بغداد اليوم - بغداد
في الزوايا المظلمة من المشهد الانتخابي العراقي، لا تدور المعركة فقط حول من يفوز بمقعد نيابي أو يتحالف مع من، بل حول من سيكون "الوجه الأوّل" في ورقة الاقتراع. الرقم واحد، ذاك الموقع المتصدر في قوائم الترشيح، تحوّل إلى بؤرة توتر داخل الكواليس السياسية، وبدأ يشكّل عقدة تنافسية تتجاوز الأهمية الرمزية إلى صراع صامت على الزعامة، والتمثيل، ومَن يقود المرحلة المقبلة شكلاً ومعنًى.
سباق خلف الكواليس... من يحتل موقع القيادة؟
تشهد تحالفات انتخابية كبرى حالياً جدلاً محتدماً – وإن بقي خلف الأبواب المغلقة – بشأن من يُدرج أولًا في تسلسل المرشحين، وهي مسألة تحمل من الدلالات أكثر مما يبدو ظاهرًا.
وفي حديثه لـ"بغداد اليوم"، يؤكد المحلل السياسي رعد التميمي، اليوم الخميس (26 حزيران 2025)، أن "الرقم واحد بات يمثل أزمة داخلية فعلية لدى العديد من التحالفات التي تضم أطرافاً متباينة في الرؤية والمصالح، لكنها اجتمعت ظرفيًا لغايات انتخابية".
ويصف التميمي ما يجري بـ"الحرب الباردة"، لافتًا إلى أن هناك ما لا يقل عن ست أو سبع قوائم تتصارع بهدوء، وتخوض نزاعاً رمزيًا حول أحقية من يتصدر القائمة، معتبرًا أن "الرقم واحد لا يضمن الفوز دائمًا، لكنه يمثّل الهيمنة الرمزية داخل التحالف".
بين المكاسب الرمزية والرهانات الميدانية
ورغم الطابع الصامت لهذا الصراع، إلا أن آثاره بدأت تطفو على سطح التحالفات المشتركة، كما توضح النائبة السابقة إقبال اللهيبي التي ترى أن "السباق على صدارة القوائم خلق توترات فعلية، لكنها ما زالت تحت السيطرة، ولن تتحول – برأيها – إلى خلافات مدمّرة". وتضيف أن "الرقم واحد يُمنح لصاحب النفوذ السياسي أو الحضور الشعبي الأقوى، وغالبًا ما يُستخدم كرسالة للناخب بأن هذا المرشح هو واجهة القائمة".
اللهيبي تؤكد أيضًا أن "بعض القوى تدفع بكل ثقلها للفوز بهذا الموقع ليس فقط لحسابات انتخابية، بل لفرض رؤيتها على إدارة الحملة وتشكيل الكابينة لاحقًا".
الرقم الذي يرمز للقائد... والخلل في التناغم
أما المختص في الشأن الانتخابي أركان سعيد العزاوي، فيكشف لـ"بغداد اليوم" أن "المشكلة الحقيقية تكمن في أن بعض التحالفات تشكّلت على عجل، ومن دون انسجام فكري أو تنظيمي، ما جعل معركة الرقم واحد أكثر تعقيدًا من السابق". ويشرح العزاوي أن "الناخب غالبًا ما يربط بين المتصدر في القائمة وبين زعامة التحالف، ما يجعل من الرقم الأول موقعًا استراتيجيًا في تشكيل الانطباع العام".
ويُحذّر من أن الإصرار على الزعامة الرمزية داخل القائمة قد يؤدي إلى تصدّع خطابها السياسي، مشيرًا إلى أن "التجربة العراقية أظهرت سابقًا أن الفوز لا يرتبط حصريًا بترتيب الاسم، لكن الرمزية التي يحملها الرقم واحد باتت تؤثر على وحدة التحالف وثقة الناخب".
معركة صامتة تتكرر كل دورة
منذ أول انتخابات بعد 2003، ظهرت أهمية الترتيب في أوراق الاقتراع كأداة تعبئة انتخابية وتنافس معنوي، خاصة في القوائم الكبرى التي تضم زعامات أو تيارات متعددة. لكنّ الظاهرة تضاعفت في السنوات الأخيرة، مع دخول قوى جديدة، وتحول الانتخابات من استعراض شعارات إلى حروب ناعمة على الرمزية والبروز.
وقد سُجّلت حالات عديدة فاز فيها مرشحون من التسلسل الثاني أو الثالث، إلا أن التمسك بالرقم الأول ظل حاسمًا في رسم خريطة النفوذ داخل الكتل، سواء خلال الحملة أو في المفاوضات التي تلي الاقتراع.
الرقم واحد... حين تتحول الرمزية إلى معركة زعامة
في الظاهر، لا يبدو ترتيب الاسم في ورقة الاقتراع أكثر من تفصيل إداري، لكن في واقع السياسة العراقية، أصبح الرقم واحد عنوانًا لصراع القيادة الخفي. إنه الرقم الذي يحكم الواجهة، يوزّع الأدوار، ويرسم صورة الكيان أمام الجمهور. وما لم يتم احتواء هذا التنافس عبر آليات شفافة وتوافقات واقعية، فإن القوائم المشتركة قد تدخل المعركة القادمة وهي منقسمة من الداخل، ومشتتة في الرسالة، في وقتٍ يبحث فيه الناخب عن مشروع لا عن لقب، وعن تغيير لا عن موقع على الورق.
المصدر: بغداد اليوم + وكالات
بغداد اليوم- متابعة اليورانيوم الإيراني المخصب المختفي لا يزال يقلق أمريكا وإسرائيل على حد سواء، هذا ما أشارت إليه العديد من التقارير الاستخباراتية إلى جانب صور الأقمار الصناعية التي أظهرت نشاطا غير معتاد لشاحنات قرب منشأة فوردو قبل الهجمات الأمريكية