سياسة / ملفات خاصة اليوم, 12:30 | --

وطن بلا صوت حر


فضاء مفتوح للمال الفاسد والطائفية.. كيف صار من يجيد الشتائم "إعلاميا" في العراق؟

بغداد اليوم - بغداد

لم يعد الفضاء الإعلامي في العراق مجرد ساحة لعرض الأخبار أو مناقشة القضايا العامة، بل تحوّل في نظر الكثيرين إلى ميدان تتنازعه المصالح السياسية والمالية، وتتنافس فيه القنوات الفضائية على تكريس خطاب يخدم مموليها أكثر مما يخدم الجمهور.

ومع ازدياد عدد الفضائيات إلى ما يقارب المئة قناة محلية إلى جانب مئات الشاشات العربية والدولية، أصبح من العسير ضبط الأداء الإعلامي أو حمايته من هيمنة المال السياسي الذي يسعى إلى توجيه الرأي العام، كما يذهب مراقبون.

الكاتب والصحفي المخضرم فلاح المشعل قدم عبر "بغداد اليوم"، مقترحًا جديدًا إلى هيئة الإعلام والاتصالات، يقوم على أن "يُقرن منح إجازة أي قناة فضائية عراقية بتقديم أسماء ثلاثة إعلاميين مشهود لهم بالمهنية والخبرة، يشكلون لجنة رأي بالقناة".

المشعل شبّه ذلك بمنح إجازة الصيدلية للصيدلي أو المستشفى للطبيب، معتبرًا أنه "ليس من المعقول أن تمنح إجازة قناة فضائية تخاطب الرأي العام بإدارة غير إعلامية، وإنما لكل من هب ودب من الطائفيين وأصحاب المال السياسي والسحت الحرام".

هذا التشبيه يضيء على غياب معايير مهنية رصينة في بنية كثير من الفضائيات، إذ تُدار من قبل رجال أعمال أو ساسة يفتقرون إلى أي خبرة إعلامية، في وقت أصبحت فيه الشاشة أداة لتلميع الفاسدين أو ترويج المال الأسود، كما يوضح مختصون في الشأن الإعلامي.

ويمضي المشعل مؤكّدًا أن "المقترح يمكن تطبيقه حتى بأثر رجعي على بقية القنوات، ويمكن الاستعانة بخبير إعلامي إذا تعذر الحصول على ثلاثة إعلاميين، بشرط أن يكون هذا الإعلامي متوفّرًا على خدمة لا تقل عن عشرة سنوات فأكثر".

هذا التفصيل يكشف أن الهدف ليس تعجيزيًا، بل هو محاولة لإيجاد صمام أمان داخل كل قناة، يضبط بوصلة محتواها ويوفر حدًا أدنى من المهنية.

مراقبون يرون أن هذه الفكرة، إن تحولت إلى قرار ملزم من هيئة الإعلام والاتصالات، قد تحد من تغوّل رأس المال السياسي على الخطاب الإعلامي، لكنها تصطدم عمليًا بواقع معقد يتمثل في كثرة القنوات وصعوبة فرض قرارات رادعة على جميعها.

ويشير المشعل في حديثه إلى أن "المال السياسي المتحكم هو الذي يسيطر على فضاء الإعلام ومنصاته"، مضيفًا أن "خفض خطاب القنوات الممولة من المال السياسي، سوف يسيطر عليه مهنيا من قبل الخبراء".

هذه الجملة تختصر معضلة عميقة: فالخطاب الإعلامي لا ينفصل عن التمويل الذي يقف وراءه.

محللون يوضحون أن القنوات الممولة من شخصيات حزبية أو جهات طائفية تميل إلى تقديم محتوى متحيّز ومشحون بالاستقطاب، ما يجعل الإعلام أداة لإعادة إنتاج الانقسام المجتمعي بدلًا من أن يكون أداة لتقويمه.

ويتابع المشعل بالقول إن "العديد من الفضائيات أصبحت بيئة للطائفية السياسية، ومحطات للتقسيط السياسي وصراع الفرقاء، وهي تعمل دون ضوابط أو بثقة مهنية، كما أنها صارت مأوى لمن لا مهنة له".

هذه العبارة تسلّط الضوء على واقع مؤسف يصفه مختصون: فالشاشة التي يفترض أن تبني ثقافة عامة أصبحت منبرًا للشتائم والتحريض وإثارة الفتنة، إذ يطل منها "من يجيد السباب في نزعة طائفية بغيضة"، كما قال المشعل، في وقت يفتقد فيه هؤلاء لأي رصيد مهني أو أخلاقي.

ويؤكد المشعل أيضًا أن "وجود نحو مئة فضائية عراقية مع شاشات عربية وعالمية تتنافس مع فضائياتنا العراقية، يجعل من الصعب مراقبتها ورصد مخالفاتها على نحو دقيق، برغم الجهود الجيدة التي تبذلها هيئة الإعلام والاتصالات".

هنا يلمس جوهر المشكلة: العدد الكبير من القنوات، مقابل قدرة محدودة على المتابعة والرصد، ما يجعل الرقابة المتقطعة غير كافية، ويزيد من الحاجة إلى آليات داخلية تضبط عمل القنوات من الداخل.

مختصون يشيرون إلى أن لجنة الخبراء التي يقترحها المشعل قد تكون بداية لخلق ضوابط مهنية محلية، تعزز الرقابة الذاتية وتخفف من الاعتماد على العقوبات اللاحقة.

المقترح الذي قدّمه فلاح المشعل يكشف عن إدراك متزايد لخطورة انفلات الإعلام تحت سيطرة المال السياسي، لكنه في الوقت ذاته يفتح أسئلة صعبة: هل يمكن إلزام القنوات فعليًا بتشكيل لجان مهنية في ظل نفوذ الممولين؟ وهل تكفي الضوابط الداخلية لكبح خطاب الطائفية والانحراف الأخلاقي الذي أشار إليه؟ الاستنتاج المتدرج يقود إلى أن الإصلاح الإعلامي في العراق يحتاج إلى مزيج من التشريعات الملزمة، والرقابة المؤسسية، والوعي المجتمعي بضرورة حماية الفضاء الإعلامي من التوظيف السياسي.

ومع ذلك، تبقى الخاتمة مفتوحة: فالمشهد الإعلامي العراقي محكوم بمعادلة معقدة، حيث تتقاطع مصالح المال والسياسة مع غياب المهنية، ولا يزال الرهان معلقًا على ما إذا كانت مؤسسات الدولة قادرة على تحويل هذه المقترحات إلى واقع، كما يشير محللون.

المصدر: بغداد اليوم+ وكالات

أهم الاخبار

المشهداني وبابير يبحثان حل مشكلات بغداد والاقليم بالطرق الدستورية

بغداد اليوم- بغداد بحث رئيس مجلس النوّاب محمود المشهداني، اليوم الثلاثاء، (2 أيلول 2025)، رئيس جماعة العدل الكردستانية، علي باپير والوفد المرافق له الأوضاع العامّة في البلاد ومناقشة ملف القوانين المعروضة أمام مجلس النواب، فضلًا عن ملفّ الخدمات العامة.

اليوم, 16:57