بغداد اليوم - متابعة
لا يكاد يمر أسبوع، إلا وتفيق شيماء (23 سنة) من نومها على صوت القرع العنيف للباب الخارجي وصراخ زوجها المخمور العائد بعد ساعات قضاها في ملهى ليلي، ليختتم سهرته بوابل من الشتائم والركلات يسددها على جسدها، بينما بناته الثلاث يحاولن بيأس انتزاع أمهن من بين يديه.
تقول السيدة التي تعيش في حي بضواحي بغداد، بصوت يشوبه الأنين، وهي تدور ببصرها في أرجاء غرفة المعيشة شبه الخالية من الأثاث بجدرانها المقشرة الطلاء بفعل الرطوبة والإهمال: "حياة البهائم افضل من حياتنا انا وبناتي، فهو يضربنا بأي شيء يجده أمامه ولا يجلب لنا لسد احتياجاتنا سوى ما تيسر من الخضروات الذابلة التي يتبرع بها البقالون للمارة".
تجذب اليها ابنتها الصغرى البالغة من العمر أربع سنوات، تجلسها في حجرها وتتابع:"ما يؤلمني أنه يمتلك المال، هو يدير متجرا، لكنه يبخل علينا، بينما يمنح أهله بدون حساب، ويصرف على ملذاته الكثير، والويل لي ان اعترضت".
الصراخ والعويل الليلي، أوصل قصة شيماء إلى حدود أبعد من نطاق الجيران، وسمع بها عدد من الناشطات والمدافعات عن حقوق المرأة، وأبدين الاستعداد لمساعدتها عندما تقرر حاجتها لذلك.
ذات ليلة من شتاء 2023، عاد زوجها مخمورا كعادته، وحاول ايذاءها باستهداف وجهها، كما اعتدى بالضرب على بناته، حتى الصغيرة التي لم يتجاوز عمرها السنتان. "امتلأ فمي بالدماء، وعيني اليمنى تورمت" تقول مستذكرة.
وتروي كيف أنها وبلا وعي اتصلت بواحدة من الناشطات المدنيات طالبة منها النجدة، فقدمت لها المساعدة بالاتصال بالشرطة المجتمعية التي قدمت للمنزل في اليوم التالي وكان زوجها غائبا، واخذتها الى مركز الشرطة لتقديم بلاغ يمكنها على اساسه إقامة دعوى قضائية ضد زوجها.
لكنها بعد دقائق قليلة فقط من تواجدها في المركز، طلبت العودة الى منزلها، خشية ان يكتشف زوجها غيابها، مفضلة التعايش مع العنف:"كان هذا افضل لي من المجهول في مركز الشرطة، خصوصا انهم أخبروني انهم لن يستطيعوا مساعدتي كثيراً، فلا مكان آمن يمكنهم ايوائي فيه".
أجهشت في البكاء قبل أن تضيف:"والداي متوفيان، وأشقائي الأربع استولوا على حصتي من تركة ابي وقاطعوني، ليس لدي في هذا العالم غير بناتي، وهن صغيرات، الكبيرة بعمر 15 سنة والأخرى اصغر منها بعامين، وكلاهما منعهما أبوهما من الالتحاق بالمدرسة، وسيفعل ذلك مع الثالثة".
تتمنى "شيماء" مثل عراقيات كثر، لا يجدن مأوى يحميهن من العنف الزوجي، ان يكون هنالك مكان آمن لها ولبناتها، لا يكون بوسع زوجها الوصول اليهن، الى أن تكون قادرة على ايجاد عمل وبدء حياة جديدة، لكن ذلك يظل حلماً بعيد المنال، فتُجبرهُن ظروفهن على العيش محرومات من أبسط حقوقهن الانسانية.
وعلى الرغم من أن مدن عراقية عديدة تضم "بيوت حماية" أو ما تعرف بـ"الشلاتر"، لإيواء المعنفات، بدعم من منظمات مجتمع مدني محلية وبعضها بمساعدة دولية، إلا أنها أغلقت تباعاً، عدا المنتشرة في اقليم كردستان، لأسباب عديدة منها طبيعة المجتمع العراقي المتسم بالقبلية والرافض لفكرة وضع النساء في مأوى، فضلاً عن الاهمال وعدم الجدية الحكومية في متابعتها والاشراف عليها، وفقا لمعنيين بهذا الملف.
معنفات بلا مأوى
"الشلتر" أو بيت الحماية، مصطلح يشير إلى مركز الإيواء المخصص لحماية النساء المعنفات أو المهددات بالخطر، سواء بسبب العنف الأسري أو التهديد بالقتل من جانب طرف ما أو الزواج القسري أو غيرها من أشكال الإنتهاك، وهي تشكل سكناً آمناً مؤقتاً، تقدم فيه الاستشارات النفسية والاجتماعية والدعم القانوني، ويخضع فيها النساء لبرامج اعادة تأهيل أو تمكين اقتصادي.
مدير الشرطة المجتمعية السابق، العميد غالب العطية، يقول بان العراق افتتح العديد من الشلاتر خلال العقدين الأخيرين:"لكنها فشلت في أداء دورها الحقيقي لأسباب عدة، أبرزها غياب الحماية الكافية داخل هذه المرافق ما جعل الفتيات ضمن المجتمعات المحلية يخشين اللجوء اليها".
ويوضح:"في مجتمع عشائري كالعراق، لا تقبل العوائل أن تبيت الفتاة خارج بيت أهلها، مهما كانت الظروف والمبررات أو مخاوف تعرضها للاعتداء، خصوصاً في محافظات الجنوب".
ويقول أن من أكبر المخاوف التي احيطت بتلك المراكز، هو "تعرضها لاقتحامات من قبل ذوي النساء المعنفات او المهددات ومن أفراد عشائر، بهدف قتلهن، وكان هذا التهديد جدياً ويطول حتى حراس المراكز التي يفتقر معظمها إلى الحماية المؤسساتية من الدولة، ما يزيد من ضعفها أمام سطوة المجتمع المسلح والعشائري".
ويشير العطية إلى أن بعضا من تلك المراكز كانت تدار من قبل جهات أو أجهزة أمنية مما جعلها "عرضة للإستغلال، وموظفوها للتخويف" بدل ان تكون بيوت ايواء آمنة، مبينا أن مقترحات عديدة قدمت بأن تتولى وزارة العمل أو الشرطة المجتمعية مسؤولية إدارتها "نظرا لإمتلاكها كوادر نسائية وتخصصا في التعامل مع ضحايا العنف، لكن المقترحات تلك لم تفعل بسبب تعقيدات إدارية والافتقار إلى الإرادة السياسية".
وينبه العطية الى مشكلة تتعلق بصورة تلك الشلاتر "بعض العائلات تعد اللجوء إلى الشلتر وصمة عار أو خروجاً عن السيطرة" وهذا جعل من تلك البيوت أماكن غير مناسبة وغير آمنة في نظر الكثير من المعنفات.
ويضيف:"حتى منظمات المجتمع المدني التي حاولت تأسيس مراكز بديلة واجهت حملات تشويه منظمة من جهات متنفذة اتهمتها بأنها مدعومة من دول أجنبية تهدف إلى تمزيق المجتمع". ويستدرك:"هذه الاتهامات شجعت على خلق رفض مجتمعي واسع لوجود أي مأوى للمعنفات والناجيات".
ويرسم مدير الشرطة المجتمعية السابق، صورة سوداوية لواقع بعض النساء اللاتي لا يجدن مأوى:"تهرب بعض الضحايا من منازلهم بعد تعرضهن للعنف أو التحرش الجنسي من قبل ذويهن، ولا يجدن أمامهن إلا طريقاً واحداً وهو الشارع في ظل غياب البدائل، ليسهُل بذلك استغلالهن من قبل شبكات الاتجار بالبشر أو إدخالهن إلى الملاهي والنوادي الليلية أو حتى العمل في توزيع المخدرات".
ويتحدث عن تجربته خلال فترة توليه ادارة الشرطة المجتمعية، وقيامه بجولات تفتيشية على العديد من الملاهي الليلية وبيوت الدعارة "وجدت أن معظم العاملات فيها هن من ضحايا العنف الأسري، كن فتيات بلا مؤهلات دراسية أو خبرة حياتية.. لم يكنّ مجرمات، بل مجرد ضحايا ناجيات، لكن تم دفعهن إلى هذا المصير لأنهن لم يجدن دور حماية تأويهن وجهات تحميهن".
اقرار من وزارة الداخلية
المدافعة عن حقوق الانسان، هبة النائب، تُذكر بجريمة قتل وقعت مطلع العام 2023، كانت ضحيتها فتاة في عقدها الثالث تدعى طيبة العلي، من محافظة الديوانية، تقول بانها هربت الى تركيا من تحرش جنسي تعرضت له من قبل شقيقها، وعادت الى البلاد في كانون الثاني 2023 بعد ان وعدتها والدتها بالأمان وتم طمأنتها بأن لا خوف عليها، لكنها بعد عودتها تعرضت للتهديد من والدها، فلجأت الفتاة الى الشرطة، طالبة حمايتها.
تتابع هبة:" لم يكن لدى الشرطة أي مكان آمن لإيواء الفتاة لا شلتر ولا دار مؤهلة لاستقبال ناجية تخشى على حياتها. واقتصرت الاجراءات على كتابة محضر، ثم أعيدت طيبة إلى منزلها بحجة أن القانون لا يسمح بابقائها في مركز الشرطة دون أمر قضائي".
"في تلك الليلة، خنقها والدها بيديه حتى الموت" تقول هبة النائب، مشيرة الى ان طيبة واحدة من بين عشرات الفتيات اللواتي "يلجأن إلى الدولة طلبا للحماية، فلا يجدن سوى الأبواب المغلقة".
وتؤكد وهي ترفع من نبرة صوتها بينما تحرك رأسها يميناً وشمالاً:"قتلُها لم يكن فقط بسبب عنف أسري، بل نتيجة مباشرة لغياب منظومة حماية حكومية قادرة على التدخل الفوري وتوفير مأوى آمن للناجيات من العنف".
مصدر رفيع الرتبة في وزارة الداخلية، قال لمعدة التقرير طالبا عدم ايراد اسمه، ان "أبرز الثغرات في نظام الحماية للنساء المعنفات تتمثل في غياب دور إيواء آمنة، وهو ما يعيق الجهات الأمنية عن التعامل مع الحالات الحرجة، خاصة حين تكون الضحية مهددة بالقتل أو لا تستطيع العودة إلى منزلها".
ويوضح أن الجهة المسؤولة داخل الوزارة عن هذا الملف هي دائرة الأسرة والطفل، التي تعمل بالتنسيق مع الشرطة المجتمعية، لإيجاد حلول للحالات الطارئة عند تقديم المرأة شكوى ضد معنِّفها.
ويستدرك:"حينها تظهر المعضلة، أين يتم إيواؤها؟ ففي أغلب الحالات، تكون الضحية غير قادرة على العودة إلى بيت أهلها أو منزل الزوج، بسبب التهديد أو العنف المتكرر، لتجد نفسها في فراغ قانوني وإجرائي".
تنبه ناشطات في مجال الدفاع عن المرأة، ان ذلك يمثل عُقدة كبيرة، فلا يمكن الاحتفاظ بالضحية في مركز الشرطة، وبعض الفتيات ليس لهن اقارب يتفهمن وضعهن ويمكنهن اللجوء اليهم، بل أكثرهن لا يرغبن ان يعرف المحيط العائلي بأوضاعهن لأن ذلك قد يُعقد المشكلة. وهو ما يفرض اصدار تشريعات جديدة تعالج هذه الثغرات بما يضمن حماية المرأة.
تقول القانونية إسراء الجنابي، ان "هناك قانوناً مقترحاً لحماية الأسرة معروضاً منذ سنوات أمام مجلس النواب، إلا أنه لم يشرع لغاية الان على الرغم من طرحه ولمرات عدة، إذ يتم تأجيل التصويت عليه في كل مرة، ومن المتوقع ان يعاد طرحه في الدورة البرلمانية المقبلة".
بدائل غير مؤهلة
المصدر ذاته من وزارة الداخلية، يتحدث عن تداعيات عدم وجود مراكز ايواء غير متخصصة بقوله:"يضطر المسؤولون أحياناً الى إيواء الضحية بشكل مؤقت في أماكن غير مهيأة تماماً، مثل دور الأيتام، أو دور العجزة، أو حتى مراكز الشرطة". وهي بالعموم أماكن لا تصلح لاستقبال ضحية هاربة من العنف وتشعر بالاضطراب والريبة.
ويضيف:"قد تُنقل المرأة أحيانا إلى دائرة تمكين المرأة، أو يُطلب من شيخ عشيرة أو وجه اجتماعي استضافتها بنحو مؤقت في مضيفه أو في غرفة التفتيش الأمنية في المركز، لكن هذه البدائل لا توفر الاستقرار النفسي ولا الأمان الكافي، بل تسجل حالات تحرش واستغلال داخل هذه البيئات".
ويروي كيف انه أطلع بحكم عمله، على واحدة من التجارب التي يصفها بالصعبة، حدثت في جنوبي البلاد، لإمراة أغتصبها شقيقها، وكانت أماً لطفلة، فلجأت إلى مركز الشرطة لكن لم يكن هنالك مكان لإيوائها، فجرت محاولة لوضعها مؤقتاً في دار للإيتام.
ويتابع: "مديرة تلك الدار رفضت ذلك، لأنها ليست يتيمة والقانون لا يسمح بذلك، وعندما اقترحنا إيواءها في التوقيف، رفضت الضحية واخبرتنا بأنها ليست مجرمة ليتم حبسها".
في النهاية تم وضعها في دار للعجزة:"لكنها هربت عبر تسلق السور الخارجي، وتركت شكواها معلقة، مثل شكاوى كثيرة على شاكلتها" يقول المصدر، دون أن يقدم جواباً على ما آل اليه مصيرها، ولا عن سبب هروبها من الدار "ربما خشيت البقاء هناك.. بالنسبة لنا ملفها معلق".
واقع الأمر يثبت ما ذهب اليه المصدر من وزارة الداخلية، إذ اطلعت معدة التقرير على قضية اغتصاب لفتاة في الـ16 من عمرها، كانت محافظة النجف جنوبي العراق مسرحاً لها في بداية 2025، إذ أقنعها صديق لها (17 عاما) عبر برنامج الانستغرام بالزواج، ونجح في استدراجها واقناعها بترك منزل عائلتها لتعيش معه في أحد المنازل بحي "الرحمة".
مكثت الفتاة مع صديقها لعدة ايام، قبل ان يقرر التخلي عنها دون زواج ودون أي شيء يثبت ذلك، ويجبرها على الخروج من منزله دون ان تكون قادرة على العودة لمنزل عائلتها، فهناك قد تواجه القتل.
بقيت الفتاة بمفردها خائفة وحائرة، فنصحها البعض بالتوجه الى مركز الشرطة المجتمعية، وبعد يومين من الحادثة تم عرضها على قاضي التحقيق، والمفاجأة هناك كانت بإدعائها التعرض للاستغلال مجدداً وقيام ضابط بإغتصابها أثناء مكوثها في المركز.
مصدر قضائي، أكد الواقعة، وذكر أن الفتاة قالت خلال التحقيق معها انها تعرضت للإغتصاب ولمرات عدة اثناء استجوابها في المركز، وقال المصدر، ان الفتاة عرضت على الطب العدلي، لكن القضية اغلقت بعد فترة وجيزة:"فقد تم تزويجها لمغتصبها الأول".
المهتمة بحقوق المرأة لمياء علي نوري، تقول بأن هنالك حاجة ماسة لإنشاء بيوت ايواء (شلاتر) مجهزة بأقسام متخصصة للحماية "بعيداً عن الأنظار، لتوفير الأمن للناجيات من العنف، خصوصا ان التجارب تثبت أن غياب هذه البيوت يعرّض النساء لمخاطر إضافية".
وتتهم نوري، أحزاب سياسية نافذة في السلطة بالوقوف وراء عدم وجود بيوت حماية، واغلاق التي كانت قد افتتحت خلال السنوات الماضية، مبينة ان "فصائل دينية مسلحة، ترفض فكرة خروج المرأة عن طاعة الأسرة بذريعة المحافظة على القيم الاسلامية"، في اشارة الى ان تلك الفصائل تشكل تهديدا للضحايا من النساء بدل حمايتهن.
كما اتهمت باقي القوى في مجلس النواب والحكومة بالرضوخ الى تلك الجهات الدينية، مفسرة سبب تراجع وسائل اعلام وناشطات مدنيات، عن رفع مستوى ضغوطهن المطالبة بحقوق المرأة ومن بينها بيوت الحماية، بالقول:"لقد اصدرت السلطات تعليمات وقوانين تضيق علي الناشطات كقانون المحتوى الهابط، مما ادى الى تراجع مستوى حرية التعبير".
القانون لا يعترف ببيوت الحماية
قانونية وعضوة سابقة في مفوضية حقوق الانسان، طلبت هي الأخرى عدم ايراد اسمها، لكون نقابة المحامين العراقيين تلاحق أعضائها الذين يصرحون للإعلام وتفرض عليهم عقوبات. تقول:"القانون العراقي لا يعترف حتى الآن بشكل صريح بحق المرأة في اللجوء إلى مأوى مستقل بعيداً عن الأسرة، بل يُقدّم العائلة كمرجعية مطلقة، حتى في حالات التهديد أو العنف".
وتلفت إلى ان قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 "يشرعن لما يسميه تأديب المرأة"، ولا سيما في المادة 41 التي تنص على أن "لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون ويُعتبر استعمالًا للحق في: "تأديب الزوج لزوجته… في حدود ما يقرره العرف العام".
وتقول بأن المادة 409 من ذات القانون، تخفف العقوبات فيما يُعرف بـجرائم الشرف: "مما يساهم في تكريس ثقافة الإفلات من العقاب وتبرير العنف الأسري" حسب تعبيرها.
وفيما يخص سبب رفض مجلس النواب، تمرير قانون مناهضة العنف الأسري، تقول القانونية:"لأنه يتضمن نصوصا واضحة تنظم عمل بيوت الحماية أو الشلترات، وهو ما ترفضه بعض الكتل السياسية ذات التوجه الديني داخل البرلمان".
رغم تلك الموانع، حاولت منظمات مدنية ايجاد بدائل لبيوت الحماية، وجرت حوارات مع بعض رجال الدين، الذين أبدوا موافقتهم على إنشائها بشرط ان لاتحمل اسم "بيت حماية" وطالبوا ان تطلق عليها اسماء دينية.
وهذا ما تم بالفعل فيما بعد، توضح القانونية:"سمعت بقيام العتبة العباسية بفتح دور لحماية النساء، لكن دون إعلان رسمي، ودون أن تتمكن منظمات المجتمع المدني أو فرق حقوق الإنسان من زيارتها أو الاطلاع على آلية إدارتها أو طريقة التعامل مع الضحايا".
وتؤكد بأن السرية التي تحاط بها هذه البيوت قد تكون "عنصر حماية مهم"، وتستدرك:"لكن ذلك قد يصبح مصدر قلق حين لا توجد شفافية، ولا جهة رقابية محايدة، خاصة أن التجارب الدولية تعتمد أيضا على السرية لكن مع إشراف مؤسسات مدنية وحقوقية لضمان سلامة النساء".
في الشأن ذاته، تقول الناشطة البارزة في مجال حقوق الانسان وسكرتير شبكة النساء العراقيات هناء ادورد:"كافحنا خلال السنوات المنصرمة، لفتح شلاتر يتم انشاؤها من قبل منظمات مجتمع مدني ويتم مراقبتها والإشراف عليها من قبل الدولة، غير أن جميعها فشلت"، واصفة الوضع الحالي بـ"البائس".
عضوة شبكة النساء العراقيات أمل الكباشي، تقول انها تابعت ميدانيا وبالتعاون مع منظمات مدنية أو عبر مشاريع حكومية محلية واقع دور الإيواء التي تم افتتاحها في مختلف المحافظات العراقية "في فترات عملها الأولى، زرت هذه الدور والتقيت بكوادرها، ورافقت بعض الحالات التي تم تحويلها إليها".
وتتابع: "اليوم جميع مراكز الإيواء أصبحت معطلة، حتى تلك التي استُكملت من حيث البناء والتجهيز، والسبب الرئيسي في ذلك هو غياب الإطار القانوني. هذه الدور لا تستند إلى غطاء قانوني رسمي، ما يمنع تخصيص موازنات مالية أو موارد بشرية لإدارتها".
في محاولة لتجاوز ذلك، تم التفكير بإلحاق هذه الدور بدائرة ذوي الاحتياجات الخاصة داخل وزارة العمل "لكن هذا الخيار كان سيحوّل الدور إلى عبء إضافي على تلك الدائرة بامكاناتها المحدودة، ووزارة العمل رفضت استلامها رسميا. وهكذا، أصبحت بيوت الإيواء بلا مرجعية إدارية واضحة، وتُركت بلا إدارة ولا تمويل رغم المسؤولية الكبيرة الملقى على عاتقها".
وتضرب على ذلك مثالا:"محافظة نينوى استلمت منحة من السفارة الفرنسية لبناء دار إيواء، وتم إكمالها، لكنها بقيت غير مفعّلة لأنها لا تحتوي على كوادر متخصصة ولا موارد لتشغيلها. ونفس المشكلة تكررت في الأنبار، حيث تحوّلت دار الإيواء هناك إلى مركز لتدريب النساء، بدل أن تكون مأوى للضحايا".
وتتابع:"دار الديوانية كانت الأفضل من حيث الدعم، لأنها ارتبطت بمكتب المحافظ الذي أمن لها بعض الموارد، لكنه أيضا أصبح شبه معطل بسبب نقص الكوادر. الموظفون ينتهون من دوامهم عند الساعة الثالثة عصرا، وتبقى الدار خالية بعد هذا التوقيت، ما يجعلها غير مؤهلة للاستجابة لحالات الطوارئ على مدار الساعة".
وتلفت إلى أن تحويل المعنفات الى هذه الدور يتم غالبا عبر القضاء:"لكنه لا يكون دائما في سياقه الصحيح". وتوضح:"حين فُتحت دار ذي قار، تم تحويل فتاة متعاطية للمخدرات إليها أثناء فترة التحقيق، فقط لأنه لم يكن هناك مكان لإيوائها. الفتاة لم تكن معرضة لعنف أسري، وانتهى الأمر بهروبها بسبب عدم قدرة الموظفين على التعامل مع حالتها".
معدة التقرير تواصلت مع مديرة سابقة في دار ايواء بالعاصمة بغداد، تقول بأنها تركت العمل قبل ثلاث سنوات، لأنها تعرضت الى التشهير بها وبزوجها وعائلتيهما:"لم تكن تجربة سهلة، لكننا واصلنا العمل لأننا كنا نؤمن بأن هذه البيوت تنقذ أرواحا من الشارع ومن العنف داخل المنازل".
ووفقا لروايتها، فأن تلك الدار استقبلت خلال فترة عملها الذي امتد لسنتين، عددا كبيرا من النساء الناجيات من عنف أسري شديد، من بينهن فتيات تعرضن للاغتصاب من آبائهن أو اشقائهن. وتتابع:"كنا نعثر على بعضهن تائهات في الشوارع، بلا مأوى. استقبلناهن، ووفّرنا لهن المأوى والعلاج والدعم النفسي، وكل ذلك كان بتمويل من منظمات دولية".
لكن التجربة لم تستمر، فتم إغلاق الدار في 2022 بعد تصاعد الضغوط ولأسباب متعددة بينها الجوانب القانونية "ومواقف بعض السلطات الدينية التي حاربت فكرة الشلترات بشكل علني".
معدة التقرير تواصلت مع عدد من شيوخ العشائر في وسط وجنوبي العراق، وكان الاجماع على رفض بيوت ايواء النساء، أحدهم قال بإصرار:"المرأة نضربها وتبقى في دار والدها أو زوجها، لا نقبل ببيت آخر يأويها، وسنفضل قتلها على ان تنام ليلة واحدة دون معرفة اين قضت تلك الليلة، فنساؤنا شعرة شواربنا تحمل شرفنا وعرضنا. هذه الأفكار، الشلتر وغيرها، هدفها تحطيم الدين الإسلامي".
المصدر: شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية
بغداد اليوم- بغداد تجري قرعة بطولة كأس ملك تايلاند الدولية بمشاركة المنتخب الوطني، في 13 من شهر آب الجاري. وتم وضع المنتخب العراقي، صاحب أعلى تصنيف في البطولة، والمنتخب التايلاندي المضيف، على رأس المجموعتين. وستجري مراسم القرعة إلكترونيًا عند الساعة