأكاديمية والهالة المحيطة بها أمر جوهري لصناعة السينما ليس فقط في هوليوود ولكن حول العالم، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.

ويرصد الكتاب كيف كانت السياسة وألاعيبها دائماً حاضرة وبقوة، بل وتلعب دور البطولة في أحيان كثيرة عند اختيار الفائزين بجوائز الأوسكار. ففي البداية، أي خلال ثلاثينيات القرن الماضي، كان للنقابات المهنية والصراعات بين أجنحتها المختلفة من جهة وواشنطن والسياسيين من جهة أخرى دور رئيسي في تحديد الفائزين بالأوسكار.

"كان كثير من الشق السياسي المحيط بالأكاديمية في العقد الأول من جوائز الأوسكار يتعلق بالعمل والاتحادات المهنية والعلاقات العامة المرتبطة بالصناعة (صناعة الأفلام) في وقت غلبت عليه الفضائح والرقابة"، بحسب شولمان في حواره مع الغارديان.

ويضيف الكاتب الأمريكي: "إنه لأمر مذهل أن نفهم كيف نشأت جوائز الأوسكار في تلك الفوضى العارمة بل واستمرت أيضاً حتى يومنا هذا".

لكن حقيقة الأمر هي أن حفل الأوسكار لم يحافظ فقط على الاستمرارية على مدى 95 عاماً دون انقطاع واحد مهما حدث، إلا أنه تحول لواحد من أهم الأحداث السينمائية على مستوى العالم، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، فهل ابتعدت السياسة وألاعيبها عن الحدث الفني؟

المتابع لحفلات الأوسكار على مدى تاريخها وحتى اليوم، سيجد دون عناءٍ أن الإجابة عن هذا السؤال هي النفي القاطع، حيث لا يكاد يمر عام دون جدل يكاد لا ينقطع، من قبيل: كيف فاز هذا الفيلم بجائزة الأوسكار على حساب ذاك الفيلم؟ أو كيف يمنح هذا النجم جائزة أفضل ممثل بينما النجم فلان قدم أداء أفضل منه بكثير في فيلم آخر؟

"اللعنة عليك يا سيد بوش" و"أفاتار" وغيرها من لحظات السياسة

يقول شولمان في كتابه "حروب الأوسكار": "لا تنخدع بالأبهة: جوائز الأوسكار، أكثر من أي شيء آخر، هي ساحة معركة، حيث يتكشف تاريخ هوليوود -وأمريكا نفسها- في الأعمال الدرامية الكبيرة والصغيرة".

فالسياسة دائماً ما تلعب دوراً في اختيار الفائزين بجوائز الأوسكار، التي كانت دائماً عرضة للضغط والحملات المكثفة من قبل الأستوديوهات وصانعي الأفلام والمعلنين، الذين يحاولون التأثير على آراء أعضاء الأكاديمية من أجل تأمين الترشيحات والفوز بأفلامهم، بحسب شولمان.

وفي هذا السياق، كان حفل جوائز الأوسكار قبل 20 عاماً، أي عام 2003، قد شهد واحدة من لحظاته السياسية الأكثر شهرة، لكونها جاءت على المسرح وأمام المشاهدين مباشرة، وليست في الكواليس أو خلف الأبواب المغلقة. وحدث ذلك عندما صعد المخرج الأمريكي، مايكل مور، إلى المسرح لتسلم جائزة الأوسكار التي فاز بها.

فاجأ مور العالم بحديثه الموجه إلى الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج دبليو بوش، بالقول: "عار عليك يا سيد بوش! عار عليك!". كانت تلك العبارة، التي تحولت لاحقاً إلى أغنية وأصبحت من أكثر الجمل المرتبطة بالأوسكار شهرة، كناية عن انتقاد المخرج لقرار غزو العراق في ذلك العام والشهر نفسه.

وفي السياق السياسي ذاته، كان كثير من الجدل قد ثار حول فوز فيلم "خزانة الألم The Hurt Locker" بجائزة الأوسكار أحسن فيلم، على حساب فيلم "أفاتار Avatar"، وكان ذلك عام 2010، حيث كان الفيلمان مرشحين لحصد العدد الأكبر من جوائز الأوسكار.

ورصد شولمان هذه الواقعة في كتابه، حيث شرح كيف أن الفيلمين يمثلان رؤى مختلفة تماماً للدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية في العالم، ففيلم "أفاتار" كان يُنظر إليه على أنه يوجه انتقاداً للإمبريالية الأمريكية ودورها في نشر الخراب والتدمير أينما حلت. وعلى النقيض، كان فيلم "خزانة الألم" عبارة عن تمجيد واحتفاء بالبطولة والتضحية الأمريكيتين.

واتهم بعض النقاد الأكاديمية بتفضيل فيلم "خزانة الألم" على "أفاتار" بسبب موقفها المؤيد للجيش، لكن الجدل الذي رافق ذلك الفوز ساهم في تسليط الضوء أكثر على التوترات السياسية التي غالباً ما تلعب دوراً كبيراً في تحديد ما يشاهده العالم على مسرح دولبي، حيث تجري مراسم حفل توزيع جوائز الأوسكار.

الخلاصة هنا هي أن السياسة والمال يلعبان دوراً رئيسياً في تحديد الفائزين بجوائز الأوسكار في كثير من الأحيان، وبالتالي فإن المعايير الفنية والتقنية التي يفترض بها أن تكون عامل الحسم الوحيد عند الاختيار قد لا تكون لها تلك الأهمية. فهل فاز فيلم "نافالني" الكندي بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي هذا العام بقرار غلبت عليه الاعتبارات السياسية؟ فالفيلم "نافالني" يحكي قصة محاولة تسميم المعارض الروسي الذي يحمل الاسم نفسه، والذي يقبع الآن خلف القضبان في روسيا.

وكانت العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة قد بدأت في التدهور بشدة قبل تنصيب الرئيس الحالي جو بايدن رسمياً في يناير/كانون الثاني 2021، على خلفية قضية نافالني، ووصلت الأمور لدرجة خطيرة من التصعيد بعد وصف بايدن لنظيره الروسي فلاديمير بوتين بـ"القاتل".