بغداد اليوم - بغداد
تعيين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لرجل الأعمال الأمريكي من أصل عراقي مارك سافايا مبعوثاً خاصاً إلى العراق أثار سلسلة من التساؤلات حول طبيعة المهام التي سيضطلع بها الرجل، خصوصاً بعد تسريبات تحدّثت عن نيّته التحرك داخل البلاد بـ"طريقة كاجوال" لجمع السلاح المنفلت.
التحرك، وإن بدا في ظاهره دبلوماسياً ناعماً، يُقرأ في عمقه كمؤشر على توجه جديد في سياسة ترامب الخارجية، يقوم على التحرك الميداني المباشر عبر شخصيات غير تقليدية، تربط بين المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية في وقت واحد، كما حدث سابقاً مع مبعوثيه إلى لبنان وسوريا وغزة.
الخبير في الشأن السياسي والاستراتيجي مصطفى الطائي حذّر في حديثه لـ"بغداد اليوم" من خطورة أي تحركات ميدانية غير منسقة قد يقوم بها المبعوث الأمريكي داخل العراق، مبيناً أن "أي نشاط ميداني يتعلق بجمع السلاح أو ضبطه داخل الأراضي العراقية يجب أن يتم حصراً بالتنسيق الرسمي مع الحكومة العراقية، فالعراق دولة ذات سيادة، وأي عمل منفرد أو غير رسمي قد يعد خرقاً واضحاً للقوانين ويعرض أصحابه والمشاركين فيه لمخاطر أمنية كبيرة".
وأشار الطائي إلى أن "الحديث عن تحرك المبعوث الأمريكي بطريقة (كاجوال) يعد مؤشراً مقلقاً، خصوصاً في ظل حساسية ملف السلاح المنفلت وتعدد الجهات التي تمتلكه"، موضحاً أن التعامل مع هذا الملف يتطلب إجراءات دقيقة وخططاً منسقة بإشراف حكومي لتجنّب أي تصعيد أو سوء فهم من قبل الفصائل أو القوى المحلية.
الصحفية هديل عويس كشفت في تقريرها أن المبعوث الأمريكي مارك سافايا سيتحرك داخل العراق بطريقة “كاجوال” لجمع السلاح المنفلت، وهي صيغة تعكس فلسفة ترامب في إدارة الملفات الإقليمية: ديبلوماسية بلا بيروقراطية، وتحرك بلا مقدمات.
تقول الباحثة رنا خالد إن “اختيار سافايا دليل على أن إدارة ترامب لن تخوض حرباً مع المليشيات، بل ستقوم بإعادة ترتيب المواقع والأدوار”، مضيفة أن المرحلة المقبلة “تشير إلى تحولٍ نحو العلاقات المباشرة التي ستربط الولايات المتحدة بالجماعات المسلحة بعد إعادة هيكلتها، بدلاً من التعامل معها ككيانات متشظية ومتعددة”.
وتفسّر خالد هذا التوجه بأنه “انعكاس لرؤية ترامب التي تزاوج بين المصالح الاقتصادية والتحالفات غير التقليدية، وتستخدم رجال أعمال وسياسيين في أدوار مزدوجة تجمع بين التفاوض والاستثمار”.
في تصريحٍ للباحث السياسي نزار حيدر، أكّد أن المبعوث الأمريكي مارك سافايا سيعمل بالتنسيق المباشر مع جاريد كوشنر، صهر ترامب ومهندس “الاتفاقات الإبراهيمية” ووقف إطلاق النار في غزة.
هذه الإشارة تفتح الباب لفهم أوسع لدور سافايا، إذ لم يُعيَّن كـ"مبعوث إلى العراق" فقط، بل كجزء من فريق عمل إقليمي يقوده كوشنر لإعادة رسم خريطة النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط عبر أدوات اقتصادية وسياسية، تشمل العراق كحلقة مركزية في محور الربط بين الخليج وشرق المتوسط.
من هذا المنظور، يصبح سافايا امتداداً للمبعوثين توم باراك في لبنان وسوريا وستيف ويتكوف في غزة، وكلاهما عملا ضمن رؤية واحدة هدفها إعادة ترتيب السلاح والتحالفات دون خوض حروب جديدة، مستعيضين عن “القوة العسكرية” بـ“القوة التفاوضية – الاستثمارية”.
في لبنان وسوريا، سعى توم باراك إلى إقناع الحكومة اللبنانية بـ"استعادة القرار السيادي وضبط السلاح"، واضعاً جدولاً زمنياً يربط المساعدات الاقتصادية بمدى سيطرة الدولة على السلاح، فيما ركّز في سوريا على فتح ممرات اقتصادية مقابل تهدئة ميدانية، في إطار "خريطة السلام التدريجي".
أما ستيف ويتكوف، فكان محور تحركاته في غزة مبنياً على تسوية رهائن واقتصاد ما بعد الحرب، بالتعاون مع جاريد كوشنر، ضمن مشروع توسيع “الاتفاقات الإبراهيمية” لتشمل مسارات جديدة للتهدئة والتطبيع.
الملف العراقي، بحسب مختصين، أكثر تعقيداً من تلك التجارب، فالعراق ليس ساحة مواجهة مفتوحة، بل حقل نفوذ متداخل تتوزع فيه السلطة بين الدولة الرسمية والفصائل وشبكات المصالح، ما يجعل أي تدخل خارجي “ناعم” عرضة لتأويلات خطيرة.
في هذا السياق، عاد اسم سافايا للواجهة بعد الحديث عن دوره في إطلاق سراح الباحثة الروسية – الإسرائيلية إليزابيث تسوركوف، التي كانت محتجزة لدى فصائل عراقية. تساؤلات كثيرة طُرحت حول الجهة التي تواصل معها وكيف تمكّن من التوصل إلى الفصائل، ما يشير إلى شبكة علاقات غير تقليدية قد تكون امتداداً لقنوات تفاوض أوسع مرتبطة بفريق كوشنر.
هذه الواقعة، سواء كانت مؤكدة أو لا، تُظهر أن سافايا يتحرك ضمن منطقة رمادية تجمع بين السياسة والاستخبارات والوساطة الاقتصادية، وهو النمط نفسه الذي طبع تحركات باراك وويتكوف في ملفاتهم.
القراءة التحليلية تشير إلى أن واشنطن تتجه إلى إعادة هندسة نفوذها في العراق عبر شخصيات تجمع بين النفوذ الاقتصادي والمرونة السياسية، بديلاً عن المواجهة المباشرة التي أثبتت فشلها بعد 2003.
تعيين سافايا يأتي في لحظة مفصلية؛ فالعراق يواجه استحقاقات أمنية وانتخابية واقتصادية كبرى، بينما تسعى إدارة ترامب إلى تقديم نفسها كبديل عن السياسات البيروقراطية السابقة، من خلال أدوات “سريعة وفعالة” تربط المصالح الاقتصادية بملف الأمن.
لكنّ الفارق الأساسي بين الحالة العراقية والتجارب السابقة في لبنان وغزة هو طبيعة العقد الاجتماعي العراقي الذي يجعل السلاح جزءاً من البنية السياسية لا مجرد ظاهرة أمنية. لذا، فإن أي تحرك “كاجوال” غير منسّق، حتى لو كان تحت إشراف كوشنر، قد يُفهم كمساسٍ بالسيادة أو محاولة لإعادة توزيع موازين القوى الداخلية.
بناءً على ذلك، يبدو أن سافايا لن يكون “مهندس نزع السلاح” بقدر ما سيكون منسّق إعادة الترتيب — يسعى إلى تحقيق توازن دقيق بين النفوذ الأمريكي ومصالح الفصائل والعواصم الإقليمية، وفق رؤية ترامب التي تستبدل الحرب بالصفقة، والضغط العسكري بالمقايضة الاقتصادية.
المصدر: قسم الرصد والمتابعة في "بغداد اليوم"
بغداد اليوم - بغداد تواجه الدول التي يتغلغل فيها الفساد خيارين لا ثالث لهما: إما بناء مؤسسات رقابية قادرة على ردع النهب وإعادة توجيه المال العام نحو التنمية، أو البقاء داخل دوامة الاقتراض والعجز المزمن. وبينما اختارت السعودية الطريق الأول عبر تجربة ولي