بغداد اليوم - بغداد
يشكل ملف السجون في العراق أحد أعقد التحديات الأمنية والإنسانية منذ عام 2003، إذ تراكمت داخله مظاهر الخلل المؤسسي بين بطء الإجراءات القضائية، وغياب البنية التحتية الكافية، وتضخم أعداد الموقوفين قياساً بالطاقة الاستيعابية. الدستور العراقي أقر مبدأ صيانة حقوق الإنسان، والالتزام بالمعايير الدولية في معاملة النزلاء، لكن الواقع الميداني ظل بعيداً عن هذه النصوص، حتى وصل الاكتظاظ في فترات سابقة إلى حدود قاربت 300% من الطاقة التصميمية، في واحدة من أعلى النسب عالمياً. ورغم إعلان الحكومة مؤخراً تراجع هذه النسبة إلى حدود 132%، فإن الفجوة بين المؤشر القانوني والواقع العملي ما تزال واسعة، ما يجعل الإنجاز المعلن بشارة جزئية تخفي خلفها أزمة ممتدة.
العضو في لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، علاوي البنداوي، أوضح في حديث لـ"بغداد اليوم" أن "هناك انخفاض الملحوظ في نسب الاكتظاظ داخل السجون، وهذه الخطوة تمثل إنجاز مهم في مسار إصلاح المنظومة العقابية وتعزيز مبادئ العدالة الإنسانية". هذا التوصيف ينسجم مع التوجهات الحكومية في تسويق الإصلاح كمسار استراتيجي، إلا أن الواقع يطرح إشكاليات إضافية تتعلق بمدى كفاية هذا التراجع للوصول إلى المعدلات الطبيعية، إذ تشير بيانات رقابية مستقلة إلى أن النسبة المقبولة دولياً يجب أن تقترب من 100% أو أدنى، بينما ما زالت السجون العراقية تعمل فوق طاقتها بنحو الثلث.
وبحسب البنداوي فإن "نسبة الاكتظاظ التي كانت قد بلغت في سنوات سابقة ما يقارب 300%، وهو ما كان يشكل عبء كبير على المؤسسات الإصلاحية ويؤثر سلباً في أوضاع النزلاء وظروفهم المعيشية، قد انخفضت اليوم إلى حدود 132% فقط، بفضل الجهود المبذولة على أكثر من صعيد". هذا الاستشهاد يفتح الباب على الخلفية التاريخية للمشكلة، حيث أدى التضخم العددي إلى أزمات صحية ونفسية داخل السجون، فضلاً عن انتقادات حقوقية دولية متكررة. تُظهر التجارب المقارنة أن تجاوز الطاقة الاستيعابية بأكثر من 150% يعد حالة طوارئ إنسانية تستدعي تدخلات عاجلة، ما يجعل بلوغ العراق سابقاً سقف 300% دليلاً على فشل مؤسسي متراكم.
ويضيف البنداوي أن "هذا التراجع جاء نتيجة حزمة من الإجراءات، من بينها، التوسع في اعتماد بدائل العقوبات السالبة للحرية كالعقوبات المجتمعية والمراقبة الإلكترونية، وتطوير البنية التحتية للسجون عبر بناء مؤسسات إصلاحية جديدة وتأهيل القائم منها، إضافة الى تفعيل برامج إعادة التأهيل والإدماج للحد من حالات العود، كذلك تعزيز التنسيق بين السلطة القضائية والإدارة السجنية في ما يخص تسريع البت في القضايا". وفق تقديرات قانونية، تمثل هذه الخطوات تحركاً في الاتجاه الصحيح، لكنها تصطدم بعقبات مؤسسية أبرزها ضعف التمويل وغياب الكوادر المتخصصة لإدارة العقوبات البديلة. وتشير المداولات الدستورية إلى أن تسريع الإجراءات القضائية هو حجر الأساس في تقليص أعداد الموقوفين، إذ إن آلافاً من النزلاء يقبعون خلف القضبان بانتظار الحسم القضائي لسنوات.
البنداوي شدد على أن "هذا التحسن الملموس يجب أن يكون نقطة انطلاق لمزيد من الإصلاحات، والوصول إلى معدلات طبيعية للاكتظاظ داخل السجون يتطلب الاستمرار في تطوير البنية التحتية للسجون عبر بناء مؤسسات إصلاحية جديدة وتأهيل القائم منها". هنا يظهر البعد المؤسسي بوضوح، فالنظام العقابي العراقي لم يدخل بعد مرحلة الاستقرار، وما تحقق حتى الآن يُعد تخفيفاً نسبياً للكارثة وليس إنهاءً لها. يفسّر خبراء في الشأن المؤسسي أن استمرار النسبة فوق 100% يعني أن كل توسع في الطاقة الاستيعابية يجري ابتلاعه سريعاً بفعل غياب إصلاح قضائي شامل يحد من الاعتقالات العشوائية والاحتجاز طويل الأمد.
يتضح من خلال المؤشرات الرسمية وتصريحات اللجنة البرلمانية أن التراجع من 300% إلى 132% خطوة لا يمكن إنكارها، لكنها تظل ضمن حدود التخفيف لا الحل. فالمنظومة العقابية ما تزال بعيدة عن المعايير الدولية، والضغوط الحقوقية لن تتوقف عند مجرد انخفاض الأرقام، بل ستظل تطالب بمواءمة واقعية بين النصوص الدستورية والممارسة العملية. الأثر المباشر لهذا الوضع يتمثل في بقاء ملف السجون نقطة ضعف مؤسسية تضرب ثقة المواطن بالدولة، وتمنح المنظمات الدولية مبرراً دائماً لمساءلة العراق. أما المتغير الأوسع، فهو أن نجاح الحكومة في هذا الملف سيكون معياراً لقدرتها على تحقيق إصلاح مؤسسي يتجاوز الشعارات إلى التطبيق، وهو ما يجعل كل تحسن نسبي بمثابة مرحلة انتقالية تحتاج إلى ترسيخ لا إلى احتفاء مبكر.
المصدر: قسم الرصد والمتابعة في "بغداد اليوم"
بغداد اليوم - رئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني يستقبل رئيس المجلس الأعلى للقضاء في المملكة المغربية •••••••••• استقبل رئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني، اليوم الخميس، رئيس المجلس الأعلى للقضاء في المملكة المغربية القاضي محمد عبد