سياسة / ملفات خاصة اليوم, 15:14 | --

الاستقرار ليس ترفاً


من الانقسام إلى العنف.. ثمن غياب التوافق السياسي في العراق

بغداد اليوم - بغداد

لا يمكن قراءة المشهد العراقي بمعزل عن العلاقة العضوية بين الاستقرار السياسي والاستقرار الاجتماعي، وهي علاقة أشار إليها علماء السياسة والاجتماع منذ عقود بوصفها المدخل لفهم توازن الدولة والمجتمع. فكلما استقرت المؤسسات السياسية وتوفرت حوكمة رشيدة، انعكس ذلك بصورة مباشرة على بنية المجتمع وثقته بنفسه وبمؤسساته.

الباحث في الشأن السياسي رياض الوحيلي يعيد صياغة هذه المعادلة بوضوح حين يؤكد أن "لا يمكن تحقيق استقرار اجتماعي حقيقي دون وجود بيئة سياسية مستقرة ومتماسكة، فالعلاقة بين الاستقرارين السياسي والاجتماعي هي علاقة عضوية وتبادلية".

هذا القول يفتح الباب لفهم أوسع: أن الأزمات الاجتماعية في العراق ليست إلا انعكاسًا لأزمات الحكم والشرعية، كما يشير محللون.

ويضيف الوحيلي أن "كلما توفرت الحوكمة الرشيدة، وفعالية المؤسسات، ووضوح الرؤية السياسية، انعكس ذلك إيجابًا على النسيج الاجتماعي، وعلى شعور المواطن بالثقة والأمان والعدالة". هذه الرؤية تجد سندها في التجارب المقارنة، حيث أظهرت دراسات أن المجتمعات التي تمتلك مؤسسات سياسية فعالة تكون أقل عرضة للتوترات الاجتماعية والعنف الأهلي.

أما في الحالة العراقية، فإن غياب الفعالية المؤسسية وتشتت الرؤية السياسية منذ 2003 جعل النسيج الاجتماعي هشًا، يفتقد للثقة والعدالة، وهو ما يؤكده مختصون في علم الاجتماع السياسي.

ويُفصّل الوحيلي أكثر حين يربط السياق العراقي بالحوار الوطني والتداول السلمي للسلطة، قائلاً إن "تعزيز الاستقرار السياسي من خلال الحوار الوطني، وتغليب المصلحة العامة، واحترام مبدأ التداول السلمي للسلطة، يعد عاملًا أساسيًا في تهدئة الاحتقان المجتمعي، وتقليل الفجوات الطائفية والعرقية، ومكافحة مظاهر العنف والتطرف".

هذا التشديد يضع أصبعه على جوهر المشكلة: انعدام التوافق السياسي هو ما غذّى الانقسامات الطائفية والعرقية، وجعلها تتحول إلى بؤر توتر دائمة. محللون يرون أن اعتماد الحوار الوطني بوصفه آلية دائمة لا ظرفية يمكن أن يحوّل الانقسامات من تهديد إلى فرصة لإعادة صياغة العقد الاجتماعي.

كما يحذر الوحيلي من كلفة الانقسامات السياسية على البنية الاجتماعية بقوله إن "المجتمعات التي تشهد انقسامات سياسية حادة غالبًا ما تعاني من ضعف في البنية الاجتماعية، مما يفتح المجال أمام الأزمات الاقتصادية والنفسية والثقافية".

هذا التحليل يعكس ما رصدته تقارير اقتصادية دولية حول العراق: أن غياب الاستقرار السياسي يضاعف من معدلات البطالة، ويُضعف جودة التعليم والخدمات، ويغذي الأزمات النفسية والثقافية.

مختصون يشيرون إلى أن هذه الأبعاد المترابطة تفسر سبب شعور المواطن بالخيبة والإحباط، باعتبار أن السياسة لم تعد مجرد إدارة مؤسسات، بل باتت شرطًا أساسيًا لحياة يومية مستقرة.

ويختم الوحيلي بالقول إننا "اليوم بحاجة إلى خطاب سياسي هادئ ومسؤول، وإلى مبادرات شاملة تعزز من قيم المواطنة والعيش المشترك، باعتبار أن الاستقرار السياسي هو القاعدة التي تُبنى عليها كل فرص التنمية والتقدم".

هذا الطرح لا يقف عند حدود التنظير، بل يعكس حاجة ملحة لمشروع سياسي جديد قادر على استعادة الثقة المفقودة بين المواطن والدولة. مراقبون يرون أن الخطر الأكبر يكمن في ترك الساحة للخطابات الانفعالية والولاءات الضيقة، في وقت يحتاج فيه العراق إلى لغة تهدئة مسؤولة، تصنع أرضية للتنمية بدل أن تعيد إنتاج الانقسام.

ويبقى السؤال مفتوحًا: هل تستطيع القوى السياسية العراقية، في ظل التحديات الداخلية والتجاذبات الإقليمية، أن تنتج خطابًا توافقيًا هادئًا يضع الاستقرار السياسي كأولوية وطنية؟ أم أن الانقسامات الراهنة ستبقى تقوّض أي محاولة لبناء قاعدة صلبة للاستقرار الاجتماعي والتنمية؟

المصدر: بغداد اليوم+ وكالات

أهم الاخبار

القيسي يعلن توجيهين مهمين لوزارة التربية (وثيقة)

بغداد اليوم- بغداد أعلن النائب الأول لرئيس لجنة التربية النيابية، محمود القيسي، اليوم الأربعاء، (3 أيلول 2025)، ان وزارة التربية وجهت بقبول جميع الطلبة المؤهلين في الاختبار لمدارس المتميزين والمتفوقين حتى ولو كانوا خارج الطاقة الاستيعابية. وذكر بيان

اليوم, 16:37