بغداد اليوم – بغداد
تضع تصريحات وزارة الداخلية بشأن تقدير هدر مالي بحوالي 100 مليون دولار جراء الإنفاق على الألعاب الإلكترونية سؤالاً ثقيلاً على الطاولة: هل تحوّل القطاع الرقمي الترفيهي إلى قناة مالية موازية تسمح بتمرير الأموال خارج الرقابة التقليدية؟ التحذير، الذي أعاد إحياء نقاشات العامين الماضيين حول ربط المدفوعات الافتراضية بمخاطر غسل الأموال، يتقاطع مع قراءات دولية ترى أن الحدود بين اللعب والمال تتلاشى كلما تعمّقت اقتصاديات “العملات داخل اللعبة” ووسائط الدفع عبر منصات خارجية. في مقابلات متلفزة حديثة، كرّر مسؤولون أمنيون تقدير “الهدر/الإنفاق” السنوي بهذا الحجم، وربطوه ببيئة دفع رقمية يصعب تتبّعها بالكامل، فيما سبقت ذلك أطروحات حكومية ذهبت أبعد عندما تحدّثت مطلع 2024 عن خروج يقارب المليار دولار عبر شحن بطاقات ألعاب ومنتجات رقمية، على ما أفادت تقارير اقتصادية نقلت عن الداخلية آنذاك. economy-news.net+3X (formerly Twitter)+3YouTube+3
يعلّق الخبير في الشؤون الاقتصادية والأمن المالي ناصر التميمي خلال حديثه لـ"بغداد اليوم"، بأن إعلان الداخلية يصلح “كجرس إنذار مبكر” أكثر منه اتهاماً قطعياً، وأن معالجة الملف تمرّ بثلاث حلقات مترابطة: تتبّع مسارات الأموال رقمياً على مستوى وسطاء الدفع، ربط هويات المستخدمين الحقيقيّة برصيدهم الافتراضي داخل المنصّات، ثم اختبار مدى خضوع تلك المنصّات لمتطلبات “اعرف عميلك” والإبلاغ عن العمليات المشبوهة. يشرح التميمي أن هذا القطاع “بات بيئة مالية موازية” لأن جزءاً معتبراً من المعاملات يتم عبر بوّابات دفع أجنبية أو متاجر تطبيقات ومنصّات وسيطة، ما يجعل التحويلات الصغيرة والمتكرّرة تتفادى رادارات الامتثال المصرفي المحلي، خصوصاً حين تُقسَّم (“structuring”) وتُعاد تدويرها ببيع أصول افتراضية ثم تسييلها في أسواق ثانوية. رأيٌ يتقاطع مع خلاصة جهات دولية متخصّصة تؤكد أن قصور التنظيم العالمي للأصول الافتراضية ومن يقدّم خدماتها يخلّف “ثغرات كبيرة” تستغلها الأنشطة غير المشروعة. FATF
إطار المخاطر لم يعد نظرياً. فالتقارير الشرطية الدولية تشير إلى مسارات متنامية لغسل الأموال عبر الاقتصاد الرقمي ـ من المقامرة غير القانونية إلى الإتجار بالأصول الافتراضية و”السكينات” والعملات داخل الألعاب ـ وتوثّق حملات ضبط واسعة ركّزت على جرائم مالية إلكترونية وشبكات مراهنة غير نظامية، وهي بيئات تتقاطع مع منظومات الدفع نفسها التي تغذّي أسواق الألعاب. سلسلة عمليات “هايتشي” التي نسّقتها الإنتربول خلال 2024 و2025 انتهت بآلاف التوقيفات واسترداد مئات ملايين الدولارات من الجرائم المالية الإلكترونية، بينها غسل أموال مرتبط بأنشطة قمار غير قانونية ومدفوعات رقمية هجينة؛ ما يشي بأن البنية التقنية المستخدمة في الألعاب ليست معزولة عن بقية أنماط الجريمة المالية على الشبكة. وفي أوروبا، يسجّل التعاون الشرطي قلقاً متزايداً من “تلاقي” التشفير والمدفوعات الرقمية في غسل العائدات، مع إبراز تقارير متخصصة كيف تُستغل أسواق الأصول الافتراضية والرموز داخل الألعاب في التمويه والتسييل. Europol+3Interpol+3Interpol+3
على الضفة التنظيمية، يضع قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم 39 لسنة 2015 الهيكل الوطني للامتثال والإبلاغ، ويُنشئ مكتب مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في البنك المركزي العراقي، ويمنح المجلس المختص صلاحيات رسم السياسات وإصدار التعليمات. غير أن توسّع “الاقتصاد داخل اللعبة” خلق منطقة رمادية عند تقاطع اختصاصات البنك المركزي وهيئة الإعلام والاتصالات والجهات الأمنية: جزء من المدفوعات يجري عبر مصارف ومزوّدي دفع محليين (يخضعون مباشرة للقانون)، وجزء آخر يمرّ عبر متاجر خارجية أو محافظ رقمية ومنصّات أجنبية (تستلزم أدوات رقابية واتفاقات إنفاذ عبر الحدود). توصيات مجموعة العمل المالي (FATF) بشأن الأصول الافتراضية ومقدّمي خدماتها، والتي جرى تشديدها منذ 2019 وتحديثها في 2024–2025، تؤكد ضرورة الإلزام بمنهج قائم على المخاطر، وتطبيق “قاعدة السفر” على التحويلات الرقمية العابرة للحدود، وسدّ فجوات تسجيل مقدّمي الخدمات. ما يعني عملياً أن أي مقاربة عراقية فاعلة يجب أن تُنسّق بين الامتثال المصرفي التقليدي ومتطلبات تتبّع التحويلات الرقمية المصغّرة عبر مزوّدين خارجيين. FATF+4aml.iq+4Ministry of Justice - Iraq+4
وتتزايد حدّة النقاش محلياً مع قرارات تنظيمية مستحدثة طالت بعض المنصّات، بينها حجب منصّة Roblox بدواعي السلامة الرقمية للأطفال، وهي خطوة تكشف حساسية الدولة تجاه العالم الافتراضي، لكنها لا تُغني وحدها عن مقاربة مالية–تقنية دقيقة لمسارات الدفع والشراء داخل الألعاب ومتاجر التطبيقات. هنا، تتبدّى ضرورة الفصل بين “حماية المحتوى والسلوك” و“ضبط التدفقات المالية”، بحيث لا يُختزل الملف في جدل الحظر من عدمه، بل يُدار بآليات امتثال ذكية لا تُجهض حقّ المستخدمين في الترفيه ولا تترك منافذ مفتوحة لتهريب العملة الصعبة. Reuters
تجارب دولية متفرّقة تظهر كيف تتسلل الجريمة المالية إلى منصّات اللعب: شراء عناصر افتراضية بأموال مسروقة ثم بيعها نقداً في أسواق خارجية؛ التبرّعات أو “الـBits” والعملات داخل المنصّات كقناة لتدوير بطاقات مسروقة؛ أو “تبييض” مبالغ صغيرة على نطاق واسع عبر آلاف المعاملات المجزأة. هذه الأنماط وثقتها تقارير امتثال مستقلة وإحالات شرطية، وهي وإن اختلفت من لعبة لأخرى، تشترك في الاعتماد على صعوبة ربط الهويّة الواقعية بالحسابات الافتراضية، وعلى سهولة التحويل بين متجر/محفظة ومنصّة/سوق ثانوية. وهي الزاوية التي يوصي خبراء الامتثال باستهدافها تشريعاً وتقنياً. amlrightsource.com+1
هنالك أربع نقاط مترابطة يراها مختصون في منتصف المشهد: الإعلان الرسمي عن “100 مليون دولار” يُعامل كرقم إرشادي يستوجب تدقيقاً جنائياً مالياً على عيّنة تمثيلية من التدفقات، وليس كاتهام مُبرَم؛ تحديث تعليمات البنك المركزي لمزوّدي الدفع الإلكتروني المحليين والأجانب الذين يقدّمون خدمات داخل العراق، مع فرض حزمة “اعرف عميلك” ومعايير مراقبة معاملات متناسبة مع مخاطر المشتريات داخل الألعاب؛ بناء قنوات مشاركة بيانات تشغيلية بين البنك المركزي وهيئة الإعلام والاتصالات ووزارة الداخلية (وحدة الجرائم الاقتصادية) لتجميع مؤشرات المخاطر، بما فيها أنماط “التجزئة” ودوائر إعادة البيع؛ وأخيراً، الدخول في ترتيبات تعاون مع مزوّدي المنصّات العالمية لتطبيق “قاعدة السفر” وتيسير أوامر التجميد السريع للحسابات الافتراضية عند الضرورة. في المحصلة، المقاربة الأكثر رشاقة هي التي تميّز بين الإنفاق الترفيهي الطبيعي وبين السلوك المالي الشاذ، وتحمي المستهلكين من دون شيطنة قطاع الألعاب بأكمله، فيما تُغلِق في الوقت ذاته الثغرات التي تُستغل لغسل الأموال وتهريب العملة خارج الاقتصاد الرسمي. FATF
المصدر: قسم الرصد والمتابعة في "بغداد اليوم"
بغداد اليوم – بغداد وجه رئيس مجلس الوزراء، اليوم الجمعة (24 تشرين الأول 2025)، الجهات المعنية باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ مقترح تبسيط آليات الإقراض السكني للموظفين الحكوميين، ضمن مساعي الحكومة لتوسيع فرص تملك السكن ودعم الطبقات المتوسطة وذوي الدخل