كتب د. معن بن علي الدويش الجربا - باحث في الشأن العربي والإسلامي
نظرية حق المواطنة، نتاج فكري إنساني تفتخر به الثقافة الغربية اليوم، وتعتبره من أهم المنجزات الحضارية التي أفرزتها تلك الثقافة خلال القرنين الماضيين، حيث يقوم حق المواطنة على أساس المساواة في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن الانتماء الديني أو العرقي أو المذهبي أو أي اعتبارات أخرى، فالمواطن هو محور الارتكاز الذي تدور حوله كل الحقوق والواجبات في نظرية حق المواطنة.
وإذا كنا منصفين، فإن الحضارة الغربية يحق لها أن تفتخر بهذا الإنجاز الحضاري الذي كرَّم الإنسان؛ لأنه (إنسان فقط) ولأنه (مواطن فقط). ولكن إذا كنا منصفين أكثر، فيجب أن نعود بالتاريخ إلى أكثر من ألف وأربعمائة سنة، عندما هاجر الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة وأبرم ما يُعرف بـ(وثيقة المدينة)، التي تُعد دستورًا متطورًا وسابقًا لكل العصور بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فقد حفظت هذه الوثيقة حقوق المواطنين على أساس حق المواطنة، بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجنس.
كانت هذه الوثيقة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين سكان يثرب، التي كان بها نحو عشرة آلاف شخص، منهم (1500 مسلم) و(4000 يهودي) و(4500 مشرك). سنلاحظ هنا أن أطراف هذه الوثيقة كانوا من مختلف الأديان والأعراق والأجناس، إذ فيهم (المسلم واليهودي والمشرك)، وفيهم (العربي والفارسي والرومي والحبشي)، وفيهم (الذكور والإناث).
ورغم ذلك، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام أبرم هذه الوثيقة على أساس (حق المواطنة) وعلى أساس المساواة في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجنس.
على سبيل المثال، ورد في البند الأول من الوثيقة أن (اليهود أمة مع المسلمين)، أي أنهم مواطنون مثل المسلمين. كما ورد في البندين الثالث والرابع أن (أطراف الوثيقة عليهم النصر والعون والنصح والتناصح والبر من دون الإثم)، أي العيش المشترك والتعاون. كذلك أكدت الوثيقة في بندها الحادي عشر أن (الدفاع عن المدينة مسؤولية جميع الأطراف الموقِّعين على الوثيقة)، أي الحقوق مقابل الواجبات. كما أكدت بنود الوثيقة على (روح العدل والمساواة بين أطرافها)، أي عدم التمييز.
وهنا يجب أن نقف وقفة تأمل: فإذا كان حق المواطنة قد أقره الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة، فما بال بعض الدول العربية والإسلامية اليوم قد تخلت عن هذا المبدأ، وأخذت تميز بين مواطنيها تارة على أساس العرق بين عربي وغير عربي، وتارة على أساس الجنس بين رجل وامرأة، وتارة على أساس الجهات بين شمالي وجنوبي وشرقي وغربي، وبلغ الأمر أوج خطورته عندما أصبح التمييز بين المسلمين على أساس الانتماء المذهبي. فإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام قد ساوى بين المسلم واليهودي في حق المواطنة، أليس من الأولى أن نساوي نحن بين المسلمين في هذا الحق؟ إنه من العار والإثم والخطيئة حقًا أن يكون التمييز بين المواطنين على أساس مذهبي أو عرقي أو مناطقي... إلخ.
ويجب أن نواجه أنفسنا بسؤال محرج، وأن نكون صادقين في المواجهة: لماذا تخلى المسلمون عن هذا المبدأ العظيم الذي أقره الرسول الأكرم في وثيقة المدينة؟ ولماذا تركوا هذا السبق الإسلامي الحضاري الكبير لكي يقدمه الآخرون للإنسانية كمشروع ثقافي وسياسي وإنساني خاص بهم، بعد أن سرقوا التراث الفكري للعرب والمسلمين خلال حملاتهم الصليبية، رغم أن الإسلام هو صاحب هذا المشروع الإنساني والحضاري قبل ما يزيد على خمسة عشر قرنًا؟ من يتحمل هذه الجريمة الكبرى؟!
بغداد اليوم – متابعة كشف وزير الطاقة السوري، محمد البشير، اليوم الجمعة (8 آب 2025)، عن عزمه زيارة العراق قريبًا لبحث إعادة تأهيل خط النفط الرابط بين حقل كركوك وميناء بانياس، بهدف نقل النفط الخام لتغذية مصفاتي حمص وبانياس أو للتصدير المباشر. وبحسب