بغداد اليوم - بغداد
على الرغم من مرور أكثر من خمس سنوات على تفعيل الاتفاقية العراقية–الصينية، والمعروفة بمبدأ "النفط مقابل الإعمار"، إلا أن جدلها لا يزال حاضرا بقوة في الأوساط الاقتصادية والسياسية. إذ تتعدد القراءات بشأن جدواها، بين من يراها مشروعا استراتيجيا للتحرر من الارتهان الاقتصادي للغرب، ومن يعتبرها نموذجا آخر لعقود غير شفافة غابت عنها المساءلة والتنفيذ الجاد.
وفي سياق متابعة الأداء المالي للاتفاق، كشف الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي بمنشور على صفحته الرسمية بـ"فيس بوك"، تابعته "بغداد اليوم"، أن العراق قد رفع من سقف مساهمته النفطية في الاتفاقية إلى ما يعادل 150 ألف برميل يوميا، وأن الإيرادات المودعة في الحساب الخاص بلغت 2.644 تريليون دينار خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025. هذه الأرقام، رغم أهميتها، لا تفهم إلا ضمن سياق أوسع يعيد تسليط الضوء على خلفيات الاتفاق، وإشكالاته التنفيذية، وانعكاساته الجيوسياسية، خصوصا في ظل ما أثاره من توتر غير معلن في العلاقة مع الولايات المتحدة.
توقيع الاتفاقية
وُقعت الاتفاقية العراقية–الصينية لأول مرة في أيار 2018 ضمن اتفاق إطار تعاون بين البلدين، قبل أن تدخل حيز التنفيذ الفعلي في أيلول 2019 خلال زيارة رئيس الوزراء آنذاك عادل عبد المهدي إلى بكين. وقد شملت الاتفاقية تخصيص العراق لكمية أولية من صادراته النفطية بواقع 100 ألف برميل يوميا، تودع عائداتها في حساب خاص يُدار بالشراكة بين وزارة المالية العراقية والبنك المركزي، ويُستخدم لتمويل مشاريع تنموية تنفذها شركات صينية حكومية.
وقد رافق توقيع الاتفاق سياق سياسي حساس، اتسم بفتور واضح في العلاقات العراقية–الأمريكية، وتصاعد في النفوذ الصيني داخل الشرق الأوسط. في هذا الإطار، فسرت الاتفاقية على أنها محاولة لتوسيع هامش المناورة العراقية خارج النفوذ الأمريكي، وهو ما أثار تحفظات أمريكية متصاعدة، ظهرت لاحقا على شكل ضغوط غير معلنة لتجميد أو تقليص العمل بالاتفاق، بحسب مراقبين.
هيكل الاتفاق وآلية التنفيذ
تتكون الاتفاقية من عدة عناصر مالية وفنية، أبرزها:
تصدير النفط العراقي إلى الصين بواقع 100 ألف برميل يوميا، رُفعت لاحقًا إلى 150 ألف برميل.
إيداع عائدات التصدير في "حساب التسويات" بإشراف عراقي–صيني مشترك.
تخصيص نسبة 10% من العائدات الشهرية لتمويل مشاريع بنى تحتية، يجري اختيارها من قبل الحكومة العراقية وتنفيذها من قبل شركات صينية.
إمكانية فتح خط ائتماني صيني بضمان شركة التأمين الصينية "ساينوشور"، يصل إلى سقف 10 مليارات دولار، يُستخدم لتعجيل تنفيذ المشاريع الكبرى.
وبالرغم من هذه البنية المرنة، بقي التنفيذ الفعلي محدودًا. فلم يُرصد حتى عام 2025 سوى مشروع كبير واحد تم إطلاقه ضمن هذا الإطار، وهو مشروع بناء 1000 مدرسة، وسط غياب واضح لمشاريع إستراتيجية كبرى في قطاعات الكهرباء، النقل، أو الصحة.
الانتقادات الموجهة للاتفاقية
بحسب خبراء اقتصاديين مطلعين على التفاصيل، رافقت الاتفاقية الصينية–العراقية منذ لحظة الإعلان عنها سلسلة من الانتقادات البنيوية، التي طالت طبيعة صياغتها وآليات تنفيذها والنتائج المترتبة عليها. ولعل أولى هذه الإشكاليات تمثلت في غياب الشفافية المؤسسية، إذ لم تُنشر النصوص الكاملة للاتفاقية، ولم تعرض تفاصيلها على البرلمان أو تُخضع للنقاش العام، ما أسهم في خلق فجوة بين الحكومة من جهة، والرأي العام والمؤسسات الرقابية من جهة أخرى. هذا الغموض أضعف من مستوى الثقة بالمشروع، وأثار تساؤلات جدية حول آليات التعاقد مع الشركات المنفذة، ومعايير انتقائها.
إضافة إلى ذلك، وجهت انتقادات حادة لما اعتُبر "رهنا للموارد الوطنية" ضمن آليات غير متوازنة، إذ أن الاتفاق يقوم في جوهره على استخدام العراق لعائداته النفطية الذاتية لتمويل مشاريع تنفذها الصين، دون أن يتضمن أي تمويل مباشر أو استثمار فعلي من الجانب الصيني. وقد وصف بعض الاقتصاديين هذا النموذج بأنه يمثل شكلا من "الاستدانة المقنعة"، ويزيد من ارتباط العراق بشراكة أحادية من دون بناء قاعدة اقتصادية محلية موازية.
كما أخذ على الاتفاقية تباطؤها الواضح في التنفيذ وغياب أثرها الميداني رغم مرور عدة سنوات على دخولها حيّز التطبيق. فعلى الرغم من ضخامة المبالغ التي أعلن عن إيداعها في الحساب الخاص، لم تتجاوز المشاريع المنفذة فعليا نطاق مشروع واحد يتعلّق ببناء عدد من المدارس، وهو ما لا يرقى إلى مستوى الطموحات التي بُنيت عليها الاتفاقية أصلا. هذا البطء دفع كثيرين إلى التشكيك بوجود إرادة سياسية حقيقية لتفعيل الاتفاق بصورة فعالة ومنتجة.
أما على صعيد التوزيع الجغرافي للمشاريع، فقد غابت تمامًا المعايير المعلنة أو الرؤية التنموية المتوازنة التي تضمن العدالة بين المحافظات العراقية. إذ لم يُعلن عن إطار رسمي يوضح كيف تحدد أولويات المشاريع أو كيفية اختيار مواقعها، مما أثار استياء عدد من الحكومات المحلية التي رأت في ذلك استمرارا لسياسات المركزية، وإقصاءً للمناطق غير المتصلة سياسيا بمراكز النفوذ. هذا النمط من الإقصاء التنموي من شأنه أن يُعيد إنتاج فجوات التفاوت بين المحافظات، بدل أن يسهم في ردمها.
الفرص والمخاطر
ووفق تقديرات باحثين مختصين في الشأن التنموي، تُجسّد الاتفاقية الصينية–العراقية حالة مركبة من الفرص والمخاطر في آن واحد. فمن جهة، تتيح هذه الاتفاقية إمكانية حقيقية لإعادة رسم ملامح القرار الاقتصادي العراقي خارج حدود الارتهان التقليدي للمراكز الغربية، عبر استثمار الموارد النفطية في مشاريع بنى تحتية تمس احتياجات المجتمع العراقي بشكل مباشر. إلا أنها، من جهة مقابلة، قد تُفضي إلى نوع جديد من التبعية الاقتصادية، إذا ما تم التعامل معها خارج إطار السيادة المالية والمؤسسية، أو في حال افتقارها للإدارة الرشيدة.
إن جوهر الأزمة لا يكمن في بنية الاتفاق نفسها أو في طبيعة الشراكة مع الصين، بل في ضعف الإرادة السياسية العراقية في تفعيل الاتفاق وفق أطر قانونية ومؤسسية واضحة. غياب الشفافية، وانعدام الرقابة البرلمانية والمجتمعية، وتهميش دور الخبراء في عملية التقييم والمتابعة، كلها عوامل ساهمت في تجميد الاتفاقية فعليا، أو تحويلها إلى أداة رمزية أكثر منها عملية، في رأي عدد من الباحثين في الحوكمة الاقتصادية.
وعليه، يرى عدد من المتابعين للسياسات الاقتصادية العراقية أن إعادة تقييم الاتفاقية من منظور فني صرف، بعيدًا عن الخطابات السياسية والشعارات الدعائية، تبدو ضرورة ملحة. فلا يمكن لمثل هذه المبادرات أن تتحول إلى أدوات تغيير حقيقية إلا إذا تم ربطها برؤية تنموية شاملة، تأخذ بعين الاعتبار أولويات المحافظات، والفجوات التنموية، وجدوى الاستثمار في القطاعات المنتجة.
في الوقت نفسه، ينبغي أن يُنظر إلى هذه الاتفاقية بوصفها جزءا من التوازنات الجيوسياسية الأوسع، لا كبديل أحادي لمظلة التحالفات التقليدية. فالمطلوب ليس الانخراط في محور جديد على حساب آخر، بل بناء نموذج عراقي مستقل يقوم على تنويع الشراكات الاقتصادية من دون التفريط بالقرار الوطني. وهذا يستدعي من صانع القرار العراقي تطوير أدوات مناورة استراتيجية، تحمي مصالح البلاد من الضغوط الخارجية، وتؤسس لتعاون دولي متعدد الاتجاهات، بعيدًا عن منطق الاصطفاف.
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات
بغداد اليوم - ميسان أفاد مصدر أمني، اليوم الخميس (31 تموز 2025)، بأن مرور ميسان اغلقت طريق البتيرة أمام الشاحنات الكبيرة خلال فترة الزيارة. وقال المصدر نقلاً عن دائرة مرور ميسان لـ"بغداد اليوم"، إنه "تم منع سير مركبات الحمل الكبيرة على