سياسة / ملفات خاصة اليوم, 12:00 | --


المقاطعة وتهديد الفصائل يقلبان المعادلة.. تأجيل الانتخابات وحكومة الطوارئ "قاب قوسين" أو أدنى

بغداد اليوم - بغداد

ينص الدستور العراقي على أن الانتخابات النيابية تمثل حجر الزاوية في إعادة إنتاج الشرعية السياسية بشكل دوري، وأن تأجيلها أو تعطيلها لا يُفترض أن يقع إلا لظروف استثنائية قصوى. منذ 2005 وحتى الآن، لم يشهد العراق تأجيلًا بفعل تهديد خارجي مباشر، بل جاءت التعثرات غالبًا من الداخل، سواء عبر الطعون القانونية أو الأزمات السياسية. غير أن الدورة الحالية تأتي في ظل سياق مختلف: انسحاب التيار الصدري، اتساع رقعة العزوف الشعبي، وبيئة إقليمية متوترة تصل إلى حد التهديد الإسرائيلي بضرب فصائل عراقية فضلاً عن إيران. وفق تقديرات سياسية-قانونية متقاطعة، فإن هذه العناصر تجعل من الانتخابات المقبلة استحقاقا دستوريا محاصرا بالمتغيرات الأمنية والإقليمية.

الباحث في الشأن السياسي ياسين عزيز أوضح بحديث لـ"بغداد اليوم"، أن "العراق متأثر ولا يؤثر في سياقات التطورات في المنطقة، وحول إمكانية إجراء الانتخابات من عدمه فالتوقعات تشير إلى أنها ستُجرى إلا في حال حدوث شيء كبير وتطور مهم في المنطقة ومنها الضربة المتوقعة توجيهها إلى إيران أو فصائل عراقية". هذا الطرح يعكس هشاشة الداخل أمام أي تصعيد خارجي، خاصة وأن ضربة على إيران قد تُحوّل العراق إلى ساحة ارتدادية. تؤكد تحليلات قانونية معمقة أن الدستور لم يُقدّم آلية واضحة لتأجيل الانتخابات بسبب حرب إقليمية، ما يفتح الباب أمام اجتهادات استثنائية قد تُحدث ارتباكًا في مسار العملية الديمقراطية.

عزيز أضاف أن "أي ضربة على إيران ستؤدي إلى حرب جديدة في المنطقة، وهو برأيي الأمر الوحيد الذي يمكن أن يساهم في تأجيل الانتخابات إلى أجل غير معلوم". هذه المقاربة تسلط الضوء على مركزية الأمن في تقرير مصير الاستحقاقات الدستورية. وفق مقاربات بحثية مستقلة، فإن أي انهيار أمني يضع شرعية العملية على المحك، ويجعل التمديد أو التأجيل أمرًا واقعًا حتى لو تعارض مع النصوص القانونية.

وحول البدائل المطروحة، يرى عزيز أن "أما عن حكومة طوارئ في العراق فسيكون هذا الأمر بدعة في تاريخ العملية السياسية لكن لا شيء مستحيل في ظل عملية سياسية تحكمها الصفقات". بالمقابل، نفى تحالف الفتح بزعامة هادي العامري وجود أي فكرة لتشكيل حكومة طوارئ، إذ قال القيادي محمود الحياني لـ"بغداد اليوم" إن "العراق بأصعب الظروف لم يلجأ لهكذا فكرة خاصة وأن الأوضاع اليوم مستقرة سياسيًا وأمنيًا". غير أن المحلل الاستراتيجي أحمد الشريفي قدّم قراءة مختلفة، مؤكداً أن العراق سيتجه إلى تشكيل حكومة طوارئ إذا ما تعرضت إيران أو الفصائل العراقية لقصف مباشر، في إشارة إلى أن السيناريو الأمني الإقليمي قد يفرض بدائل استثنائية على الداخل حتى لو لم تُطرح رسميًا الآن. وفق تقديرات مؤسساتية، يعكس هذا التباين حجم التوتر بين الرؤية السياسية التي تحاول طمأنة الداخل، والتحليل الأمني الذي يضع احتمالات الحرب كخيار مرجّح.

المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بدورها شددت على التزامها بالمواعيد، إذ قال رئيس الفريق الإعلامي للمفوضية عماد جميل إن "انتخابات مجلس النواب ستُجرى في موعدها المحدد دون أي تأجيل أو تأخير، ولا يوجد أي معرقل أو مسبب قد يدفع نحو التأجيل". هذا الموقف، بحسب تقديرات مؤسساتية، يهدف إلى ترسيخ الثقة بالعملية ومنع أي فراغ قد يفتح المجال أمام التشكيك.

أستاذ العلوم السياسية خالد العرداوي اعتبر بحديث سابق لـ"بغداد اليوم"، أن "تأجيل انتخابات مجلس النواب المقبلة أمر طبيعي"، مشيرًا إلى أن "مقدار هذا التدهور وتأثيره يعتمد على تطورات الأحداث، ومصالح القوى السياسية النافذة ومدى استعدادها لخوض الانتخابات من عدمه". وأضاف أن "من خلال ما يرشح من حديث داخل أروقة الحكومة عن النية لتشكيل حكومة طوارئ، قد تتسارع الأحداث بشكل خطير مما يستدعي الذهاب نحو حكومة طوارئ". هذه القراءة، بحسب المداولات الدستورية، تكشف أن التأجيل إذا تم بقرار سياسي دون مبرر أمني ملح، فإنه سيُشكّل مؤشرًا سلبيًا على المسار الديمقراطي وقد يفتح باب صراع داخلي على شرعية الحكم.

كما أن قانون الانتخابات نفسه يمثل جزءًا من الأزمة. فقد شهد تعديلات متكررة منذ 2003، أبرزها بعد احتجاجات تشرين 2019 التي دفعت نحو نظام الدوائر المتعددة لتعزيز تمثيل المستقلين. غير أن القانون بصيغته الحالية ما يزال محل جدل واسع، وسط دعوات لتعديله مجددًا للحد من تأثير المال السياسي واستغلال موارد الدولة في الحملات. تشير الدراسات التطبيقية إلى أن استمرار هذه الثغرات يعمّق أزمة الثقة بالعملية الانتخابية ويُفاقم من عزوف الناخبين.

رغم كل هذه التحديات، فإن القوى السياسية الممسكة بالسلطة ترفض فكرة التأجيل. قادة الإطار التنسيقي وصفوا أي دعوة للتأجيل بأنها "خيانة للعملية الديمقراطية"، فيما حذّر زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي من "خطر جسيم" إذا جرى تأجيل الانتخابات. وفق تقديرات سياسية حديثة، ينبع هذا الإصرار من إدراك أن أي تأجيل قد يفتح فراغًا سياسيًا يصعب ضبطه، خصوصًا مع المقاطعة الصدرية والعزوف المدني.

يتضح أن المشهد الانتخابي العراقي يدار اليوم عبر توازن دقيق بين النصوص الدستورية والوقائع السياسية والإقليمية. فبينما يصرّ تحالف الفتح ودولة القانون والمفوضية على أن الانتخابات ستُجرى في موعدها، يرى باحثون وأكاديميون أن أي تصعيد أمني أو قرار سياسي مفاجئ قد يفتح الباب أمام سيناريو التأجيل. ومع دخول التحليلات الاستراتيجية التي تتحدث عن خيار حكومة الطوارئ في حال قصف إيران أو الفصائل، يصبح الاستحقاق الانتخابي رهينًا بالمتغيرات الإقليمية أكثر من أي وقت مضى. في الحالتين، تبقى الانتخابات المقبلة امتحانًا عسيرًا لصلابة النظام السياسي وقدرته على الصمود أمام الضغوط الداخلية والخارجية معًا.

المصدر: قسم الرصد والمتابعة في "بغداد اليوم"

أهم الاخبار

مجلس النواب يؤجل انعقاد جلسته نصف ساعة

بغداد اليوم - بغداد أعلنت الدائرة الإعلامية لمجلس النواب، اليوم الأربعاء (1 تشرين الأول 2025)، أجيل انعقاد جلسة البرلمان نصف ساعة. وذكر بيان للدائرة في بيان مقتضب تلقته "بغداد اليوم"، أنه "تقرر تأجيل انعقاد جلسة مجلس النواب لمدة نصف

اليوم, 13:17