بغداد اليوم – بغداد
مع كل صيف ترتفع درجات الحرارة في العراق إلى مستويات قياسية، ما يدفع آلاف المواطنين، وخاصة الشباب والأطفال، إلى اللجوء إلى الأنهار والجداول هرباً من لهيب المنازل التي لا توفر الكهرباء فيها سوى ساعات متقطعة من التيار المتذبذب. هذه الظاهرة، التي بدأت تأخذ طابعاً مأساوياً، أصبحت سبباً مباشراً لفقدان مئات الأرواح سنوياً، بحسب منظمات حقوقية محلية.
أرقام مفزعة قبل الصيف
وفي أحدث إحصائية رصدها مركز العراق لحقوق الإنسان، كشف رئيس المركز، علي العبادي، اليوم الخميس (29 أيار 2025)، في حديث لـ"بغداد اليوم"، أن العراق سجل خلال الساعات الماضية فقط بين 8 إلى 10 حالات غرق، معظم ضحاياها شباب دون العشرين من العمر، توزعت بين نهري دجلة والفرات وفروعهما. وتزداد هذه الأرقام خطورة لأنها تأتي قبيل دخول فصل الصيف بشكل فعلي، ما يجعل التوقعات تشير إلى أن صيف عام 2025 قد يكون الأكثر فتكاً في تاريخ البلاد الحديث.
وبحسب العبادي، فإن ما يقارب 50% من حالات الغرق ترتبط بشكل مباشر بسوء التيار الكهربائي الذي يدفع المواطنين إلى السباحة غير الآمنة في محاولة للتخفيف من شدة الحر. ويؤكد أن الظاهرة باتت تشكل أزمة وطنية تستوجب التحرك الفوري والعاجل من قبل الجهات المعنية.
أسباب وراء الكارثة
ضعف التيار الكهربائي لا يمثل فقط أزمة خدمية واقتصادية، بل امتد ليصبح أزمة أمنية وإنسانية، إذ أن انقطاع الكهرباء لفترات طويلة يحول المنازل إلى أماكن لا تُطاق بسبب ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قد تتجاوز أحياناً 50 درجة مئوية، مما يدفع المواطنين، وخصوصاً الفئات العمرية الشابة، نحو الأنهار والجداول رغم افتقارهم للمهارات اللازمة للسباحة أو معرفة الأماكن الآمنة.
ويؤكد مختصون أن معظم حالات الغرق تحدث بسبب ضعف الوعي لدى الأسر والأفراد بخطورة السباحة في أماكن غير مهيأة، وغياب وسائل السلامة كسترات النجاة، فضلاً عن النقص الواضح في تواجد الشرطة النهرية وفرق الإنقاذ المتخصصة.
إجراءات مقترحة
رئيس مركز العراق لحقوق الإنسان، علي العبادي، طرح مجموعة من الإجراءات العاجلة التي قد تحد من هذه الظاهرة الخطيرة، تتمثل في:
استنفار الشرطة النهرية: تعزيز انتشار فرق الإنقاذ والشرطة النهرية في المناطق التي يرتادها المواطنون بشكل كبير، خصوصاً خلال فترة الصيف.
توزيع سترات النجاة: إطلاق حملات لتوزيع سترات النجاة مجاناً في المناطق الشعبية التي تشهد إقبالاً كبيراً على السباحة.
التوعية المكثفة: تنظيم حملات إعلامية وتوعوية مكثفة للتحذير من مخاطر السباحة في الأنهار والمسطحات المائية المفتوحة دون تدريب أو إشراف.
تأهيل المسابح الأهلية: إعادة تقييم شروط السلامة في المسابح الخاصة، والتشديد على ضرورة وجود منقذين محترفين ومدربين لمنع وقوع المزيد من الكوارث.
تحديات الثقافة المجتمعية
ورغم تكرار حوادث الغرق وتحذيرات المنظمات والجهات الرسمية، لا تزال الثقافة المجتمعية المتعلقة بالسلامة المائية ضعيفة جداً في العراق. وغالباً ما يستهين الشباب والأسر بهذه المخاطر، ما يجعلهم يندفعون نحو المياه دون اتخاذ الاحتياطات اللازمة. كما أن عدم وجود مسابح عامة آمنة بأسعار مناسبة تدفع الشباب إلى الاعتماد على الأماكن غير المؤهلة للسباحة.
دعوات للتحرك الحكومي العاجل
في ضوء هذه المؤشرات الخطيرة، يطالب مركز العراق لحقوق الإنسان، وعدد من المنظمات المجتمعية، الحكومة العراقية ووزارتي الداخلية والصحة بالتحرك سريعاً لوضع خطط استراتيجية واضحة للحد من حالات الغرق، وتوفير بيئة آمنة للسباحة سواء في الأنهار أو المسابح الرسمية.