اقتصاد / ملفات خاصة اليوم, 15:00 | --

تفاديا للعقوبات


الإصلاح المصرفي يدخل مرحلة الحسم.. البنك المركزي والمصارف في سباق مع الوقت - عاجل

بغداد اليوم - بغداد

يمر القطاع المصرفي العراقي بمرحلة حساسة تتقاطع فيها الاعتبارات الاقتصادية والمالية مع متطلبات إصلاح بنيوي ظلّ مؤجلاً لسنوات. فبعد عقود من التحديات، ووسط ضغوط دولية ومحلية لرفع كفاءة النظام المالي، برزت ورقة الإصلاح التي أطلقها البنك المركزي بالتنسيق مع شركة استشارية دولية كمحاولة لإعادة بناء الثقة وإيجاد قواعد أكثر صلابة لعمل المصارف. أهمية هذا الملف لا تتوقف عند البعد المالي فحسب، بل تمتد إلى السياق المؤسسي الأشمل المتعلق بقدرة الدولة على صياغة أدوات استقرار اقتصادي، وتلبية شروط الشفافية التي ترتبط بدورها بثقة المستثمرين والمانحين الدوليين.

في هذا الإطار، توقع الخبير الاقتصادي أحمد عبد ربه بحديثه لـ"بغداد اليوم"، أن يكون "نهاية أيلول الحالي الموعد النهائي لتوقيع المصارف الأهلية على التعديلات الأخيرة في ورقة الإصلاح التي قدمها البنك المركزي العراقي بالتنسيق مع شركة أوليفر وإيمان". هذا التوقيت يعكس إدراك البنك المركزي لحاجة البلاد إلى إنهاء مرحلة التردد والدخول في مسار إصلاحي محدد الملامح. وفق تقديرات مؤسساتية، فإن وضع جدول زمني للتوقيع يهدف إلى تجاوز حالة المماطلة التي رافقت جولات الحوار الأولى مع المصارف الأهلية، وتحويل الإصلاح من فكرة نظرية إلى التزام عملي.


تعديلات استجابة لضغوط السوق

تشير التطورات الأخيرة إلى أن الإصلاح لم يُفرض بشكل أحادي، بل جاء بعد سلسلة من المداولات الفنية مع المصارف. وأوضح عبد ربه أن "البنك المركزي قام خلال الأسابيع الماضية بإجراء تعديلات واسعة في ورقة الإصلاح المصرفي، استجابةً للملاحظات التي قدمتها المصارف، مشيراً إلى أنه حرص على فتح حوار موسّع مع المصارف العراقية لتوضيح الجوانب الفنية للورقة الإصلاحية".

هذا التوضيح يكشف عن مسار تشاركي، يوازن بين متطلبات الإصلاح وضغوط السوق. وفق تقديرات اقتصادية، فإن استيعاب ملاحظات المصارف يعكس إدراك البنك المركزي أن تطبيق إجراءات صارمة دون توافق قد يؤدي إلى تعطيل قدرة الجهاز المصرفي على مواكبة التغييرات. وفي الوقت ذاته، فإن هذا الحوار يسعى إلى تكريس مبدأ الشفافية والالتزام بالتدرج كوسيلة لضمان فاعلية الإصلاح، وهو ما يتسق مع تجارب دولية مشابهة في إعادة هيكلة القطاعات المصرفية.


إصلاح تدريجي بمراعاة الخصوصية

لا يقتصر النقاش على شكل الإصلاح، بل يشمل وتيرته. وأشار عبد ربه إلى "أهمية تنفيذ آليات الإصلاح بشكل تدريجي، مع مراعاة خصوصية الواقع الاقتصادي العراقي، مؤكداً ضرورة الالتزام بالإصلاح من حيث المبدأ، مع صياغة المعايير والإجراءات بطريقة تعزز الثقة في القطاع المصرفي وتسهم في تطويره".

وفق قراءات اقتصادية، فإن هذا الموقف يعكس التوتر التقليدي بين ضرورات الانفتاح السريع على المعايير الدولية ومتطلبات الواقع المحلي الذي يتسم بالهشاشة وعدم الاستقرار. التدرج، كما يرى خبراء ماليون، يتيح تقليل الصدمات على المصارف الصغيرة والمتوسطة، ويمنح القطاع وقتًا كافيًا للتكيف مع البيئة التنظيمية الجديدة. وهو ما يجعل الإصلاح ليس فقط أداة لتصحيح المسار، بل وسيلة لإعادة بناء العقد بين الدولة والقطاع الخاص المالي على أسس أكثر استدامة.


جوهر التعديلات وأبعادها

تطرح التعديلات الأخيرة أسئلة جوهرية عن طبيعة الدور الذي ستلعبه المصارف الأهلية. وأوضح عبد ربه أن التعديلات "تضمنت تمديد فترة رأس المال للمصارف، وإعادة النظر في هيكل الملكية، وإلغاء شرط الشريك الأجنبي، بما يوفر مرونة أكبر أمام المصارف في تطبيق الإصلاحات ويعزز دورها في دعم الاقتصاد الوطني".

هذا التغيير يحمل أبعادًا مؤسسية متعددة. فتمديد فترة رأس المال يخفف الضغط المالي الفوري على المصارف، بينما إعادة النظر في هيكل الملكية تفتح الباب أمام إعادة ترتيب العلاقات بين المساهمين المحليين والجهات التنظيمية. أما إلغاء شرط الشريك الأجنبي فيعكس تحولا نحو تعزيز الاستقلالية، لكنه في الوقت نفسه يثير تساؤلات عن مدى قدرة المصارف المحلية على سد الفجوة في الخبرة والتقنيات التي عادة ما يوفرها الشريك الدولي. وفق تقديرات اقتصادية، فإن هذه التعديلات تمثل محاولة للتوفيق بين تعزيز السيادة المالية وإيجاد هوامش مرونة عملية.


توقيت الإصلاح وأهدافه

يرى عبد ربه أن "الإصلاح المصرفي يأتي في وقت حاسم، حيث يسعى العراق إلى تعزيز قدرة القطاع المصرفي على تمويل المشاريع التنموية والاستثمارية، وتقليل المخاطر المالية عبر اعتماد معايير أكثر مرونة وشفافية، كما نجاح الورقة الإصلاحية يمثل خطوة أساسية نحو تحقيق استقرار مالي شامل وزيادة الثقة لدى المستثمرين المحليين والدوليين".

هذا الربط بين الإصلاح والاستثمار يعكس أن الهدف لا يقتصر على تحسين كفاءة المصارف، بل يمتد إلى بناء بيئة جاذبة لرأس المال. وفق تقديرات بحثية، فإن إشارات الثقة التي يمكن أن يولدها الإصلاح المصرفي ستكون حاسمة في إعادة تموضع العراق ضمن خريطة التمويل الدولي. كما أن الاستقرار المالي الداخلي يشكّل شرطًا أساسيًا لمواجهة الأزمات الاقتصادية المتكررة التي شهدتها البلاد في العقدين الأخيرين.

الإصلاح كحاجز أمام العقوبات والفساد
لم يكن الإصلاح المصرفي خياراً داخلياً فحسب، بل جاء أيضاً كاستجابة لضغوط خارجية ارتبطت بمخاطر العقوبات الدولية. فالتأخر في اعتماد المعايير المطلوبة وتباطؤ المصارف في الالتزام بالضوابط التنظيمية فتح الباب أمام جهات رقابية دولية للتشكيك بقدرة العراق على إدارة قطاعه المالي بشفافية. وفق تقديرات مالية، فإن هذا الوضع زاد من احتمالات إدراج بعض المصارف ضمن قوائم المراقبة أو العقوبات، وهو ما انعكس سلباً على انسيابية التعاملات المالية والتحويلات الخارجية.

ويشير اقتصاديون إلى أن جزءاً من هذه الأزمة لم يكن مرتبطاً فقط بالقصور الفني، بل أيضاً بسطوة جماعات نافذة داخل القطاع المصرفي، استفادت من ضعف الرقابة وهيمنة الفساد لتعطيل أي محاولة جادة للإصلاح. هذا التسلط أدى إلى تآكل ثقة المؤسسات الدولية بقدرة العراق على تطبيق المعايير، وهو ما جعل أي تأخير في الإصلاح بمثابة تهديد مباشر لمصالحه الاقتصادية. من هنا، فإن ورقة الإصلاح الحالية لا تُقرأ فقط كإطار تنظيمي، بل كخط دفاع أساسي لتفادي العقوبات المحتملة وإعادة بناء الثقة في قطاع ظلّ لسنوات مرادفاً للهشاشة والتجاذبات السياسية.


التحديات القادمة وآفاق التنفيذ

وختم عبد ربه بالقول إن "الأسابيع المقبلة ستشهد مفاوضات وتنسيقاً مستمراً بين البنك المركزي والمصارف الأهلية، لضمان توافق جميع الأطراف على تطبيق الإصلاحات بشكل سلس وفعّال، وهذه الإجراءات تمثل فرصة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي وتعزيز دوره في الاقتصاد الوطني بعد سنوات من التحديات المالية والتقلبات الاقتصادية".

هذا التصريح يضع ملامح المرحلة التالية، حيث لم يعد الجدل حول جدوى الإصلاح، بل حول آليات التنفيذ والتوافق. وفق تقديرات مؤسساتية، فإن نجاح هذه المفاوضات سيتوقف على قدرة البنك المركزي على فرض التوازن بين متطلبات الانضباط المالي والمرونة التي تطالب بها المصارف. الاستنتاج المتدرج يشير إلى أن ما تغيّر هو دخول العراق في مرحلة إلزامية من الإصلاح بعد طول جدل، وما لم يتغيّر هو صعوبة بناء توافق كامل في قطاع يعاني من إرث طويل من الانقسام والتقلبات. أما الأثر المتوقع فهو إعادة هيكلة تدريجية للنظام المصرفي تفتح الباب أمام تعزيز الثقة والاستقرار، بشرط أن تتحول التعهدات إلى التزامات قابلة للقياس والتنفيذ.

المصدر: بغداد اليوم+ وكالات+ مراكز أبحاث

أهم الاخبار

الدفاع النيابية: قرار الكونغرس اعتراف بانتهاء التدخل العسكري في العراق

بغداد اليوم - بغداد أكد رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية النائب كريم المحمداوي ،اليوم الجمعة (12 أيلول 2025)، أن قرار الكونغرس الأمريكي يمثل خطوة إيجابية، وإن جاءت متأخرة، لكنه يعد اعترافاً صريحاً بانتهاء مرحلة التدخل العسكري المباشر في العراق، مشيراً

اليوم, 16:42