بغداد اليوم – ذي قار
منذ أن أصبحت النزاعات العشائرية عنوانًا متكررًا في نشرات الجنوب، تحوّلت ذي قار إلى ساحة اختبار يومي لقدرة الدولة على احتواء انفجارات الغضب، التي تنبع من قلب الريف، وتتمدّد تحت ضوء النهار نحو المدينة، حاملة في أحشائها إرثًا من التراكم، وعجزًا مؤسساتيًا عن اجتراح حل جذري.
في هذا السياق، كشف مجلس محافظة ذي قار، اليوم السبت (10 أيار 2025)، عن أبرز التحديات التي تواجه الملف الأمني في ضبط هذه النزاعات، التي لا تكاد تهدأ حتى تشتعل من جديد.
وقال عضو المجلس أحمد الخفاجي، في تصريح لـ"بغداد اليوم"، إن المحافظة "تشهد بشكل متكرر نزاعات عشائرية لأسباب مختلفة"، مؤكداً أن "قيادة الشرطة تبذل جهودًا كبيرة، لكن الظروف المعقّدة تتجاوز أحيانًا قدرة الردع".
الرقعة التي تتجاوز العيون
ما يُثقل كاهل القوى الأمنية في ذي قار، ليس فقط عدد النزاعات، بل امتدادها في عمق جغرافي مترامٍ، تتوزع فيه العشائر بين البوادي والمضارب والمزارع النائية، حيث لا تصل الكاميرا، ولا يتردد صوت القانون. يشير الخفاجي إلى أن "اتساع مساحة المحافظة وانتشار العشائر في مناطق يصعب الوصول إليها، يمثلان تحديًا مستمرًا"، خاصة في ظل وجود "سلاح غير مرخص يغيّر ميزان القوة في أي لحظة".
في تلك المساحات، يسبق الرصاص أحيانًا مجيء الشرطة، وتُحسم الخصومات بمنطق الردّ لا الصبر. وعلى الرغم من أن الأجهزة الأمنية تمكنت من فرض هيبة الدولة في العديد من الحوادث، إلا أن وتيرة الاشتباكات تكشف أن الحسم ما زال مؤقتًا، والهدوء هشًا.
السلاح... ما بين العُرف والنار
السلاح في ذي قار لم يعد جزءًا من الزينة العشائرية، بل تحوّل إلى عنصر حاسم في معادلة الهيبة والردع. وبحسب مصادر أمنية، فإن نسبة كبيرة من النزاعات تبدأ بخلاف لفظي، لكنها تنتهي بتبادل إطلاق نار كثيف، بسبب توفر الأسلحة الخفيفة والمتوسطة في متناول اليد.
ورغم الحملات التي تنفذها الأجهزة الأمنية لمصادرة السلاح، إلا أن وتيرة النزاعات لا تشير إلى تراجع فعلي في حجمه. بل إن أغلب المتخاصمين يملكون القدرة على استعادة أسلحتهم خلال ساعات من المصادرة، إما عبر وساطات عشائرية، أو من خلال شبكات تهريب محلية لا تزال نشطة على أطراف المدينة.
الدولة الغائبة عن اللحظة الأولى
يقول الخفاجي إن "الأجهزة الأمنية تقوم بجهود استثنائية"، لكن المتتبع لخط بياني النزاعات يلاحظ أن الدولة تصل عادة بعد سقوط الضحية الأولى. إنها غائبة عن اللحظة الحرجة، الحاسمة، تلك التي تُحدّد فيها وجهة العنف: تسوية أم تصعيد.
هذا الغياب لا يرتبط فقط بتأخر الاستجابة، بل أحيانًا بتراجع ثقة الأهالي بقدرة الدولة على فض النزاعات بوسائل عادلة، مما يدفعهم إلى اللجوء للأسلحة بدل المخافر.
ما بعد النزاع... حين يصبح الدم مُعادلاً للهيبة
المشكلة لا تنتهي بإخماد النار، بل تبدأ أحيانًا بعدها. إذ تتحول النزاعات إلى سلاسل ثأر، تبدأ من جنازة وتنتهي عند قبر جديد. وتجد القوات الأمنية نفسها مطالبة بفرض هدنة دائمة في بيئة لا تؤمن إلا بالرد.
هنا، يقترح أعضاء مجلس المحافظة – ومنهم الخفاجي – ضرورة "بلورة حلول موضوعية"، لا تقتصر على المعالجة الأمنية، بل تمتد إلى تشريعات رادعة، ومشاريع اجتماعية تتبنى فكرة "الصلح كقيمة"، لا كتنازل عشائري.
دولة تحت رحمة البندقية
النزاعات العشائرية في ذي قار باتت أشبه بـ"ضربات زلزالية" تصيب جسد الدولة المحلي بين حين وآخر. وبين مساحة مترامية، وسلاح منفلت، وغياب حلول مستدامة، تبقى الأجهزة الأمنية في وضع "الرد لا المنع"، وتبقى الحياة في الجنوب محكومة باحتمالات اشتعال، لا تُطفأ إلا حين تُراق قطرة دم.
المصدر: بغداد اليوم + وكالات
بغداد اليوم – متابعة على امتداد الحدود الشرقية للعراق، لا تتوقف حركة الزائرين الذين يشقّون طريقهم صوب مدينة مشهد الإيرانية، حيث يرقد الإمام علي بن موسى الرضا (ع)، في واحدة من أكثر الرحلات الدينية والثقافية كثافةً وعمقًا في العالم الإسلامي. إذ تستقبل