بغداد اليوم - بغداد
تتصل أي مواجهة عسكرية واسعة في فلسطين بسياقات إقليمية معقدة، إذ لا يمكن النظر إلى الحرب على غزة بمعزل عن التوازنات الأمنية والسياسية في الشرق الأوسط. فمنذ عقود، ارتبطت القضية الفلسطينية بدور محوري في صياغة مواقف الحكومات العربية، كما شكلت ميداناً لتقاطع المصالح الدولية والإقليمية. الدستور العراقي ذاته، في ديباجته، ربط الهوية الوطنية بالدفاع عن قضايا الأمة المركزية، وهو ما يجعل انعكاسات أي تصعيد في فلسطين قضية تتجاوز التضامن العاطفي إلى أبعاد سياسية وأمنية مباشرة.
يرى الخبير في الشؤون الاستراتيجية جاسم الغرابي خلال حديثه لـ"بغداد اليوم"، أن "أي خطوة إسرائيلية باتجاه احتلال غزة برياً وضمها تمثل تطوراً خطيراً لا تقتصر انعكاساته على الفلسطينيين فحسب، بل تمتد إلى عموم المنطقة بما في ذلك العراق، فالغزو البري يفتح الباب أمام موجة جديدة من التصعيد العسكري والسياسي، ويزيد من احتمالية توسع رقعة المواجهات لتشمل أطرافاً إقليمية فاعلة، ما قد يؤدي إلى خلخلة التوازنات الهشة أصلاً في الشرق الأوسط". وفق مقاربات سياسية حديثة، فإن هذه القراءة تتسق مع تاريخ النزاعات في المنطقة، حيث غالباً ما تتحول المواجهات المحلية إلى حروب بالوكالة تستدعي تدخل أطراف خارجية وتغير من طبيعة الاصطفافات القائمة.
من زاوية عراقية، تبدو التداعيات أكثر حساسية، إذ يوضح الغرابي أن "بالنسبة للعراق، فإن تداعيات هذا الاحتلال لا يمكن تجاهلها؛ فمن جهة، سيؤجج ذلك مشاعر الغضب الشعبي ويعزز الضغوط على الحكومة لاتخاذ مواقف أكثر صلابة، وقد يفتح المجال أمام بعض الفصائل المسلحة لرفع مستوى نشاطها تحت عنوان دعم غزة ومن جهة أخرى، فإن انشغال المنطقة بموجة صراع جديدة قد يؤثر على الوضع الأمني والاقتصادي في العراق، سواء من خلال تهديد طرق التجارة والطاقة أو عبر انعكاس ارتفاع أسعار النفط والسلع". يفترض خبراء في الشأن الإقليمي أن هذه التداعيات تضع الحكومة العراقية أمام اختبار مزدوج: داخلي يتمثل في ضبط الشارع ومنع الفصائل من الانزلاق إلى مواجهات مفتوحة، وخارجي يرتبط بقدرة العراق على حماية مصالحه التجارية والطاقوية في ظل بيئة إقليمية مضطربة.
يحذر الغرابي من أن "استمرار إسرائيل في تبني الخيار العسكري المفرط سيدخل المنطقة في مرحلة عدم استقرار أوسع، وسيضاعف من فرص نشوء أزمات جديدة في العراق والمنطقة برمتها، مما يتطلب تحركاً عربياً وإقليمياً عاجلاً لوقف التصعيد وتجنب انزلاق المنطقة نحو مواجهة شاملة". تُظهر التجارب المقارنة أن تجاهل التحذيرات المبكرة غالباً ما يقود إلى تضخم الصراعات وتعدد مساراتها، بحيث يصعب لاحقاً احتواؤها دون أثمان باهظة. وفق تقديرات بحثية مستقلة، فإن أي انهيار جديد في التوازن الإقليمي سيعيد ترتيب أولويات القوى الكبرى ويزيد من الهشاشة الداخلية للدول، والعراق ليس استثناءً من هذا المسار.
يتضح أن المشهد تغير جوهرياً مع اقتراب إسرائيل من خيار الاحتلال البري لغزة، وهو ما ينذر بفتح جبهة جديدة تتجاوز حدود فلسطين نحو المنطقة بأكملها. ما لم يتغير جوهرياً هو استمرار هشاشة البنية الأمنية والسياسية في الشرق الأوسط، حيث تبقى معظم الدول، ومنها العراق، عرضة للتأثر بأي تصعيد خارجي. أما الأثر المتوقع فهو أن يتحول العراق إلى ساحة ضغط مزدوجة: من الداخل عبر الشارع والفصائل، ومن الخارج عبر تداعيات اقتصادية وأمنية مرتبطة بالتجارة والطاقة. النتيجة النهائية أن استمرار التصعيد سيدفع المنطقة نحو مرحلة عدم استقرار أوسع، لن يقتصر على الأطراف المباشرة للنزاع، بل سيشمل العراق باعتباره حلقة مركزية في معادلة الأمن الإقليمي.
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات
بغداد اليوم - متابعة حافظ منتخبنا الوطني، اليوم الخميس (18 أيلول 2025)، على مركزه الثامن والخمسين، في ترتيب الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا". وأفاد موقع "فيفا" الرسمي وحسب التصنيف الصادر عنه وأطلعت عليه "بغداد اليوم"، بأن