سياسة / ملفات خاصة اليوم, 14:00 | --

تحديات الأجيال المقبلة


حين تُخفى الأزمات تحت ستار الانتخابات.. العراق يقترب من مفترق خطير - عاحل

بغداد اليوم - بغداد

يقف العراق اليوم أمام تحدٍ وجودي يتجاوز الحسابات السياسية والانتخابية، إذ تفرض التغيرات المناخية نفسها كأحد أخطر الملفات التي تهدد الأمن الوطني بمختلف أبعاده. فالمعادلة لم تعد مقتصرة على تراجع مناسيب المياه أو موجات الغبار الموسمية، بل أصبحت مرتبطة مباشرة بمستقبل الزراعة، والهجرة الداخلية، واستقرار المدن، وبقدرة الدولة على توفير الغذاء والطاقة لمواطنيها. وفق تقارير دولية، يُعد العراق من بين أكثر خمس دول هشاشة تجاه التغيرات المناخية في العالم، وهو ما يضاعف الحاجة إلى خطط وطنية عاجلة ومتكاملة.

تشير الدراسات إلى أن العراق يسجل معدلات مرتفعة لارتفاع درجات الحرارة، في وقت تتراجع فيه كميات الأمطار وتتسع فترات الجفاف. البنك الدولي حذّر مؤخراً من أن العراق يواجه "أزمة تنموية-مناخية متعددة الأبعاد" إذا لم تتخذ إجراءات استباقية للتكيّف والتخفيف. كما أفادت تقارير مناخية أن نهري دجلة والفرات يشهدان انحساراً متزايداً في مناسيب المياه بفعل التغير المناخي والسياسات الإقليمية، ما يهدد الأمن المائي والغذائي معاً.

المختص في الشأن البيئي مرتضى الجنوبي أكد لـ"بغداد اليوم" أن "العراق يواجه في السنوات القليلة المقبلة تحديات مناخية غير مسبوقة، تتمثل في ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة معدلات التصحر، وتراجع مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات، فضلاً عن تزايد العواصف الغبارية التي تؤثر بشكل مباشر على الصحة العامة والأنشطة الاقتصادية". هذا التشخيص يعكس، بحسب تقديرات بحثية مستقلة، انتقال المخاطر المناخية من خانة التوقعات المستقبلية إلى مستوى التهديد المباشر الذي يفرض نفسه على الواقع اليومي للمواطنين.

أوضح الجنوبي أن "استمرار هذه التغيرات دون خطط جادة سيؤدي إلى تراجع الرقعة الزراعية، وهجرة سكانية من المناطق الريفية إلى المدن، وزيادة الضغط على الموارد والخدمات الأساسية". هذه المخرجات تُترجم في سياق أوسع إلى تآكل الاقتصاد الزراعي الذي يشغّل شريحة واسعة من اليد العاملة العراقية، وتعميق الفوارق الاجتماعية بين المدن والمناطق المحرومة، فضلاً عن زيادة معدلات البطالة والتوترات الاجتماعية. تُظهر التجارب المقارنة في المنطقة أن الهجرة المناخية قد تتحول إلى مصدر أزمات أمنية وسياسية إذا لم يتم استيعابها عبر سياسات تخطيط عمراني وخدمات متكاملة.

شدد الجنوبي على أن "مواجهة هذه التحديات تتطلب تحركاً سريعاً ومشتركاً من الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، والحلول تبدأ بترشيد استهلاك المياه وتبني تقنيات الري الحديثة، وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح، إضافة إلى إطلاق برامج تشجير واسعة لمكافحة التصحر". وفق مقاربات سياسية حديثة، فإن هذه التوصيات تلتقي مع توجهات المؤسسات الدولية التي تدعو العراق إلى التحول نحو النمو الأخضر وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للاقتصاد.

وأضاف الجنوبي أن "الاستثمار في بناء منظومات إنذار مبكر للأحوال الجوية، والتوسع في الدراسات البحثية حول تأثيرات المناخ على العراق، ضرورة ملحة"، مؤكداً أن "قضية التغير المناخي لم تعد مسألة بيئية فحسب، بل هي تحد وطني يرتبط بالأمن الغذائي والصحي والاقتصادي، والعراق بحاجة إلى استراتيجية وطنية واضحة المعالم، مدعومة بإرادة سياسية وتمويل كافٍ، لضمان مستقبل آمن للأجيال القادمة". وتشير بيانات رقابية إلى أن غياب استراتيجية وطنية متكاملة حتى الآن جعل السياسات المناخية مجتزأة وموزعة بين وزارات مختلفة، ما أدى إلى ضعف التنسيق وفقدان الأولوية.

إن التحذيرات المتصاعدة من التغير المناخي في العراق لا تقتصر على الجوانب البيئية، بل ترتبط بشكل وثيق بالأمن القومي بمفهومه الشامل. استمرار الوضع الراهن يعني تقليص المساحات الزراعية، ازدياد موجات النزوح الداخلي، وتعاظم الأعباء على الاقتصاد والخدمات. في المقابل، فإن تبني استراتيجية وطنية متكاملة، تستند إلى الدستور والتزامات العراق الدولية، قد يحوّل التحدي المناخي إلى فرصة للنمو الأخضر وتنويع مصادر الدخل. بذلك يصبح مستقبل العراق البيئي ليس قضية فنية فحسب، بل خياراً سياسياً وجودياً سيحدد ملامح العقد المقبل.

المصدر: بغداد اليوم+ وكالات

أهم الاخبار

هل يمكن أن تكون المانغو وسيلة فعالة للوقاية من السكري؟ دراسة جديدة تكشف النتائج

بغداد اليوم - متابعة أفاد بحث جديد من جامعة جورج ميسون، الولايات المتحدة الأمريكية، اليوم الجمعة (26 أيلول 2025)، أن تناول المانغو يوميا قد يحسن مؤشرات السكر في الدم ويقلل دهون الجسم لدى المصابين بمقدمات السكري، رغم احتوائها على كمية سكر أعلى من العديد

اليوم, 15:49