بين مواسم الوفرة وغياب الرؤية.. "المشمش" البلداوي يواجه مصيره بصمت

بغداد اليوم - صلاح الدين

في قلب العراق، حيث تمتزج خصوبة التربة بعذوبة المياه وحنان الأيادي التي لا تتوقف عن العمل، تنبض بلد بقضاءٍ صغير في محافظة صلاح الدين بحياة زراعية استثنائية، تنبثق منها رائحة المشمش البلداوي، تلك الفاكهة التي لا تُشبه سواها في الطعم أو اللون أو العراقة. على امتداد آلاف الدونمات، تثمر أشجار المشمش كل عام، كأنها تحتفل بالانتماء والجذور، مانحة الأرض طعمًا لا يُنسى ومزارعيها أملًا يتجدد مع كل موسم قطاف.

لكن خلف هذا المشهد المشرق، يكمن واقع لا يقل مرارة عن طعم الخيبة التي يشعر بها المزارعون. فبينما تتدلى الثمار من الأغصان، يظل التصدير حلمًا مؤجلًا، والأسواق المحلية عاجزة عن استيعاب الفائض، والأسعار لا تكاد تغطي تكاليف موسم كامل من العناية الشاقة.

مشمش بلد، الذي بات علامة فارقة في سلة الفواكه العراقية، يواجه اليوم خطر التراجع، لا بسبب تقصير المزارع، بل لغياب الدعم الرسمي والتخطيط الطويل الأمد. إنه موسم الوفرة، نعم، لكن الوفرة وحدها لا تكفي حين تغيب الرؤية، ويُترك الفلاح ليواجه مصيره بصمت، كما اعتاد منذ عقود. هذا هو حال المشمش البلداوي اليوم، فاكهة بطعم الانتماء... تُهددها يد الإهمال.

قائممقام قضاء بلد حيدر البلداوي قال، اليوم الثلاثاء (13 أيار 2025)، لـ"بغداد اليوم"، إن "قضاء بلد يُعد من أكبر الوحدات الإدارية في العراق من حيث إنتاج الفواكه، وبالأخص المشمش، الذي يُعرف محليًا بـ(المشمش البلداوي)، والذي بات علامة مميزة على مستوى البلاد والمنطقة نتيجة جودته الفائقة".

وأضاف أن "شهر أيار يمثل ذروة موسم إنتاج المشمش في القضاء، حيث تصل الكميات اليومية إلى مئات الأطنان، وتُوزع على مختلف الأسواق العراقية دون استثناء"، مشيرًا إلى أن "خصوبة التربة، وعذوبة المياه، والمناخ المناسب، جميعها عوامل أسهمت في إنتاج نوعية فريدة من المشمش لا مثيل لها في العراق والمنطقة".

وأكد البلداوي أن "فتح أبواب التصدير للفواكه العراقية، ومنها المشمش، بات ضرورة ملحة، لما لذلك من دور في تحسين دخل المزارعين، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج، إذ تتطلب أشجار المشمش عناية خاصة طوال العام"، مبينًا أن "أسعار المشمش الحالية لا تغطي نفقات المزارعين، ما يهدد مستقبل هذا المحصول الاستراتيجي".

من جانبه، قال المزارع إبراهيم علي (60 عامًا) لـ"بغداد اليوم"، إن "المشمش البلداوي يُعد من أفخر أنواع المشمش في العراق والمنطقة العربية، ويتمتع بمذاق فريد لا مثيل له"، مبينًا أن "عائلته تزرع هذه الفاكهة منذ أكثر من 90 عامًا".

وأضاف: "نؤيد بقوة خيار التصدير الخارجي لما له من دور في تعزيز الإيرادات، وتوسيع الرقعة الزراعية، وإنشاء مزارع جديدة تسهم في دعم القطاع الزراعي بشكل عام".

وأشار البلداوي إلى أن "قضاء بلد يشتهر أيضًا بزراعة أنواع متعددة من الفواكه، لا سيما العنب، ما يعزز الحاجة إلى وضع رؤية حكومية واضحة لتصدير المنتجات الزراعية العراقية وتحقيق عائد اقتصادي يسهم في تطوير هذا القطاع الحيوي".

وهذه الفاكهة التي تُزرع بعناية وتُقطف بحب، ليست مجرد محصول موسمي، بل تمثل مصدر رزق لعائلات امتهنت الزراعة جيلاً بعد جيل، وتُجسد صلة الإنسان بأرضه. وبرغم كل هذا الإرث، يواجه المزارعون تحديات اقتصادية متراكمة، على رأسها غياب التصدير وارتفاع تكاليف الإنتاج، ما يهدد استمرارية هذا الإنتاج الحيوي.