اقتصاد / ملفات خاصة اليوم, 12:00 | --


المصارف تتوسع والأرقام تقفز 1400%.. 5.6 ملايين بطاقة ترسم ملامح "الثورة المالية" في العراق

بغداد اليوم – بغداد

إعلان البنك المركزي العراقي عن وصول عدد بطاقات الموظفين الموطنة إلى 5.6 ملايين بطاقة لم يكن مجرد رقم إداري، بل إشارة عميقة إلى حجم التحول الجاري في الاقتصاد العراقي. هذا التحول يقرأه المختص في الشأن الاقتصادي ناصر الكناني بوصفه "خطوة استراتيجية كبيرة باتجاه التحول إلى الاقتصاد الرقمي وتعزيز الشمول المالي"، مؤكداً أن التوجه الجديد ينسجم مع المسار العالمي نحو تقليل الاعتماد على النقد وما يحمله من مخاطر مرتبطة بالتزوير وغسل الأموال وصعوبة الرقابة.

ويبيّن الكناني أن اعتماد أنظمة الدفع الإلكتروني يعني فتح نافذة واسعة أمام الشفافية المالية، وتحسين كفاءة الجباية والإيرادات الحكومية، وتقليص حجم الاقتصاد الموازي الذي ظل لعقود أحد معوّقات بناء اقتصاد منظم. ويضيف أن العراق إذا ما أحسن استغلال هذه المرحلة فسيحقق قفزة مضاعفة: من جهة يضبط حركة الأموال، ومن جهة أخرى يوسع قاعدة الشمول المالي بما يتيح للدولة والمجتمع فرصاً جديدة للاستثمار والادخار.

لكن التحدي لا يقل أهمية عن الطموح، إذ يشير الكناني إلى أن "البنية التحتية الرقمية والقدرة على تأمين شبكة دفع آمنة وموثوقة تغطي جميع المدن والأرياف" تبقى العائق الأكبر. فالفجوة بين المركز والأطراف قد تهدد هذا المشروع إذا لم يُرافق بجهد حكومي لتوسيع شبكة الإنترنت وضمان استقرار الكهرباء، إلى جانب رفع الثقافة المالية لدى المواطنين وتشجيعهم على استخدام الوسائل الإلكترونية. ومن هنا يشدد على ضرورة أن يكون هناك تعاون منسّق بين الحكومة والمصارف وشركات الدفع لتوفير حلول عملية لجميع الفئات، من الموظف الحكومي إلى المتقاعد وصاحب المهنة الحرة.

ولإسناد ما ذهب إليه الكناني، تكشف بيانات حكومية رسمية حجم القفزات التي تحققت خلال السنوات الثلاث الأخيرة. فعدد الحسابات المصرفية ارتفع إلى نحو 20 مليون حساب مقارنة بـ 8 ملايين فقط في 2022، بنسبة نمو تجاوزت 150%. أما البطاقات المصرفية بمختلف أنواعها فقد بلغت ما بين 21 و22 مليون بطاقة، مقابل 16 مليون بطاقة قبل ثلاث سنوات، أي بزيادة قدرها 38%. وتضاعفت البنية التحتية بوتيرة غير مسبوقة؛ إذ ارتفع عدد أجهزة نقاط البيع إلى 62 ألف جهاز بعد أن كان أقل من 10 آلاف في 2022، وقفز عدد أجهزة الصراف الآلي إلى 7531 جهازاً مقارنة بـ 2223 فقط قبل ثلاث سنوات.

هذه الأرقام، التي يصفها مختصون بالتحول النوعي، تتجلى أكثر عند النظر إلى إجمالي المدفوعات الإلكترونية، التي بلغت 1.37 ترليون دينار في أيار 2025، بعدما كانت لا تتجاوز 90 ملياراً نهاية 2022، أي بنسبة نمو وصلت إلى 1400%. كما ارتفعت نسبة الشمول المالي إلى حوالي 40% بعدما كانت أقل من 10% في 2019، وهو ما يعكس دخول شرائح واسعة من المجتمع في النظام المالي الرسمي بعد عقود من الاعتماد على النقد الورقي.

ويرى الكناني أن هذه المؤشرات إذا ما قُرنت بمشاريع حكومية قيد الإنجاز مثل تفعيل البطاقة المحلية بحلول نهاية 2025، وإطلاق الدفع السريع، واعتماد الجباية الإلكترونية الموحدة، وتوطين رواتب القطاع الخاص، فإن العراق سيكون على موعد مع "مرحلة جديدة تعيد تعريف العلاقة بين المواطن والدولة على أساس الشفافية والثقة"، شرط أن تُعالج المعوقات التقنية والتشريعية عبر خطة وطنية جدية ترافقها حملة توعوية شاملة.

وفي الخلاصة، يضع الكناني الخطوط العريضة للمشهد: من دون استثمار هذه الطفرة الرقمية، سيظل الاقتصاد العراقي أسير المخاطر ذاتها التي كبّلته لعقود. أما إذا استُثمرت بجدية، فإن موعد تموز 2026 الذي حدده البنك المركزي قد يتحول إلى نقطة انعطاف حقيقية، ينطلق منها العراق نحو اقتصاد أكثر انضباطاً وعدالة واندماجاً في المنظومة العالمية.

المصدر: بغداد اليوم+ وكالات

أهم الاخبار

أرقام رسمية لا تُخفي الأزمة: 132% اكتظاظ.. متى تُعلن حالة الطوارئ في السجون العراقية؟- عاجل

بغداد اليوم - بغداد يشكل ملف السجون في العراق أحد أعقد التحديات الأمنية والإنسانية منذ عام 2003، إذ تراكمت داخله مظاهر الخلل المؤسسي بين بطء الإجراءات القضائية، وغياب البنية التحتية الكافية، وتضخم أعداد الموقوفين قياساً بالطاقة الاستيعابية. الدستور

اليوم, 14:05