سياسة / أمن / ملفات خاصة اليوم, 15:30 | --

بيانات واجتماعات مرتقبة


الفصائل "مصدومة" من خطاب وزارة الحرب الأمريكية: كيف تحول "الانسحاب" إلى "خفض وتموضع"؟

بغداد اليوم - بغداد

يقف العراق أمام مفصل قانوني–سياسي–أمني يتجاوز الجدل التقليدي حول بقاء القوات الأجنبية أو رحيلها إلى سؤال أدق: من يملك تعريف “الانسحاب”؟ الدستور واتفاقية الإطار الاستراتيجي يوفران إطاراً عاماً لتنظيم العلاقة الأمنية مع الولايات المتحدة، لكن التطبيق العملي تحكمه توازنات القوة داخل الدولة، ومقتضيات الشراكات الدولية، وحسابات الردع الإقليمي. في هذا المشهد، يبرز خلاف جوهري بين مقاربة أمريكية تُعيد توصيف وجودها باعتباره “خفضاً وإعادة تموضع” وبين مطلب فصائلي يعتبر السيادة مرادفة للخروج الكامل وغير القابل للتجزئة. وفق مقاربات معاصرة، فإن اللحظة الراهنة لا تقاس بعدد الجنود بقدر ما تُقاس بإعادة تعريف القواعد الحاكمة لاستخدام القوة والسيطرة على المجالين الجوي والبري داخل الإقليم الوطني.

الاتفاق المعلن بين الحكومة والأمريكان عام 2024 كان مفصلياً. نص على انسحاب مرحلي يبدأ في سبتمبر 2025 وينتهي نهاية 2026، وأُعلن حينها أنه سيُنهي الوجود العسكري الأجنبي. لكن تفاصيل الاتفاق تضمنت إنشاء علاقة استشارية جديدة قد تسمح بوجود محدود للقوات الأمريكية. هذه الثغرة لم تُثر جدلاً كبيراً وقتها، لكنها اليوم أصبحت محور الخلاف. واشنطن تستند إليها لتقول إن ما يجري الآن هو "خفض وتموضع"، لا "انسحاب كامل"، بينما ترى الفصائل أن أي بقاء تحت أي مسمى يعني خرقاً للاتفاق. بهذا الشكل تحوّل اتفاق 2024 من وعد بالانسحاب إلى أداة بيد كل طرف يفسرها بما يخدم رؤيته.

بيان وزارة الحرب

البيان الأمريكي الذي تلاه المتحدث باسم وزارة الحرب، شين بارنيل، لم يترك مجالاً للبس. واشنطن تقول إنها ستخفض من وجود المهمة العسكرية، معتبرة أن ذلك يمثل انتقالاً من مواجهة تنظيم داعش إلى "شراكة استراتيجية مستمرة" مع العراق. البيان شدد على المصالح الأمريكية، وعلى دعم الاقتصاد العراقي وجذب الاستثمارات، لكنه لم يشر إلى جدول زمني واضح ولا إلى خروج نهائي من الأراضي العراقية. هنا تكمن المعضلة: النص الأمريكي لم يعد يتحدث عن انسحاب بقدر ما يتحدث عن إعادة صياغة الدور. وهو ما يعني عملياً بقاء القوات تحت مسميات جديدة، قد تكون "استشارية" أو "تدريبية"، لكنها في النهاية وجود عسكري أجنبي على الأرض. وهذا ما تعتبره الفصائل العراقية خروجاً عن الاتفاق الأصلي وتراجعاً عن التعهدات السابقة.

موقف الفصائل

تتجه الساعات المقبلة إلى بيان منسّق أو متوازٍ للفصائل العراقية يحدد مسار المرحلة التالية. توقع مصدر مقرب من الفصائل العراقية، الأربعاء، صدور بيان خلال الساعات الـ72 المقبلة، يلخص رؤية الفصائل بشكل موحد أو عبر بيانات منفردة، بشأن بيان وزارة الحرب الأمريكية الأخير والمتعلق بخفض الوجود العسكري في العراق. تشير المداولات الدستورية إلى أن الانتقال من التصريحات المتفرقة إلى بيان منهجي يعادل تحويل الموقف السياسي إلى “وثيقة مرجعية” تُبنى عليها المفاوضات وتُقاس بها مستويات الامتثال، سواء داخل مؤسسات الدولة أو في التفاهمات الثنائية مع واشنطن.

تتعامل الفصائل مع بيان “التخفيض” بوصفه محاولة لتغيير شكل الوجود لا إنهائه. وقال المصدر في حديث لـ"بغداد اليوم"، إن "الفصائل العراقية بمختلف مسمياتها تابعت بيان البنتاغون حول تقليص وجوده العسكري في العراق، والانتقال إلى آلية جديدة للتعاطي العسكري بين واشنطن وبغداد"، مبيناً أن "الموقف الرسمي للفصائل سيُعلن إما بشكل موحد أو عبر بيانات منفردة لكل فصيل على حدة". تُظهر البحوث القانونية المقارنة أن التمييز بين “الانسحاب” و“إعادة التموضع” ليس لغوياً، بل يترتب عليه آثار مباشرة على السيادة التشغيلية، وترتيبات قواعد الاشتباك، وحجم الأثر الأمريكي في قرارات الأمن الوطني. وفق تقديرات مؤسساتية، فإن توحيد البيان – إن تحقق – يمنح الموقف المحلي كتلة تفاوضية حرجة ويقلل من المساحات الرمادية في تفسير الالتزامات.

في المقابل، تتمسك الفصائل بمفهوم حديّ للسيادة لا يقبل بقاء مهمة استشارية أو تدريبية طالما أن الوجود يبقى عسكرياً. وأضاف أن "الفصائل متفقة على ضرورة الانسحاب الشامل والكامل للقوات الأمريكية من العراق، إذ ترى أن مغادرة هذه القوات تصب في صالح أمن واستقرار البلاد". بحسب قراءات نقدية في الفقه الدستوري، فإن ربط الاستقرار الداخلي بإخراج القوات الأجنبية يستند إلى تصور يعتبر احتكار الدولة لاستخدام القوة ووحدة القرار الأمني شرطين لازمين لإغلاق حلقات العنف السياسي. غير أن تحليلات سياسية حديثة تحذر من أن تحويل هذا المبدأ إلى “مهلة نهائية” بلا مسار تنفيذي واضح قد يدفع إلى خيارات تصعيدية تُضعف مؤسسات الضبط المدني بدل أن تقويها.

اجتماع للإطار

وفي خضم هذا الجدل، أكد عضو الإطار التنسيقي، عدي عبد الهادي لـ"بغداد اليوم"، أن قوى الإطار ستعقد اجتماعاً خلال الأيام المقبلة لمناقشة بيان البنتاغون. وقال في تصريح لـ"بغداد اليوم"، إن "بيان وزارة الدفاع الأمريكية أوضح أن وجودها العسكري في العراق سيتم تقليصه، وهو ما سيدفع قوى الإطار إلى عقد اجتماع مهم لمناقشة هذا التطور والخروج برؤية موحدة للتعامل معه". وأضاف أن "الاتفاقية الاستراتيجية بين بغداد وواشنطن، التي تتضمن جوانب تتعلق بالتعاون العسكري وأخرى فنية، ستبقى سارية المفعول"، مشيراً إلى أن "الإطار سيصدر بياناً يوضح موقفه بشكل صريح إزاء تقليص مهمة القوات الأمريكية وانتقالها إلى وضع جديد". وشدد عبد الهادي على أن "الإطار متفق على أن أمن واستقرار العراق خط أحمر، ويجب تحييد البلاد عن ارتدادات ما يجري في الشرق الأوسط، مع السعي الدائم لتعزيز الاستقرار بما يخدم مصالح العراق العليا".

رؤية مغايرة

بموازاة ذلك، يرى الخبير العسكري اللواء المتقاعد جواد الدهلكي خلال حديثه لـ"بغداد اليوم"، أن الإعلان الأمريكي يمثل تحولاً في طبيعة العلاقة بين بغداد وواشنطن. وقال لـ"بغداد اليوم" إن "إعلان وزارة الدفاع الأميركية البدء بتخفيض الوجود العسكري الأميركي في العراق، والانتقال نحو مرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية، يمثل تحولاً نوعياً في طبيعة العلاقات الثنائية، وتعبيراً عن مرحلة نضوج في إدارة الملف الأمني والسياسي بين بغداد وواشنطن". وأوضح أن القرار لا يعني انسحاباً كاملاً أو فراغاً أمنياً، بل هو إعادة صياغة للوجود من صيغة الانتشار القتالي إلى صيغة الدعم الاستشاري والتعاون الاستخباري وتطوير قدرات القوات العراقية. وأضاف أن "التحول إلى الشراكة الاستراتيجية سيشمل مجالات متعددة، أبرزها التدريب العسكري وتطوير المنظومات الدفاعية، إضافة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي"، معتبراً أن هذا الإطار يسعى لتكريس علاقة طويلة الأمد قائمة على المصالح المشتركة وليس على الوجود العسكري المباشر.

الأزمة إلى أين؟

تتقاطع هذه المطالب مع حسابات الحوكمة داخل بغداد؛ فالحكومة مطالبة بإدارة معادلة دقيقة: تثبيت مفهوم السيادة كقاعدة حاكمة للملف، والحفاظ على قنوات تعاون استخباري وعسكري لازمة لدرء تهديدات الإرهاب ومنع الفراغ الأمني، وتفادي كلفة عقوبات أو توترات دولية. وأكد المصدر أن "الموقف النهائي سيتحدد من خلال بيانات رسمية تصدر عن الفصائل، وسيشكل بوصلة واضحة للتعاطي مع المرحلة المقبلة". تفيد تقديرات بحثية مستقلة بأن “البوصلة” المتوقعة ستضغط على الحكومة لصياغة جدول زمني مُعلن ومؤطّر قانونياً، يحدد مراحل الخفض، ونطاق المهام المسموح بها، وآليات تسليم المواقع، وقواعد إدارة المجال الجوي، ضمن مسار قابل للتدقيق وطنياً.

في المستوى القانوني، يفرض المشهد تحديدات دقيقة: ما هو السقف الدستوري لتواجد أجنبي تحت مسمى “استشارة” أو “تدريب”؟ وما هو التكييف القانوني لإعادة تموضع داخل الإقليم الوطني مقارنةً بانسحاب عبر الحدود؟ تُظهر البحوث القانونية المقارنة أن ضبط المصطلحات في نصوص مُعلَنة – بقرارات حكومية وبرلمانية – يقلّص التفسيرات المتعارضة ويمنع استخدام العبارات الملساء كـ“خفض” و“انتقال” لتمديد الوقائع إلى ما لا نهاية. بحسب معطيات بحثية أولية، فإن أي تفاهم جديد يحتاج إلى ملحقين حاكمين: ملحق عملياتي يحدد المهام والتواجد المكاني والزمني، وملحق رقابي يتيح قياس الامتثال وجدولة المراجعة الدورية ونشر تقارير شفافة للرأي العام.

أما في المستوى الأمني، فإن ترجمة “الانسحاب الكامل” إلى خطوات عملية تستدعي معالجة ثلاثة ملفات متداخلة: إدارة الفراغ العملياتي في مناطق كانت تعتمد على إسناد جوي أو استخباري؛ إعادة توزيع أعباء المهام بين القوات الاتحادية، والبيشمركة، وأجهزة الاستخبارات؛ وتثبيت بروتوكولات صارمة للسيادة الجوية تمنع الخروقات وتحدد المسؤولية القانونية عنها. تفيد التقديرات المؤسسية بأن هذا المسار لن يكتمل بلا غرفة تنسيق وطنية موحدة تتولى جدولة التسليم، وقياس الجاهزية، وتجاوز تداخل الصلاحيات بين الجهات الأمنية.

اقتصادياً، تُرجّح مقاربات سياسية–اقتصادية متقاطعة أن مساراً واضحاً وشفافاً للخفض وصولاً إلى الانسحاب الفعلي يُقلّص كلفة عدم اليقين على الاستثمار الأجنبي المباشر، ويعيد تعريف المخاطر السيادية لدى المصارف والمؤسسات الدولية. أما الإبقاء على صياغات مطاطة من دون خارطة تنفيذ، فيُبقي علاوة المخاطر مرتفعة ويقيد القدرة على جذب رؤوس الأموال، خصوصاً في قطاعات الطاقة والبنى التحتية التي تتطلب استقرار قواعد الأمن والسيادة.

في المآل، لا تُختَبر السيادة بالشعارات ولا تُختزل بالأعداد، بل تُقاس بمدى قدرة الدولة على تعريف الوجود الأجنبي قانونياً، وضبطه مؤسساتياً، ومراجعته زمنياً، وتحمّل مسؤولية أمنها وحدودها ومجالها الجوي بلا تفويض مضمر. إن البيان المنتظر من الفصائل، وفق ما نقله المصدر، يمكن أن يتحول من ورقة موقف إلى إطار ضبط إذا ما وُضع داخل مسار حكومي مُعلن ومُلزِم. استنتاجاً، يمرّ الملف بمنعطف لا يحتمل الغموض: إمّا مسار قانوني–تنفيذي مُحكَم يترجم “الخفض” إلى خارطة خروج قابلة للتدقيق وصولاً إلى إنهاء التواجد العسكري الأجنبي، وإمّا إعادة إنتاج الحلقة المفرغة ذاتها التي تبقي المصطلحات فضفاضة والوقائع ثابتة، وتحمّل مؤسسات الدولة كلفة التعارض الدائم بين النص والواقع.

المصدر: قسم الرصد والمتابعة في "بغداد اليوم"

أهم الاخبار

حماس تطلب ادخال تعديلات على بنود خطة ترامب

بغداد اليوم- متابعة بعدما أمهل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حركة حماس أياماً قليلة للرد على مقترحه حول غزة، كشف مصدر من الحركة أن الأخيرة طلبت من الوسطاء القطريين والمصريين توضيح بعض البنود والنقاط الواردة في الخطة. وأضاف المصدر، اليوم الأربعاء، (1

اليوم, 17:12