اقتصاد / سياسة / ملفات خاصة اليوم, 19:30 | --

اختبار جديد


الاستثمارات الأمريكية في العراق.. عودة "الحيتان" من بوابة النفط والشراكة "المشروطة"

بغداد اليوم – بغداد

منذ سقوط النظام السابق عام 2003، شكّلت الولايات المتحدة أحد أبرز الفاعلين الاقتصاديين في العراق عبر بوابة الإعمار والطاقة.

فخلال العقدين الماضيين، تنقّل الحضور الأمريكي بين مراحل الانفتاح والسيطرة على مفاصل الاقتصاد، إلى فترات انكماش وانسحاب تدريجي لصالح شركاء آسيويين، في مقدمتهم الصين.

وتُقدّر الاستثمارات الأمريكية في العراق خلال تلك المدة بعشرات المليارات من الدولارات، تركزت في قطاعات النفط والغاز والكهرباء والتمويل والبنى التحتية، إلا أن ما نُفّذ فعليًا لا يتجاوز ثلث المشاريع المعلنة، بحسب تقارير البنك الدولي ووزارة الخارجية الأمريكية.

ويشير تقرير مناخ الاستثمار في العراق لعام 2024 الصادر عن الخارجية الأمريكية إلى أن البلاد "ما تزال بيئة عالية المخاطر للاستثمار الأجنبي بسبب البيروقراطية، والفساد، وضعف تنفيذ القوانين التجارية، وانعدام الشفافية في العقود العامة".

إكسون موبيل

تُعد شركة إكسون موبيل (ExxonMobil) النموذج الأبرز لتقلّب علاقة المستثمر الأمريكي بالعراق. ففي عام 2009 دخلت الشركة بقوة من خلال عقد تطوير حقل غرب القرنة/1، أحد أكبر الحقول في البصرة، لكنها واجهت لاحقاً سلسلة خلافات مع وزارة النفط حول شروط التعاقد وآليات استرداد النفقات.

وبعد استرداد استثماراتها، أعلنت انسحابها رسميًا عام 2023، لتبيع حصتها البالغة 22.7% إلى شركة نفط البصرة مقابل نحو 350 مليون دولار. إلا أن المشهد لم ينتهِ هنا؛ ففي تشرين الأول 2025، كشفت تقارير بلومبيرغ ورويترز عن عودة الشركة إلى التفاوض مع الحكومة العراقية من بوابة حقل مجنون في البصرة، ضمن اتفاق مبادئ أكثر سخاءً يشمل تطوير البنية التحتية لتصدير النفط وتقاسم الأرباح من التسويق الخارجي.

وفي هذا السياق، رعى رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني مراسم توقيع اتفاقية مبادئ (HOA) بين وزارة النفط وشركة إكسون موبيل الأمريكية بحضور نائب رئيس الشركة بيتر لاردن والقائم بالأعمال الأمريكي لدى بغداد، حيث أكد السوداني أن الاتفاق "خطوة مهمة لمستقبل قطاع النفط في العراق وتطوير العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة"، مشددًا على "الحرص على جذب الاستثمارات العالمية وتحديث البنية التحتية للصناعة النفطية".

أما الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، فقد أشار في قراءة له إلى أن "عودة إكسون موبيل بعد بيعها حصتها السابقة في غرب القرنة بـ350 مليون دولار تُثير تساؤلات حول نمط العقود الجديدة ومدى سخائها"، متسائلًا عما إذا كانت هذه العودة "تمثل انفتاحًا استثماريًا طويل الأمد أم مجرد صفقة آنية تُعيد إنتاج مشهد الانسحاب السابق بعد تحقيق الأرباح واسترداد النفقات".

جنرال إلكتريك

في المقابل، تمكنت شركة جنرال إلكتريك (GE) من الحفاظ على حضور ميداني قوي في العراق، إذ نفذت حزم مشاريع تزيد قيمتها على 1.2 مليار دولار بين عامي 2020 و2023، شملت توريد وصيانة وحدات توليد في البصرة والحلة وبازيان.
ورغم الإنجاز الفني، عطّلت مشكلات التمويل والدفع بعض العقود، ما دفع الشركة إلى إعادة التفاوض بشأن الضمانات السيادية مع الحكومة العراقية لتأمين مستحقاتها واستمرار التزاماتها التشغيلية.

كما تشير وثائق البنك الدولي إلى أن مؤسسات التمويل الدولية موّلت مشاريع كهرباء بقيمة 2.5 مليار دولار منذ عام 2005، شاركت فيها شركات أمريكية ضمن برامج إعادة الإعمار وتحسين شبكات النقل والتوزيع.

القطاع المالي

رغم حديث متكرر عن نية مصارف أمريكية دخول السوق العراقية، فإن الوجود الفعلي اقتصر على مكاتب تمثيل محدودة مثل Citigroup. ويرتبط هذا الحذر بإجراءات وزارة الخزانة الأمريكية منذ عام 2023 ضد مصارف عراقية متهمة بضعف الامتثال المالي، ما جعل التحويلات الدولارية أكثر تعقيدًا وكلفةً.

في المقابل، واصلت مؤسسة التمويل الدولية (IFC)، وهي ذراع البنك الدولي التي تعمل بتنسيق أميركي، ضخ تمويلات مباشرة وغير مباشرة تجاوزت 2.5 مليار دولار لدعم القطاع الخاص العراقي منذ عام 2005، شملت مشاريع في التمويل والزراعة والإنتاج الغذائي.

بيئة طاردة للاستثمار

يُجمع الاقتصادي نبيل المرسومي في تحليلاته المنشورة عبر صفحاته الرسمية وتصريحاته لوسائل الإعلام، أن البيئة الاستثمارية في العراق ما تزال طاردة لرأس المال الأجنبي والمحلي، نتيجة غياب الضمانات القانونية والمالية وتداخل المصالح السياسية بالاقتصادية. قال المرسومي إن "البيئة العراقية تعد بيئة طاردة للاستثمار سواء أكان الاستثمار دولياً أو محلياً"، موضحًا أن "الظروف الأمنية والفساد الإداري وغياب العدالة في المنافسة تجعل المستثمرين يحجمون عن الدخول في مشاريع طويلة الأمد". 

وفي تصريح آخر، أشار إلى أن "الاستثمار الأجنبي ما يزال يواجه تحديات جدية تتعلق بتأخر البنى التحتية، وتعقيد الإجراءات البيروقراطية، وانتشار السلاح المنفلت، ما يجعل أي مشروع استثماري عرضة للتقلبات السياسية والأمنية". كما لفت المرسومي في تحليل منفصل إلى أن العقود النفطية الكبرى تُستغل سياسياً داخل وخارج العراق، مبينًا أن بعض المشاريع تُستخدم كمؤشرات على النفوذ الدولي أكثر من كونها مشاريع اقتصادية حقيقية. وأكد أن غياب الرؤية الاقتصادية الموحدة جعل العراق يتحول إلى سوق لتصريف المشاريع السياسية أكثر من كونه بيئة إنتاجية جاذبة لرأس المال، داعياً إلى إصلاح تشريعي جذري وتوحيد المرجعيات الإدارية بين المركز والمحافظات.

تُظهر حصيلة العقدين الماضيين أن الاستثمار الأمريكي في العراق لم يختفِ، لكنه تغيّر في الشكل والمضمون. فبعد أن كان قائماً على السيطرة المباشرة، أصبح اليوم يعتمد على الشراكات المشروطة والتمويلات الانتقائية والمشاريع الجزئية.

في النفط، تسعى واشنطن إلى استعادة موطئ قدمها عبر حقل مجنون؛ وفي الكهرباء، تواصل جنرال إلكتريك حضورها رغم العقبات؛ وفي التمويل، تمارس الشركات الأمريكية وجوداً محسوباً يخضع لرقابة مشددة من الخزانة. ويبقى جوهر المشكلة، كما يصفه نبيل المرسومي، أن "الاستثمار في العراق لا يُقاس بحجم العقود، بل بمدى صدق الدولة في حماية المال العام وتطبيق الشفافية على الجميع".

المصدر: قسم الرصد والمتابعة في "بغداد اليوم"

أهم الاخبار

للمرة الرابعة.. منتخب مصر يتأهل إلى كأس العالم 2026

بغداد اليوم- متابعة خرج المنتخب المصري من ملعب نظيره الجيبوتي مساء يوم الأربعاء، (8 تشرين الأول 2025)، ببطاقة التأهل إلى نهائيات بطولة كأس العالم لكرة القدم 2026، بعد فوزه عليه (3-0) في الجولة التاسعة من تصفيات إفريقيا. افتتح اللاعب المصري إبراهيم عادل

اليوم, 21:36