بغداد اليوم – بغداد
وسط تعقيدات المشهد المالي وتزايد ضغوط الكتلة النقدية المتداولة، يفتح البنك المركزي العراقي الباب أمام خطوة تعدّ من أكثر القرارات حساسية في تاريخه النقدي الحديث، تتمثل في مشروع حذف الأصفار من العملة المحلية. وتأتي هذه الخطوة بالتوازي مع إعلان البنك عن رفع احتياطيه من الذهب من 90 طناً إلى 170 طناً، ليشكّل ما يقارب 20% من إجمالي أصوله، وليضع العراق في المرتبة الرابعة عربياً والتاسعة والعشرين عالمياً في حجم احتياطي الذهب.
وفي الوقت ذاته، أكّد نائب محافظ البنك المركزي، عمار خلف، أن لا نية لتعويم سعر صرف الدينار العراقي حفاظاً على استقرار السوق المالية والاقتصاد الوطني، مشيراً إلى أن “هناك نية لإزالة الأصفار من العملة من أجل تخفيف العبء الناتج عن تكدس الأوراق النقدية داخل القطاع المالي”، موضحاً أن الهدف من الإجراء هو تقليل تكاليف النقل والتخزين وتحسين كفاءة التداول النقدي.
غير أن هذه الخطوة، التي تبدو في ظاهرها فنية وإصلاحية، أثارت موجة من التساؤلات حول جدواها الفعلية، وما إذا كانت تمثل معالجة جذرية لأزمات السياسة النقدية، أم أنها مجرد إجراء تجميلي لتخفيف الضغط من دون الاقتراب من جوهر الاختلال البنيوي في الاقتصاد العراقي.
بحسب تقديرات مؤسسات نقدية دولية، فإن العراق يعيش اليوم تضخماً معتدلاً بنحو 2.5%، وهي بيئة مستقرة نسبياً مقارنةً بسنوات سابقة، لكن حجم الكتلة النقدية (M0) وصل إلى مستويات تاريخية في نهاية عام 2023، ما جعل التعامل النقدي عبئاً لوجستياً على المصارف والمؤسسات. توضح الدراسات المقارنة أن حذف الأصفار يُعدّ خطوة فنية محاسبية لا تغيّر القوة الشرائية، بل تُبسط العمليات الحسابية وتقلل أخطاء الأنظمة المالية. غير أن نجاح هذه الخطوة مرتبط بتكاملها مع إصلاح اقتصادي شامل، وليس بإجراء منعزل عن الواقع المالي العام.
الخبير في الشؤون الاقتصادية أحمد التميمي يرى خلال حديثه لـ"بغداد اليوم"، أن "مشروع إزالة الأصفار من العملة العراقية يمثل خطوة إصلاحية مهمة من شأنها تسهيل العمليات النقدية وتخفيف الأعباء الإدارية واللوجستية على النظام المالي والمصرفي في البلاد، شريطة أن يتم تطبيقه ضمن خطة مدروسة ومتكاملة تراعي الاستقرار الاقتصادي والسوقي".
ويضيف التميمي أن "تكدس الأوراق النقدية الناتج عن ضخامة الكتلة الورقية الحالية يعد عبئاً كبيراً على القطاع المالي، حيث يتطلب كلفاً إضافية في النقل والتخزين والإدارة، فضلاً عن صعوبة التعاملات اليومية للمواطنين والمؤسسات".
وفق مقاربات اقتصادية مقارنة، شهدت دول مثل تركيا عام 2005 وغانا عام 2007 نجاحاً نسبياً في حذف الأصفار بعد فترات استقرار طويلة وانضباط مالي صارم، حيث ساعدت الخطوة على خفض تكاليف التداول النقدي وتعزيز الثقة بالعملة. لكن التجارب الفاشلة، كما في زيمبابوي وفنزويلا، أظهرت أن حذف الأصفار دون إصلاح مؤسسي يفتح الباب لتضخم جديد ويقوض الثقة العامة بالعملة الوطنية.
يتابع التميمي قائلاً إن "إزالة الأصفار لن تغيّر من القوة الشرائية للدينار بحد ذاتها، لكنها ستسهم في تبسيط النظام المحاسبي والمالي، وتقليل الفوارق الرقمية الكبيرة في القوائم المالية، ما يجعل إدارة الأموال أكثر كفاءة وسهولة في الاستخدام داخل المؤسسات الحكومية والقطاع المصرفي الخاص".
ويشير إلى أن نجاح التجربة يعتمد على "توافر بيئة اقتصادية مستقرة، وتحكم فعّال بمعدلات التضخم، وتعاون وثيق بين البنك المركزي ووزارة المالية لضمان الانتقال السلس دون اضطرابات في السوق أو فقدان الثقة بالعملة الوطنية".
بحسب قراءات اقتصادية دقيقة، فإن العراق يقف اليوم أمام مفترق طريق بين إصلاح نقدي شامل وإجراء رمزي محدود الأثر. فإزالة الأصفار قد تكون مفيدة تقنياً، لكنها تصبح خطيرة إذا فُهمت كمحاولة لإخفاء الأزمات البنيوية تحت غطاء إداري. ويحذر محللون من أن سوء التوقيت أو ضعف التواصل مع الرأي العام قد يؤدي إلى التباس في التسعير، وربما إلى "جولات تضخمية صامتة" تستغلها بعض الأطراف التجارية.
يختم التميمي تصريحه بالقول إن "الهدف الأساس من هذه الخطوة هو تعزيز الثقة بالدينار العراقي، وتسهيل حركة التعامل المالي، وتقليل الأعباء الناتجة عن تكدس النقد الورقي، كما أنها إصلاح بنيوي في السياسة النقدية ينبغي أن يدرج ضمن برنامج إصلاح اقتصادي شامل يخدم استقرار الدينار ورفع كفاءته في التعاملات المحلية والدولية".
وتؤكد التحليلات الاقتصادية الحديثة أن تعزيز الاحتياطي الذهبي يمنح البنك المركزي غطاءً معنوياً لأي إصلاح نقدي مقبل، لكنه لا يُغني عن الضبط المالي والرقابة الصارمة على الإنفاق العام، وإعادة بناء الثقة بين السياسة النقدية والمجتمع الاقتصادي.
المصدر: قسم الرصد والمتابعة في "بغداد اليوم"
بغداد اليوم- متابعة أعلن نادي برشلونة رسميًا، اليوم الأربعاء، (15 تشرين الأول 2025)، تجديد عقد لاعب الوسط الهولندي فرينكي دي يونج حتى 30 حزيران 2029. ووفقًا للعقد الجديد، ستكون قيمة الشرط الجزائي 500 مليون يورو، أي بزيادة قدرها 100 مليون عن عقده السابق،